طرابلس اليوم

الخميس، 16 نوفمبر 2017

حوار المدفع و مخرجات البندقية

,

عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق

( أنت تريد أن تناقش أم تُعاند ؟ أريد أن أناقش، معناها اسكت ! !) صدرت هذه العبارة من موجه تربوي لمعلم مادته التي يقوم بمتابعتها أثناء حوارٍ دار بينهما حول مسألة معينة كان فيها المعلم صاحب حجة وبيان، غير أن موجهه لم يقبل بالتنازل والإقرار فجاءت عبارته الصادمة هذه، والتي اخترتها مدخلًا لهذا العنوان، والأمثلة كثيرة بالخصوص، فالإيمان بالحوار ليكون وسيلة لتحقيق نتائج مرجوة هو رهن قناعة طرفيه أو أطرافه باستبعاد العناد والتصلب، وانتظار طرف لتقديم تنازلات دون أن يسير الطرف الآخر بإتجاه التقارب معه، ذلك أن مسألة المشاركة والتحاور هى ثقافة قبل أن تكون ممارسة وسلوك، بالبيت والشارع والمدرسة والمؤسسة، وللأسف أننا نفتقدها بدروب حياتنا بشكل عام، ولهذا آلت نتائج حوارنا السياسي للفشل، وهو نتاج وانعكاس لسياسة القمع التي تلف حياتنا.

مازال المدير سيد مؤسسته، يُشرعُ ويُنفذُ ويُراقبُ، وتُبارك خطواته الفاشلة قبل الناجحة إن تمكن منها، يجعل من مدراء الإدارات تابعين يبدون آرائهم في حدود قناعات إمبراطورهم، فيصفق له المستخدمون وإن أضرم النيران بالمبنى .

للأسف هذا أمر شائع، بالوزارات، والدوائر، والهيأت، والإدارات، والمدارس والجامعات، صحيح أن هناك إستثناءات، لكن لا يقاس عليه، وغالبًا ما تكون للتندر وفي إطار هل تصدق أن ؟ !  من باب العجب والإعجاب، هذه الممارسات قتلت روح الإبداع، وكسرت باب العطاء، حتى داخل الأسرة التي يأويها سقف واحد، والمدرسة التى يُستقبل تلاميذها وطلابها بالتعنيف والتعزير قبل أن يؤدوا تمارين الصباح، وبجامعاتنا ومعاهدنا التي يغيب فيها مبدأ التحاور وسماع الآخر، كل ما سبق أدى لترسيخ ثقافة تأليه السيد المسؤول وإن كان لا يفرق بين الليل والنهار، واعتبار تعليماته واجبة النفاذ والمباركة، ولا يعني هذا أننا ندعو للتمرد على قانون الإدارة واسس وروابط المهنة بقدر ما ندعو للتخلي عن سياسة الإملاء والإصرار على الخطأ، وسماع الآخر عندما يكون مخطئًا، والنزول عن آرائه حالما يكون صائبًا، هذا هو المفقود لدينا، وهو مكمن الداء والدواء .

ولا شك أن محور هدم هذا البناء الأعوج المعوج يتمثل بتطوير السياسة التعليمة، وتحديث ألياتها حتى تساير العالم المتقدم وتواكبه، ففي عصر التقنيات الحديثة يواجه أبناؤنا بأساليب عفى عليها الزمن وأصبحت أضحوكة حتى للمتعلمين أنفسهم، ليس من المنطق أن يعامل جيل هذا القرن برتابة القرن الماضي، مازالنا ننظر لأبنائنا على أنهم ألات تسجيل تُحشى بكمٍ من المعلومات لمن له قدرة الإستقبال منهم، ثم يُطلب منهم تفريغها بورقة ذات نموذج معدٍ أو مرقوم، نتعامل مع طلابنا هكذا وهم يقومون بعمليات “تقنية” بالهاتف المحمول وجهاز الحاسوب قبل أن ينخرطوا بالعملية التعليمة، تلك العمليات التي يفوق تعقيدها مسائل جبرية بالصف التاسع من مرحلة التعليم الأساسي، وهذا المثال ليس ضربًا من الخيال، وإنما هو واقع حي نلامسه صباح مساء.

 

ما كنت غافلًا عمّ أسلفت من القول بخصوص المؤسسات والإدارات، لكني أرى أن أساليب التعليم والتعلم لاعب أساسي بهذا النتاج الفوضي، وفيم لو اقترن بتنشئتنا الأسرية والإجتماعية فالحديث عنها سيطول .

لماذا لم ينجح المتحاورون في ليبيا وخارج ليبيا، فشلوا أو أُفشلوا؟ أو أن مصالحهم الخاصة والعامة حالت دون ذلك، وعدم تقديرهم مصلحة الوطن، والإستخفابحالة المواطنين المزرية و المؤسفة فغابت عنهم وأغفلوها، كل ذلك محل نقاش وعرض للأخذ والرد، لكن ومن خلال رؤيتي الشخصية تبقى طبيعتنا الإجتماعية عامل مهم في هذا الإخفاق، دون أن نتجاهل الأخريات التي نوهت عنها بالأسطر السابقة، ليس أدل من مثال على ذلك سوى المقابلات واللقاءات التي تجريها قنواتنا الفضائية التي يعلو فيها الصياح وتوظيف العبارات السوقية والخروج من اللقاءات بشقة أوسع وبتيهٍ أكبر مما كان عليه المتحاورون قبل إنطلاق الحلقة .

( تبي تناقش يبقى تسمع صوتي وتسكت ) هذا هو ما يدور اليوم بين ساستنا — طبيعي ليس كلهم — تصلب في غير موضعه، وتمسك إسمنتى يقابله تعنت خشبي، فكيف لهما أن يلتقيان، يردان الحوار بنتائج مسبقة بذهن كل منهما قبل أن يلجا غرفة الحوار، لم تتولد لديهم القناعة التامة بأن الحوار يعني التقارب والتنازال لأجل قضايا الوطن، فلا أحد على صواب بدرجة الإمتياز ولا أخر خاطئ بذات الدرجة، يتمترس طرفا الحوار كلا بمطالبه وتتحول طاولة الحوار لملعب كرة قدم كل يريد أن يسجل بمرمى الآخر والعود بالفوز ولو ضاع الوطن، وتسجيل  هزيمة الآخر.

أوافقكم الرأي أن عوامل أخري تلعب دورًا مهما لتحقيق غايات ومصالح عادة ما تكون مغلفة ببريق الوطن وهموم المواطن لكنها لعمري لا تتعدي شفاه البعض منهم في حقيقتها.

وفي خضم هذه الخلطة والربكة ليس من وصف لهذا الحال سوى أنه نزال علي طاولة عناد مزدانه بالأكل والشرب بين بندقية “البرغماتي” ومِدفع المنفعي، فإن نطقت البندقية هاج المدفع، صحيح أن القوة النارية تختلف بينهما، ولكلٍ موضعه واستخدمه عندما يكون المنطق ميدانيًا عسكريًا، لكن بإمكان رصاصة “الكلاشنكوف” أن تودي بحياة رامي المدفع، وبإمكان المنطق السوي والعقلاني أن يسكت الإثنين ليس من باب العِناد وإنما من باب فليبقى الوطن ولترحلوا أنتم .

التدوينة حوار المدفع و مخرجات البندقية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “حوار المدفع و مخرجات البندقية”

إرسال تعليق