شكري الحاسي/عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الاستبداد هو الداء الدوي ، والبلاء العصي ، منبع كل شر ، ومصدر كل ضُر . يُعمي البصائر ؛ لا الأبصار !! ويُشقي النفوس والآمال . ورحم الله الكواكبي حين قال : ’’ الاستبداد أصل لكل داء . ولو أراد الاستبداد أن ينتسب لقال : أنا الشر ، وأبي الظلم ، وأمي الإساءة ، وأخي الغدر ، وأختي المسكنة ، وعمي الضٌر ، وخالي الذل ، وابني الفقر ، وبنتي البطالة ، وعشيرتي الجهالة ، ووطني الخراب أما ديني وشرفي ؛ فالمال المال المال ’’.
نعم ، إنَّه نسب عريق في الشر ، والجهالة يُذكَى بالجهل وينمو بالفقر ، ويعلو بالفسق ، ويشِبُّ على الذل ، والمهانة حتَّى تفسد نفسه ، ويقسو قلبه وينحني شرفه ؛ فيصبح خسيس القلب شحيح النفس هزيل الطموح والهمة ، لا تعلو له مكانة ؛ إلا تحت الاستبداد والقهر .
ولهذا فإنَّ الشعوب الَّتي عاشت الاستبداد سنين تُسلبُ الراحة الفكرية فتمرض العقول ، ويختل الشعور ، ويصل الاستبداد بالعامة درجة يفقدون بها التمييز بين الخير ، والشر ويشوش على العقول الضعيفة الحقائق بل البديهيات بل يزداد الأمر غرابة حتَّى في إغفال العقلاء ، وشرعنتهم للاستبداد ، والفساد !! وكذلك يصنع بالطِباع الخيرة فيُفسدُها ، ويدمرها ويُحبِب إليها النفاق والرياء ، والتَّملق ويقلب الموازين حتَّى يصبح الحق باطلاً ، والبطل حقاً والأمانة خيانة ، والخيانة أمانة ، والشجاعة تسرعاً وتهوراً .
ولهذا تراهم اليوم يحاكمون الضحية على استنفارها ، وكسر قيودها في وجوه الظالمين فما كُنا فيه من طُعمةٍ من جوع ، وأمنٍ من خوف هي سعادة فُقدت لا تستعار !؟ وهل ما يرجوه القطيع إلا راحة في سُكناه ، وطعاماً في مرعاه ؛ فإنَّ هاجت يوماً واستنكرت القيد ، وقلة المؤنة ؛ استحقت العذاب والشقاء فالسيد المطاع كريم ، وإن أمسك غني وإن أجاع ، رؤوف وإن ضرب ورجم فله الحكم والأمر تبارك …..!!!؟
لقد كان للظالم فُسحةً من مال وعلم ، وقوة كان بوسعه أن يمد ظلالها ، ويشد من خلالها رُقياً في القيم ، والأخلاق وهمة في النفوس وسعة ، ورغداً وبسطة في المال . إنَّ المستبد هو الظلوم المكلوم المطرود ! والطاعة العمياء الَّتي رُسمت لهم باسم الدين منبوذة مرذولة ؛ زينها لهم عباد الشيطان ، والمال وسدنة المعبد والكهان ؟؟ فالقرآن المدفون مشحون بتعاليم إماتة وقتل الاستبداد ، واستئصال أوصاله وجذوره ، بل ماحَفَلَ القرآن بقصةٍ أكثر من حكم طاغية سام الناس سوء العذاب كفرعون وجعل منه رمزاً لكل طاغية عنيد ومجرم طريد . فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ النازعات .24. إنها ألوهية التشريع والاستكبار والعلو ، لا ربوبية الخلق والإنشاء . وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِي قَوۡمِهِۦ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ الزخرف.51. إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ القصص.4. قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ غافر.29. قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖإ الشعراء.49.
طريق واحد وسبيل واحد لكل مستبد ظالم . إنَّها نفس المقولة والشعار ، والدثار . رأيِّ سداد ، وحكمي نفاذ ، محفوظ من الخطأ ومغفور من الزلل . حتَّى إيمان القلوب لابد فيها من الإذن والسماح !!!؟ إنَّ تكرار قصة موسى وفرعون أكثر من خمسين مرة تقريباً ؛ لدليلٌ على تكرارها عبر العصور والأزمان . ولقد لفت القرآن أنظارنا إلى علاقة المستبد برعيته والظالم بمظلوميه في إشارات ولمحات ؛ لعلو المستبد فلول خضوعهم وركوعهم وذلهم ما علا واستطال . فهذه بلقيس تشاور أشباه رجالها ووزرائها قالوا قَالَتۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَفۡتُونِي فِيٓ أَمۡرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡهَدُونِ ٣٢ قَالُواْ نَحۡنُ أُوْلُواْ قُوَّةٖ وَأُوْلُواْ بَأۡسٖ شَدِيدٖ وَٱلۡأَمۡرُ إِلَيۡكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأۡمُرِينَ النمل.32-33. نعم ، الأمر إليك ؟ هكذا تاريخ الفاسقين وشعارهم . علم ياقائد علمنا كيف أنحقق مستقبلنا .!! فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ
نعم ، إنَّهم فاسقون مستحقون لعذاب الفراعنة . فما استبد طاغية ؛ إلا لوجود استعداد للاستعباد والاستخراب . فهو يد الله القوية الخفية الَّتي يصفع بها رقاب الآبقين من جنَّة عبوديته إلى جهنَّم عبودية المستبدين . وهو سيف الله ينتقم به ثم ينتقم منه . فالاستبداد عقاب الله يتعجل به الانتقام من عباده الخاملين ولا يرفعه عنهم حتَّى يتوبوا توبة الأنفة . إنَّ المستبدين لا يتولاهم إلا مُستبد مثلهم . حتَّى قيل : كما تكونوا يولى عليكم . وهذا والله عدله ورحمته . والطيور على أشكالها تقع . ومما لاشك ولا ريب فيه أنَّ ضريبة الحرية كبيرة فادحة ، ولكن وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ .ص.3. وقال أحدهم : الحرية أو الطوفان .
التدوينة الاستبداد هو البلاء ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.