طرابلس اليوم

الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017

الخوف… بين المشاعر والصناعة

,

عماد المدولي/ صحفي ليبي

يُعد الخوف من أخطر أعداء العقل دون منازع،  في حالات قليلة يتمكن العقل من إحتواء الخوف، لكن في الغالب دائما ما يسيطر الخوف على العقل ويشل كل تفكيره تماماً.

في هذا الأمر يقول السياسي الإيرلندي “ادموند بيرك” بأن ليس هناك شعور يسلب العقل كل قوى التصرف والتفكير بصورة فعالة مثل الخوف ..!!

كما ذكر الفيلسوف الروماني “لاكتاتيوس” منذ مئات السنين أن الخوف والحكمة لا يجتمعان في مكان واحد.

لم يعد الخوف مجرد أعراض نفسية يهتم بها علماء وأطباء النفس ، بل أصبح صناعة تحترفها الأنظمة الاستبدادية سواء كانت ديكتاتوريات عسكرية أو مدنية، تحدثت”  ناعومي وولف” في مقال لها بجريدة الجارديان عام 2007 عن ما أسمته بـ “تصنيع الفاشية”، أو ما يعرف اليوم اليوم بــ “صناعة الخوف”، والتي على ما يبدو إنها امتدادٌ لقاعدة ميكافيللي الذهبية للحكام : “من الأفضل أن يهابك الناس على أن يحبونك…!!”

يمكن للخوف – تحت ظروف معينة – أن يقنع الكثيرين بالتنازل عن بعض الحريات مقابل وعود  بالأمن والاستقرار، وهكذا  دأب القادة والسياسيون المستبدون عبر التاريخ، وتتغير أشكال الخوف حسب ما تقتضيه الظروف و نوعية الجماهير المستهدفة، فالخوف في زمن حرب الثلاثين عام في أوروبا كان الساحرات، وفي المانيا النازية الشيوعية واليهود، وفي اسبانيا زمن “فرانكو” كان الإشتراكية والبربرية، وواصل الخوف رحلته عبر العصور حتى أقترن في عصرنا الحالي  بــ”الإرهاب”.

إنها الخطة القديمة تجدد، بصناعة  تهديد مرعب وغير محدد المعالم، وبذلك يجري التخويف من  الإرهاب- الشيوعية- المؤامرات الخارجية – البربرية ….. ، فالساسة و الخبراء الاستراتجيون يعلمون جيداً أن عامة الناس مستعدون للتنازل عن حريتهم إذا شعروا أن هناك خطر حقيقي يتهددهم، وتصبح الجماهير مستعدة لتقبل كافة الممارسات الدموية للسلطات الحاكمة ما دامت تتم في حق غيرهم.

لا يمكن  نشر الخوف  بين الجماهير دون تجسيده  في صورة أعداء داخليين وخارجيين، فحينما يخاف الناس لا يتنازلون فقط عن حريتهم، بل  يضحون ببعض من  مقومات حياتهم الأساسية، ففي الوقت الذي كان “يلتسن” يدك  البرلمان الروسي بالدبابات وفي نفس الوقت كان يصدر قرارات اقتصادية أفقرت الشعب الروسي فيما بعد، قانون الباتريوت الأمريكي المشبوه الذي سلب الأمريكيين حرياتهم الشخصية، مرر في أجواء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بذريعة الحرب على الإرهاب، حريق الرايخستاج في 27 فبراير 1933 تم اتخاذه كذريعة لقمع الشيوعيين الألمان و إحكام سيطرة النازيين على مقاليد الحكم في المانيا.

لابد لأي سلطة لكي تسيطر على الجماهير أن تُحكم قبضتها على ما يلقى في  عقولهم،فتتحكم بوسائل الإعلام والإتصال وكافة المنابر، كل الديكتاتوريات فعلت ذلك “موسليني” في إيطاليا الفاشية، و “هتلر” في ألمانيا النازية ، ودول أوروبا الشرقية إبان حكم الأحزاب الشيوعية ،وديكتاتوريات المنطقة العربية ما بعد الإستقلال، وديكتاتوريات أمريكا الجنوبية خلال قرني التاسع عشر والعشرين، وغيرها الكثير.

وفي هذه الأجواء الرعب  يجري إستهداف رموز المعارضة الوطنية للحكم من مختلف التوجهات، ما يجعل الناس يشعرون أن الكل مستهدف بعد استهادف والتنكيل بالرموز التي في العادة ما تكون مقدسة لدى الجمهور ،  ويتضح لهم أن السلطة لن تتهاون مع أحد في الحفاظ على مصالحها، بالإضافة إلى هدف أخر و هو جعل فئة كبيرة من الناس تصدق وتقتنع كل ما يبث من أكاذيب وتحريض.

و لا تتوقف السلطة المستبدة بالمعارضين فقط ، بل توسع دائرة الخوف لتطال المتعاونين و الأقارب أو حتى المتعاطفين معهم، وهي أمور نشهدها في زمننا هذا، فلا يمكن أن يتعاطف الناس مع خائن أو عميل- بحسب تصنيف السلطة –  لانه يتأمر ضد مصلحة البلد، أو يتعاون مع أعدائها، وبهذا تتسع  أن تتسع تهم الخيانة والتجسس والتأمر لتصبح فضفاضة إلى أقصى قدر ممكن.

وما يجعل عمليات التحريض أكثر آليات السلطة خطورة،  يقول عالم الإجتماع الفرنسي “غوستاف لوبون” أن الجماهير لا تفكر عقلانياً عند تلقيها المعلومات،  فهي تتبنى الأفكار مرة واحدة أو ترفضها دون مناقشة أو إعتراض،ودائما ما تتبنى الجماهير العواطف العنيفة والمتطرفة، فالتحريضات المؤثرة عليها تغزو عقلها وتجعلها تميل للتحول إلى فعلٍ و ممارسة فوراً.

و تعزز الدولة سيطرتها عبر إستصدار القوانين الإستثنائية أو ما يعرف بــ “حالة الطوارئ” الذي أصبح ذريعة تتخذه الحكومات لتمرير أي إجراءات ستكون غير مقبولة في ظروف مستقرة، و يمكن أن تستمر حالة الطوارئ هذه  أشهر، أو سنوات، وربما عقود أحيانًا ..!!

جزء من هذه الأمور هو صراع نفوذ وتصفية حسابات، والجزء الأكبر منها هو  لإحكام السيطرة من قبل مسبد جديد أو تعزيز سيطرة دكتاتور قديم، و المفارقة أن المتضرر من إشاعة الخوف في البلاد هو الشعب الذي هو  نفسه  بكل أسف ساهم في تمرير هذه اللعبة.

وهكذا تخدع الشعوب من قبل طغاتها، وهي تتشوق للأمن والإستقرار فيشيع المستبدين أجواء الخوف والعنف والفوضى ثم يزعمون أنهم سيحاربونها.

كتب الشاعر والكاتب الإسباني  “فرناردو آرابال”  رسالة طويلة  للجنرال “فرانكو”  يذكره فيها بما جنته إسبانيا من الحرب الأهلية تقول إحدى فقرات الرسالة :

“مناخ من الفوضى وانعدام الأمن كان يعصف باسبانيا، هذا  مابررت به انقلابك العسكري وقلت حينها إن أسبانيا كانت بربرية صرفة.. !!!
إنك أنت من أتى بالبربرية، تلك التي كانت في عصر ملوك الكاثوليكيين والاستبداد الديني، فأنا لا أعتقد أن هناك أخيارا وأشرارا، هناك فقط عنف أعمى وضحية مغمورة بالرماد.”

التدوينة الخوف… بين المشاعر والصناعة ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الخوف… بين المشاعر والصناعة”

إرسال تعليق