طرابلس اليوم

السبت، 18 نوفمبر 2017

طريق حرير التهريب جنوب ليبيا، من سبها إلى النيجر.. رواية صحفي

,

عبد المنعم الجهيمي/صحفي وكاتب ليبي

مشاعر مختلفة وأحيانا متناقضة تعتريك وأنت تجوب تلك الصحاري التي تقودك إلى حدود ليبيا مع النيجر، لا تتغير جغرافية الأمكنة كلما تقدمت، فالصخور ذاتها والجبال ذاتها والرمال ذاتها، جميعا تتخذ أشكالا متقاربة، حتى وجوه البشر لا تتغير كثيرا.

القاسم المشترك في كل هذا أنك للحظات لا تشعر بالانتماء إلى هذا المكان، أو لنقل إنك لا تشعر بأن شيئا ما قد يربطك بهذه القفار التي تجوبها على غير هدى، بدأت رحلتنا من بلدة تجرهي الواقعة إلى الجنوب من مدينة سبها بحوالي 500 كم، نرافق في رحلتنا إحدى الكتائب المحلية التي تنشط في الحدود لحمايتها.

قبل الانطلاق لاحظتُ الجميع وهم يهتمون بتنظيف وتجهيز أسلحتهم، أكثر من تسعين سيارة مسلحة تحمل الواحدة فيها مابين اثنين إلى ثلاثة مسلحين، في الصحراء كل السيناريوهات متوقعة، خاصة مع انفلات الأمن وانتشار جماعات التهريب والاتجار بالبشر، لذا يحرص الجميع هنا على التسلح والتجهز لكل طارئ.

تعتمد الكتائب المحلية في هذه المناطق على ولاء الأفراد المنتسبين إليها، وهو ولاء غير مضمون على الدوام، إذ تعصف به في أحيان كثيرة رياح القبيلة والمال، ولكن كتائب القطرون وهي المسؤولة عن هذه المنطقة ضمنت ولاء أفرادها، وبالتالي صار لها وزن كبير في هذه المنطقة.

كنت أقف وأنا أشاهد هؤلاء الأفراد الذين كان أغلبهم شباب في مقتبل العمر، تحدثت إلى أحدهم (أحمد21عام) حول أحلامه وما الذي قذفه في هذه الصحراء القاحلة؟!، أحمد كان مليئا بالحماس وهو يحدثنا عن حبه لهذا العمل وحبه لروؤساء كتيبته، أجابني أنه التحق بهم منذ العام 2012، وقد توفر له راتب جيد لم يفصح لنا عن قيمته، يأتي ليعمل عدة أشهر قبل أن يأخد إجازة ويعود لبلده في البخي(قرية من ضواحي القطرون)، أحمد لم يكمل تعليمه ولكنه سعيد كونه يعيل أسرته المكونة من والديه وأخواته الست وشقيقه الأصغر قرصدي الذي يأمل أن يكمل تعليمه.

تركت أحمد يكمل تجهيزاته، والتفت إلى سيارة في طرف الرتل، كنت تلك إحدى السيارات التي تحمل التموين وموؤنة الرحلة من الأغذية المعلية والخبز وبعض العصائر،  يقف بجانبها رجل خمسيني ولكن خطوط وجهه وتجاعيد عينيه أعطته عمرا أكبر، يلف حول رأسه عمامة كبيرة لم تتناسب مع لباسه العسكري، العم شندي كما يناديه الجميع هنا، هو المسؤول عن كل ما يتعلق بالطعام، فهو من يوزع الحصص ويقدر الاحتياجات ويحدد الكميات، قال لنا العم شندي إن رحلات الصحراء طويلة وقد تمر أيام قبل أن نصل فيها إلى أراضِ معمورة، ولكن الشباب أيضا يعملون وهم يجوبون هذه القفار ومن الطبيعي أن يشعروا بالجوع بشكل أكثر، وهذا يدفعني إلى أن أكون حريصا على توفير الغذاء وبقائه بشكل منتظم.

أضاف أن لا أحد من الرتل يعلم حقيقة الكميات التي يأتي بها، فبقاء هذه المعلومات مجهولة تضمن له سيطرة على رغبات الافراد.

تنطلق الرحلة عبر الرمال إلى الويغ التي تبعد 30 كم جنوب تجرهي، تعتبر الويغ نقطة مهمة في الطريق إلى الحدود النيجيرية، فهي تقع على الطريق الرئيسي وتمر بها أغلب شاحنات النقل والركاب من البلدين، في الويغ تقع قاعدة عسكرية جوية فقدت الكثير من بهاءها ورونقها بعد أن طالها الإهمال، مرافقها سليمة ولكنها مهملة وغير مستخدمة، تقوم إحدى التشكيلات المحلية بحمايتها بعد أن اتخذتها مقر لها، هنا في الويغ يبيت الرتل ليلته البادرة، ينتشر الأفراد لإشعال النيران والتحلق حولها، كان لنا ميزة قضاء الليل في إحدى استراحات القاعدة.

عند الصباح الباكر ينطلق الرتل ليشق طريقا طويلة إلى منفذ التوم الحدودي، في الطريق تنتشر العديد من المطاعم الشعبية التي توفر أمكنة للراحة لمن لحقه التعب، دخلنا لأحدها وهو عبارة عن مكان مبني بالطوب ومسقف على الطريق الإفريقية، لا يوجد نظام داخله فمكان الطبخ هو ذاته مكان الجلوس والحساب، هنا تصطدم مع معاملات تختلف عما تعودته من قبل، لا يتم بيع الخبز مثلا إلا إذا طلبت وجبة، الأسعار أيضا ترتفع بمقدار الضعفين، التقينا أحد الطباخين النيجيرين في المطعم، قبل أن نسترسل معه في الحديث قال بصوت ديناميكي، اسمي صدام حسين، صدام سعيد بهذا الاسم وسعيد بتعليقات الغرباء عندما يعلمون باسمه، قال صدام إن عمله هو تجهيز وجبة كبد الدجاج المقلي، التي يبلغ سعر الصحن الواحد منها هنا ستة عشر دينارا.

نكمل طريقنا لنصل إلى معبر النقازة، وهو عبارة عن ممر ضيق بين جبلين، لن تستطيع التقدم في المنطقة دون أن تمر بهذا المعبر، داخله وجدنا خيمة بمثابة محل للمواد الغذائية وقد ارتفعت أسعارها ثلاثة أضعاف، هنا أيضا تنقطع الاتصالات ويصبح جهاز الثريا وسيلة الاتصال الوحيدة التي نعول عليها.

تختلف هنا اللهجات واللغات، ويصبح حديثنا بالعربية غريبا إلى حد ما فالكل هنا يتحدث التباوية أو الهوسا، ولا نفقه اللهجيتن، وصرت انتظر دوما أن ينتهي أي حديث لانتظر ترجمته، وفي أحسن الأحوال أحاول تعلم بعض الكلمات التي قد تساعدني على التماهي مع المشهد الجديد.

من الصعب أن تصف كل تفاصيل الرحلة فهي طويلة وقد لا يتسع هذ المقام لسردها، ولكن الوضع عند وصولنا لمنفذ التوم الحدودي مع النيجر يعتبر أهم هذا التفاصيل على الاطلاق، مبنى متهالك وأسقف مهترئة وجداران متسخة ومكاتب فارغة من موظفيها وأثاثها وأوراقها، هذا مايبدو عليه شكل المنفذ الذي يفترض أنه يتحكم في حركة المرورو من وإلى ليبيا مع النيجر، حيث يسيطر المنفذ على حدود يبلغ طولها 1500كم.

التقيت بآمر المنفذ صالح قلمة الذي يشتكي من إهمال السلطات المركزية للمنفذ، فمنظومة الجوازات متوقفة منذ أكثر من عامين، كما أن المنفذ لا يملك التجهيزات الكافية لتوثيق عمليات الدخول والخروج، وهو ما يجعله عبارة عن مكان للتسجيل لاغير، يقول قلمه إن المنفذ يسجل يوميا مامتوسطه 150 إلى 180 مركبة داخلة وخارجة من الجانبين.

ولكن ذلك لايمنع المنفذ من تسيير بعض الدوريات في الصحراء، رافقنا إحدى هذه الدوريات التي ضبظت شاحنة مخالفة لسائق نيجري، ولكن المنفذ لا يملك مايمكنه من حجز عدد كبير من المركبات، كما لا يملك ما يجعله يطعم المحتجزين لديه، فضلا عن قلة الأفراد، لذا لن تكون كل هذه الضبظيات ذات منفعة.

وقفت أمام الجبال الواقعة على الحدود، تلك الحدود التي صارت ممرا آمنا لكل شئ إلى ليبيا، من الممكن أن يدخل أي إنسان منها ويصل إلى طرابلس دون أن يوقفه شئ، ذلك المشهد الذي تغافلت عنه الحكومات الليبية يحتاج إلى إعادة نظر لضبظه من جديد، ولكن ذلك لا يحدث، فالجميع في الشمال مشغول بصراعاته وسجالاته، ويحاول اكتساب أكبر كمية من الوقت والمال والسلطة، سلطة على بلد منتهك!!!

التدوينة طريق حرير التهريب جنوب ليبيا، من سبها إلى النيجر.. رواية صحفي ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “طريق حرير التهريب جنوب ليبيا، من سبها إلى النيجر.. رواية صحفي”

إرسال تعليق