طرابلس اليوم

الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

الحزبية بين الحظر والإباحة (1)

,

شكري الحاسي/عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

إنَّ التَّحزب والتَّجمع كان سمة طبيعية في كل عمل إنساني مُثمر مُنتج فهو فطرة إنسانية تشد المتَّفقين ، والمتوافقين في كل مشروع ، أو فكر ، وعلى كل صعيد إنساني مُؤسسي صناعي ، أو زراعي ، أو تجاري ، أو عسكري ، أو فني  ، أوثقافي ، أو سياسي ؛ للعمل في تلك الحزمة ومن خلالها أصبحت  في كثير من العقول بسب التَّشويه الإعلامي المغرض ، والفتاوى الضَّالة تارة ، والمشبوه تارة ؛ من أسماء فقدت المسميات . مع العلم أنَّ التُّراث الإسلامي شهد تنوعاً ، وتعدداً  في المدراس الفكرية ، والعقدية ، والمدارس المذهبية ( كالمذاهب الأربعة ) فأصبحت أحزاباً في مسائل فقهية دينية ، والعجيب أنَّ  هؤلاء العلماء لايرون ضيراً في الانتماء الحزبي المذهبي الديني ، وفي الوقت نفسه ينددون بالتَّحزب السياسي ، ويبدعونه ويحكمون بضلاله . فحرَّموه فيما يجوز فيه الرأي وتعدد فيه الآراء ؛ وأباحوه  فيما هو خلافه . إنَّ تعدد الآراء ، وتنوعها  يفتح الأبواب أمام التَّجمع ، والتَّحزب للآراء المتوافقة . والتَّباعد والتَّفرق للآراء المختلفة وهذا طبيعي لكل مدرك لطبيعة الأشياء ، والكائنات .

إنَّ الاختلاف والتَّنوع في حد ذاته قوة للإنتاج ، والعمل فالأقطاب المختلفة هي الَّتي تُنتج الكهرباء ، والحركة دون المتوافقة في الجنس . وما كان النهي عن الاختلاف في النَّصوص الشَّرعية إلا لأجل التَّعصب لا لأجل التَّنوع . قال تعالى :   وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ . . وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ  . لم تستنكر العقول المأسورة المأزومة المقلدة التَّحزب المذهبي ولا التَّحزب الفكري ، ولا التَّحزب القبلي المقيت الذي أصبح وثناً يعبد من دون الله . !!!!!  لكنها استنكرت التَّحزب السياسي وهو أولى ما يكون فيه التَّحزب لكن اقتضت تجريمه وجعله من كبائر الذنوب ، والمعاصي بل أصحابه من أهل البدع ، والضلال الواجب حربهم ، وقتالهم .  وصدق القائل :  وكيف يصح في الأذهان شيءٌ ……إذ احتاج النهار إلى دليلُ .

وحتَّى يتبين لنا الفارق الكبير بين علماء المنقول ، والمعقول والذين كان لهم الدور الكبير في تأصيل العلوم ، وبناء الأصول الصحيحة . كامثال ابن تيمية -رحمه الله- والذي سبق أدعياء السلفية ومن يدور في فلكهم ؛ بسنوات فلكية ، وضوئية.!!!!!! . وهو يُؤصل للعمل الجماعي ، والحزبي . مع العلم أنَّ الفارق الزمني بينه ، وبين المعاصرين المعصورين في الظاهرية المقيتة الَّتي فاقوا فيها ابن حزم  من جهة ، وبين الأهواء الَّتي قارنت عمائم السلاطين ، وأهواءهم من جهة أخرى . يقول –رحمه الله- : وَأَمَّا لَفْظُ ” الزَّعِيمِ ” فَإِنَّهُ مِثْلُ لَفْظِ الْكَفِيلِ وَالْقَبِيلِ وَالضَّمِينِ قَالَ تَعَالَى :   وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ   فَمَنْ تَكَفَّلَ بِأَمْرِ طَائِفَةٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ هُوَ زَعِيمٌ ؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَكَفَّلَ بِخَيْرِ كَانَ مَحْمُودًا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ شَرًّا كَانَ مَذْمُومًا عَلَى ذَلِكَ . وَأَمَّا ” رَأْسُ الْحِزْبِ ” فَإِنَّهُ رَأْسُ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَتَحَزَّبُ أَيْ تَصِيرُ حِزْبًا فَإِنْ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ فَهُمْ مُؤْمِنُونَ لَهُمْ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ . وَإِنْ كَانُوا قَدْ زَادُوا فِي ذَلِكَ وَنَقَصُوا مِثْلَ التَّعَصُّبِ لِمَنْ دَخَلَ فِي حِزْبِهِمْ بِالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي حِزْبِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَهَذَا مِنْ التَّفَرُّقِ الَّذِي ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَمَرَا بِالْجَمَاعَةِ والائتلاف وَنَهَيَا عَنْ التَّفْرِقَةِ وَالِاخْتِلَافِ وَأَمَرَا بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَنَهَيَا عَنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ الفتاوى :11/92. في هذا النَّص لم يُحرِّم ابن تيمية التَّحزب والعمل الجماعي وإنَّما حرَّم  التَّعصب للحزب ، والجماعة .

إنَّ هذه الفتاوى جديرة بحق أن تُكتب بمداد من ذهب في الدساتير ، واللوائح حتَّى تكون شعاراً للتَّحزب المحمود ، والمذموم . وأخرى حتَّى يقرأها ويتمعنُها الجامدون الدائرون في فلك التَّخلف ، و الجهل . وفيه دليل على بعد النَّظر ، وحسن الفهم . حتَّى نستطيع أنَّ نُفرق بين علماء عاملين أُتوا حظاً من الفهم ، وبين جمادات وحواسيب لا تُجيد إلا النسخ ، والصق .

وذكر –رحمه الله- أيضاً  ما رواه أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يحل لثلاثة يكونوا بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم ]  قال ابن تيمية:  فأوجب () تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع ..السياسة الشرعية .1/217.

وفي فتوى لهيئة كبار العلماء بالمملكة …  الفتوى رقم ( 14676 )

السؤال: كما تعلمون عندنا في الجزائر ما يسمى (الانتخابات التشريعية) ، هناك أحزاب تدعو إلى الحكم الإسلامي ، وهناك أخرى لا تريد الحكم الإسلامي. فما حكم الناخب على غير .

الإجابة :  يجب على المسلمين في البلاد التي لا تحكم الشريعة الإسلامية ، أن يبذلوا جهدهم وما يستطيعونه في الحكم بالشريعة الإسلامية ، وأن يقوموا بالتكاتف يداً واحدة في مساعدة الحزب الذي يعرف منه أنَّه سيحكم بالشريعة الإسلامية .1/373. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

وهذه أخرى يُقرر فيها العلماء مشروعية العمل الجماعي وأنَّه لا قيام للإسلام بدونه .

إنَّ النَّصوص ، والفتاوى التي سبق ذكرها ؛ لخير دليل على سعة البراح التي يتمتع بها هذا الدين العظيم الذي يفتح الآفاق أمام المجتهدين لكي يبذلوا جهدهم ، ويفتحوا عقولهم لاستنباط الأحكام ، وفتح أبواب الاجتهاد ؛ حتى لا يٌضيُّقوا واسعاً  ومن ثَمَّ  يصبحوا بلاءً على دينهم وأمتهم ؛ لا عياً في وحيهم بل ضُموراً  ، وقصوراً  ، وخِداجاً  في أحلامهم .  ورحم الله ابن القيِّم القائل :   الفهم الصحيح نعمة.

فافهم  إذا  أدلى إليك صحة الفهم ، وحسن القصد ؛ من أعظم نعم الله الَّتي أنعم بها على عبده بل ما أُعطي عبدُ عطاءً بعد الإسلام أفضل ، ولا أجل منهما ، بل هما ساقا الإسلام ، وقيامه عليهما ، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم .  وطريق الضَّالين الذين فسدت فهومهم ويصير من المُنعم عليهم الذين حَسُنت أفهامهم ، وقصودهم ، وهم أهل الصراط المستقيم .

التدوينة الحزبية بين الحظر والإباحة (1) ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الحزبية بين الحظر والإباحة (1)”

إرسال تعليق