طرابلس اليوم

الاثنين، 16 أكتوبر 2017

البدعة والتبديع  (1)

,

شكري الحاسي/ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

إنَّ مصطلح البدعة ، والتبديع في وقتنا المعاصر  أخذت مساحات كبيرة عريضة في الساحة الدينية الشرعية ، وانشغلت به قطاعات عريضة من المتعلمين ، وأنصافهم ، واشعلت نارها ، وتطاير شرارها ، واكتوى بها من حَملوها ، ومن حُملت إليهم دون تدقيق وتفصيل بين أنواعها ، ومراتبها ما بين بدعة كبيرة ، وصغيرة ، وبدعة عقدية ، وما دونها . وهل البدعة في الدِّين والمعاملات ، والعادات ، والتقليد . كل هذه الفوضى الَّتي تعيشها السَّاحة الدَّعوية ، والشَّرعية هي نتاج طبيعي لخطاب ديني مُتخلف مُتشدد فتح الباب على مصرعيه ؛ فوقع الخطر ، وعظم الكرب ولقد بين الشَّاطبي وابن تيمية وابن القيم ؛ ما هي البدعة وحدها ، ومجالها وما هي أنواعها ، وما حكم مرتكبيها من المكلفين . وجعل الشاطبي لها ضوابط :

الضابط الأول :  عرفها الشاطبي بقوله : ( هي طريقة في الدِّين مخترعة تُضاهي الشرعية يُقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ) .  وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة ، وإنَّما يخصها بالعبادات . وإنَّما قيدت بالدِّين لأنَّها فيه تخترع وإليه يضيفها صاحبها وأيضاً فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تسم بدعة كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدم . ولاشك حينما  أبعد هذا الشرط والقيد حدث الاختلاط والتشابه والاشتباك بين مخترعات الدنيا ، وما أخترع في الدين . ولأصبح كل ما جد من مخترعات وصناعات وتقنيات بدعة وضلالة ،  بل لأصبح جمع القرآن والحديث في عهد الصحابة بدعة محدثة وكأني أرى القوم يبدعون الخليفة الثاني- عمر- – حينما ابتدع الدواوين ونظام الشرطة والبريد ، ومنعه توزيع الغنائم على الجند واستبداله بنظام  الخراج  المخالف للغنائم وتوزيعها المنصوص عليها في محكم التنزيل . وفي ذلك قرينة قوية على ما انطبع في ذهن فقيه الصحابة --أن معنى البدعة بعيد جداً عن المعنى المعاصر الذي يروج له كثير من أدخلوا شعبان في رمضان .بقلة فقهم وضيق أفقهم .

الضابط الثاني: ويدخل في عموم لفظها البدعة التَّرْكِيَّةُ ، كما يدخل فيه البدعة غير التركية فقد يقع الابتداع  بنفس الترك تحريماً للمتروك ، أو غير تحريم ، فإنَّ الفعل – مثلاً – قد يكون حلالاً بالشرع  فيحرمه الإنسان على نفسه ، أو يقصد تركه قصداً . ومثله ما يفعله بعض غُلاة المتصوفة من ترك الصلاة مثلاً بحجة اليقين الذي بلغوه ، والإيمان الذي حققوه . لقوله تعالى : وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ الحجر. (99)

الضابط الثالث :  وهي مسألة في غاية الأهمية هي : ما ورد في عدم قبول عمل المبتدع ! ؟   قال الشاطبي : فإن كان المبتدع لا يُقبل منه عمل ؛ إما أن يراد أنَّه لا يقبل منه ما  ابتدع فيه خاصة دون ما لم يبتدع فيه . وقيل : أن يُراد بعدم القبول لأعمالهم ما ابتدعوا فيه خاصة ، وعليه يدل الحديث المتقدم ؛ أي أنَّ صاحبها ليس على الصراط المستقيم ، وهو معنى عدم القبول . وقيل أن تكون البدعة من البدع الكبرى ؛ كالقدرية ، والخوارج  ، الجهمية . ولا يًستساغ  شرعاً ولا عقلاً  عدم القبول مطلقاً .  الضابط الرابع :  ومسألة مهمة أيضاً ؛ إنَّ لفظ أهل الأهواء وعبارة  أهل البدع  :   إنَّما تُطلق حقيقةً على الذين ابتدعوها ، وقدموا فيها شريعة الهوى بالاستنباط ، والنصر لها ، والاستدلال على صحتها في زعمهم ، حتَّى عُد خلافهم ، وشبههم منظوراً فيها ، ومحتاجاً إلى ردها ، والجواب عنها . كما نقول في ألقاب الفِرق من المعتزلة والقدرية ، والمرجئة ، والخوارج ، والباطنية ومن أشبههم ، بأنَّها ألقاب لمن قام بتلك النِّحل ؛ ما بين مُستنبط لها ، وناصر لها ، وذابٍ عنها .: الضابط الخامس : هي تفاوت البدع وأنَّها ليست سواء قال الشَّاطبي :  أنَّ البدع منقسمة إلى الأحكام الخمسة فلا إشكال في اختلاف رتبتها ، لأنَّ النهي من جهة انقسامه إلى نهي الكراهية ، ونهي التَّحريم يستلزم ؛ أنَّ أحدهما أشد في النهي من الآخر ، فإذا انضم إليهما قسم الإباحة ظهر الاختلاف . وإذا ثبت أنَّ المبتدع آثم فليس الواقع عليه على رتبة واحدة ، بل هو على مراتب مختلفة ، ما بين كبيرة منها ، وصغيرة  ؛ أي حالها حال المعاصي . ومن جهة كون صاحبها مستتراً بها ، أو معلناً ، ومن جهة كون البدعة حقيقية ، أو إضافية ، ومن جهة كونها بينة أو مشكلة ، ومن جهة كونها كفراً ، أو غير كفر ، ومن جهة الإصرار عليها ، أو عدمة  إلى غير ذلك من الوجوه الَّتي يقطع معها بالتفاوت في عظم الإثم وعدمه . الضابط السادس : وهو الاختلاف من جهة كون البدعة حقيقية ، أو إضافية ، فإنَّ الحقيقية  أعظم وزراً ، ومثالها دعاء الأموات ، والنذر لها ، و بناء المساجد على القبور . وإما إضافية ؛ مثاله الدعاء عقب الصلاة ، وهو ما له أصل كون الدعاء مشروع ، وكونها إضافية أي لم تُشرع صفتها .  الضابط السابع : وهو أنَّ البدع تنقسم إلى ما هي كلية في الشريعة ، وإلى جزئية ، ومعنى ذلك أن يكون الخلل الواقع بسبب البدعة كلياً في الشَّريعة ، كبدعة التَّحسين والتَّقبيح العقليين ، وبدعة إنكار الأخبار السُّنية اقتصاراً على القرآن ، وبدعة الخوارج في قولهم : لا حكم إلا لله . وجزئية كونها بعيدة عن أصول الدين وعقائده .  لماذا لا مكان لهذا الفقه ولا ندري عن عمدٍ أو خلاقه. ؟؟؟؟؟

نعم الخطاب الإسلامي أصل الداء !

التدوينة البدعة والتبديع  (1) ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “البدعة والتبديع  (1)”

إرسال تعليق