طرابلس اليوم

الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017

جسم الكرامة … رؤية من الداخل

,

أحمد الدايخ/ كاتب ليبي

على غرار أغلب الحركات والموجات التي تتصاعد حتى تأخذ ردحاً من الزمن وما تلبث أن تظهر فيها الانقسامات والانشقاقات كانـت عملية الكرامـة .
حدثني صديق أنه سأل أحد شباب العواقير ممن أسسوا  لعملية الكرامة وساندوا  حفتر في استيلائه على بنغازي ، عن سبب وقوفهم مع رجل انقلابي دموي !!  فأجابه بأن حفتر لا يمثل بالنسبة إليهم إلا بوابة عبور أو جسر وصول لبنغازي حتى إذا ما تمكنوا منها ، وبسطوا نفوذهم عليها رموه خارج المشهد ونبذوه وراء ظهورهم .
وأجزم أنا بأن حفتر يبيت نفس النية لهم فهذه نزعة بشرية تصبغ كل العمليات الانقلابية ولا تسلم منها إقامة الدول وإنشاء مراكز القوة والنفوذ .
ظل تمسك قيادات العواقير خصوصاً والقبائل الشرقية عموماً  بخليفة حفتر بسبب علاقاته الخارجية وتعويل أطراف الثورة المضادة الإقليمية عليه ، فأكبر أطراف تتدخل في ليبيا بالمال والسلاح والعلاقات هي مصر والإمارات وهي ما يحظى حفتر معهما بدعم كبير .
ومع قرب موعد إعلان سيطرة قوات حفتر على بنغازي كانت عملية الكرامة  تشهد  من داخلها صراعاً كبيراً وبدأ ذلك واضحاً وجلياً من خلال أول صورة مشتركة ظهرت لقادة المحاور وأصحاب النفوذ في بنغازي و اجدابيا يمسكون بأيديهم في رمزية على الاتحاد خارج المؤسسة العسكرية  التي يرأسها خليفة حفتر.
ولطالما ظل الدعم الدولي وكيفية الحصول عليه  يشكل هاجساً لدى هؤلاء ، فعند قيام العقيد فرج البرعصي بأول عملية تمردية ضد خليفة حفتر كان مما قيل له  ووُجه له من أبناء عمومته خصوصاً  بأن حفتر يحظى بدعم إقليمي ودولي ، فماذا تملك أنت ؟! إلى أن حدث ماهو معروف من اقتحام مزرعته والاستيلاء على ممتلكاته وطرده خارج البلاد .
وعلى غير ما يعتقد الكثير بأنهم _قادة المحاور _لا  يمتلكون مشروعاً ، فهم يعملون لصالح  المشروع الذي أجاب به ذاك الشاب وهو إقصاء حفتر بعد بسط السيطرة على بنغازي وهو ما تفطن إليه الأخير فلم يألوا جهداً في تدبير عمليات الخطف والاغتيال ولعل أبرزها ما حصل في يوليو 2016 من محاولة اغتيال العقيد المهدي البرغثي وزير الدفاع المفوض من حكومة الوفاق ، حيث كان المهدي قائد كتيبة  204 دبابات  وأول الواصلين إلى طرابلس بتأييد من هؤلاء الشباب  _قادة المحاور _والذي لم يقطع صلته بعملية ما يسمى تحرير بنغازي من الإرهاب ، أو يعلن توبته بل ظل متمسكاً بموقفه القديم وباسطاً يده لإقامة تحالفات جديدة ، وهذا كان واضحاً في موقفه من إنشاء سرايا الدفاع عن بنغازي والنقاشات التي سبقت التأسيس والتحالف مع من كان يقاتلهم في بنغازي .
لم يختلف موقف فرج اقعيم عن سابقه في اتخاذ خطوات فعلية في اتجاه حكومة الوفاق مع  الإبقاء على قوته في بنغازي ، ففي حين عُين وكيلاً لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق ، أصر  بأن يكون حاضراً بكتيبته في بنغازي ويجتهد في الحصول على دعم قبلي من أبناء عمومته وكذلك من أبناء القبائل الأخرى .
يسعى قادة المحاور في بنغازي إلى توليف معادلة يكون أحد طرفيها هو ما يتمتعون به من قوة ونفوذ في المنطقة  وفي الطرف الأخر الحصول على شرعية و دعم دولي يتمكنون من خلالها من توسيع صلاحياتهم ونفوذهم باسم الدولة ، فليس تحركهم رغبةً في توحيد البلد أو جمع شتاتها بقدر ماهو تعلق بخيط يوصل لدعم  يدرء شبح حفتر عن المنطقة ، وجولة من جولات الصراع التي تمنحهم مساحة أكبر للتحرك وابتزاز معسكر حفتر .
ورغم ما سبق من تحركات قادة العواقير ومن حالفهم إلا أن حفتر قد أعد العدة لمثل هذه الاعتبارات فهو يسابق الزمن في تولية المقريبن منه ومن يضمن ولاءهم في الأماكن القيادية الكبيرة ، فقد عين  أبناءه  قادة للكتائب ، والمقربين من أبناء عمومته من الفرجان في المناصب الحساسة ليست العسكرية فحسب بل حتى المؤسسات الاستثمارية والمصرفية ، وأطلق يد ابنه صدام على من يخالفه بالبطش والخطف والاعتقال .
هذا كله ينبي عن حجم الصراع البنيوي في جسم عملية الكرامة والتشبث بمقاليد السلطة وبسط النفوذ  من قبل شباب جموح شارك في المحاور ويرى بنغازي والمنطقة تضيع من بين يديه ، وفي الطرف المقابل عسكري هرم  يسابق الزمن ويضغط الأيام ويستعجل الأحداث  لتحقيق سيطرته على الأرض ونقل المعركة  للغرب الليبي  وإقصاء من يخالفه ، وثالث متفرج من مشايخ القبائل يمسك العصا من المنتصف ليرى إلى أين تؤول الأمور ليعلن تأييده ومباركته ، ومواطن قد أضناه التعب وأرهقه العيش  ينتـظر انتهـاء  حرب قد طال أمدها  .

التدوينة جسم الكرامة … رؤية من الداخل ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “جسم الكرامة … رؤية من الداخل”

إرسال تعليق