طرابلس اليوم

الأحد، 19 نوفمبر 2017

جيل يمضغ تلك اللحوم

,

احميد عويدات/ كات من الجنوب الليبي

لم يعط ابن عبّاس لقب ” ترجمان الأمة ” بسبب العلم الذي حصّله أو الكم الضخم الذي حفظه واستأثر به من سر النبي الكريم عليه أفضل الصلاة و السلام، إنما سمّي بهذا الاسم نسبةً  لكونه كان يترجم النص المقدس إلى واقع المعيشة في ذلك الوقت، وهنا مربط الفرس في الأزمة الفقهية المتحجرة التي نعاني منها الآن.

النص المقدس تحول بمفعول الفقه القاصر لبعض الكهنة، إن صحّ وصفهم، والذين نصبوا أنفسهم حماة للدين والعقيدة إلى نص مقولب حسب الطلب، يحمل بضعة معاني انحصرت لخدمة مصلحة الكاهن والحاكم لا أكثر، وكلمات تكلست على شاكلة فكرة متحجرة لا تتمرن مع الزمن تُقام لها نسكها المظهرية التي لا تُمس إلا من قبل من وضعها، إذا ما أرتأوا أن فيها عوجًا قد يعرّي صاحبها مستقبلاً، وفي بلاد نجد هذه الأيام مثالٌ على هذا.

منظومة الفقه الحالية أصبحت تماثل نهج الكنيسة في أواسط الألفية الماضية وتستأثر النص وفقهه وتحيطه بهُبل الفكرة، للحفاظ على منظومة متوارثة، على شكل قدسي محمي بهالة لاهوتية، فكما حُمي هُبل قريش من قبل والذين من قبله بأحاديث اللعنة يُحمى اليوم أصنام الفقه بحديث اللحوم المسمومة.

ولأن النص هنا أصبح الصنم، فالنص كذلك هو الحل والمفتاح والفأس والسلطان المبين، وعليه نضرب بالسيف عنق الفكرة الفاسدة التي أحاطوها به، ولعل تهمة الكفر والضلال التي يوصف بها كل من انتقد علماء اللحى وأحكامهم وانقص من ألوهيتهم .

فهل في النص وقاحة وأكل للحوم يا ترى، أم أن النص يكشف أننا نفتقد للشجاعة والجرأة اللازمة لاكتشافه وحمله والاجتهاد فيه وبه والعمل بعلمه، ولما لا ننشأ مذهب جديد لو أمكن.

إننا اليوم أمام هذه الغشاوة التي وُضعت بيننا وبين النص المقدس في حاجة ملحّة إلى حركة تحديثية، تشق طريقها نحو العلم والفقه لتجديده،حركة تصنع جيلاً جديداً يمضغ تلك اللحوم المسمومة ويكسر أصنام الفقه الفاسدة ويضع الإنسانية نصب عينيه ليقود من بعده أجيال تنير بعلمها الأرض، جيل يتجرأ على النص و يزيح عباءة الوهم عنه ويكسر عنه الأغلال التي صُفدت بها معانيه العظمى في أزمنة سقوط الدين تحت ظلمة الأنظمة الشمولية، أزمنة ظهرت بها نفايات الفكر لتملأ الفراغ، واليوم وجب أن يُملأ هذا الفراغ بمن هم أحق بملئه، جيل يُدرك أن القرآن نص حث على الاجتهاد لا على تبني القوالب الجاهزة المتوارثة .

جيل يفهم أن النص الذي قيل فيه عن الإنسان إنه خُلق جهولًا هو ذاته النص الذي قدم للإنسان أمر التعلم و الاجتهاد ” اقرأ “.

لا بد من جيل يدرك جيدًا أن القرآن ليس نصًا تكفيريًا وأن قدوة الأمة صلى الله عليه وسلم لم يقل يومًا لشخص “يا كافر” ولم يوجه دعوة خطابية من دعواته الخالدة لقوم بالقول لهم “يا كفرة ” إنما هو قائد مُعلم لمناهج العلم ومتمم لمكارم الأخلاق تعامل مع نص مُعلم حكيم لا ريب فيه، نص محرك للألباب على مدى العصور.

لا بد من جيل يستعيد السبيل إلى صراطه ويقتفي ما لوقته وواقعه من علم ويترك ما ليس لهما، مدركاً أنّ هذه الأصنام الفقهية يجب إنهاء سلطتها على عقول هذه الشعوب وإزاحتها من كامل المشهد. كل إنسان قابل لان يخطئ وهذا ليس معيباً، كلنا يؤخذ منّا و يرد علينا إلا صاحب ذلك القبر عليه أفضل الصلاة و السلام.

التدوينة جيل يمضغ تلك اللحوم ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “جيل يمضغ تلك اللحوم”

إرسال تعليق