طرابلس اليوم

الجمعة، 17 نوفمبر 2017

الاستبداد هو البلاء

,
شكري الحاسي/عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الاستبداد هو الداء الدوي ، والبلاء العصي ، منبع كل شر ، ومصدر كل ضُر . يُعمي البصائر ؛ لا الأبصار !! ويُشقي النفوس والآمال . ورحم الله الكواكبي حين قال : ’’ الاستبداد أصل لكل داء . ولو أراد الاستبداد أن ينتسب لقال : أنا الشر ، وأبي الظلم ، وأمي الإساءة ، وأخي الغدر ، وأختي المسكنة ، وعمي الضٌر ، وخالي الذل ، وابني الفقر ، وبنتي البطالة ، وعشيرتي الجهالة ، ووطني الخراب أما ديني وشرفي ؛ فالمال المال المال ’’.
نعم ، إنَّه نسب عريق في الشر ، والجهالة يُذكَى بالجهل وينمو بالفقر ، ويعلو بالفسق ، ويشِبُّ على الذل ، والمهانة حتَّى تفسد نفسه ، ويقسو قلبه وينحني شرفه ؛ فيصبح خسيس القلب شحيح النفس هزيل الطموح والهمة ، لا تعلو له مكانة ؛ إلا تحت الاستبداد والقهر .
ولهذا فإنَّ الشعوب الَّتي عاشت الاستبداد سنين تُسلبُ الراحة الفكرية فتمرض العقول ، ويختل الشعور ، ويصل الاستبداد بالعامة درجة يفقدون بها التمييز بين الخير ، والشر ويشوش على العقول الضعيفة الحقائق بل البديهيات بل يزداد الأمر غرابة حتَّى في إغفال العقلاء ، وشرعنتهم للاستبداد ، والفساد !! وكذلك يصنع بالطِباع الخيرة فيُفسدُها ، ويدمرها ويُحبِب إليها النفاق والرياء ، والتَّملق ويقلب الموازين حتَّى يصبح الحق باطلاً ، والبطل حقاً والأمانة خيانة ، والخيانة أمانة ، والشجاعة تسرعاً وتهوراً .
ولهذا تراهم اليوم يحاكمون الضحية على استنفارها ، وكسر قيودها في وجوه الظالمين فما كُنا فيه من طُعمةٍ من جوع ، وأمنٍ من خوف هي سعادة فُقدت لا تستعار !؟ وهل ما يرجوه القطيع إلا راحة في سُكناه ، وطعاماً في مرعاه ؛ فإنَّ هاجت يوماً واستنكرت القيد ، وقلة المؤنة ؛ استحقت العذاب والشقاء فالسيد المطاع كريم ، وإن أمسك غني وإن أجاع ، رؤوف وإن ضرب ورجم فله الحكم والأمر تبارك …..!!!؟
لقد كان للظالم فُسحةً من مال وعلم ، وقوة كان بوسعه أن يمد ظلالها ، ويشد من خلالها رُقياً في القيم ، والأخلاق وهمة في النفوس وسعة ، ورغداً وبسطة في المال . إنَّ المستبد هو الظلوم المكلوم المطرود ! والطاعة العمياء الَّتي رُسمت لهم باسم الدين منبوذة مرذولة ؛ زينها لهم عباد الشيطان ، والمال وسدنة المعبد والكهان ؟؟ فالقرآن المدفون مشحون بتعاليم إماتة وقتل الاستبداد ، واستئصال أوصاله وجذوره ، بل ماحَفَلَ القرآن بقصةٍ أكثر من حكم طاغية سام الناس سوء العذاب كفرعون وجعل منه رمزاً لكل طاغية عنيد ومجرم طريد .  فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ النازعات .24. إنها ألوهية التشريع والاستكبار والعلو ، لا ربوبية الخلق والإنشاء .  وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِي قَوۡمِهِۦ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ  الزخرف.51.  إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ  القصص.4. قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ  غافر.29.  قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖإ  الشعراء.49.
طريق واحد وسبيل واحد لكل مستبد ظالم . إنَّها نفس المقولة والشعار ، والدثار . رأيِّ سداد ، وحكمي نفاذ ، محفوظ من الخطأ ومغفور من الزلل . حتَّى إيمان القلوب لابد فيها من الإذن والسماح !!!؟ إنَّ تكرار قصة موسى وفرعون أكثر من خمسين مرة تقريباً ؛ لدليلٌ على تكرارها عبر العصور والأزمان . ولقد لفت القرآن أنظارنا إلى علاقة المستبد برعيته والظالم بمظلوميه في إشارات ولمحات ؛ لعلو المستبد فلول خضوعهم وركوعهم وذلهم ما علا واستطال . فهذه بلقيس تشاور أشباه رجالها ووزرائها قالوا قَالَتۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَفۡتُونِي فِيٓ أَمۡرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡهَدُونِ ٣٢ قَالُواْ نَحۡنُ أُوْلُواْ قُوَّةٖ وَأُوْلُواْ بَأۡسٖ شَدِيدٖ وَٱلۡأَمۡرُ إِلَيۡكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأۡمُرِينَ  النمل.32-33. نعم ، الأمر إليك ؟ هكذا تاريخ الفاسقين وشعارهم . علم ياقائد علمنا كيف أنحقق مستقبلنا .!! فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ 
نعم ، إنَّهم فاسقون مستحقون لعذاب الفراعنة . فما استبد طاغية ؛ إلا لوجود استعداد للاستعباد والاستخراب . فهو يد الله القوية الخفية الَّتي يصفع بها رقاب الآبقين من جنَّة عبوديته إلى جهنَّم عبودية المستبدين . وهو سيف الله ينتقم به ثم ينتقم منه . فالاستبداد عقاب الله يتعجل به الانتقام من عباده الخاملين ولا يرفعه عنهم حتَّى يتوبوا توبة الأنفة . إنَّ المستبدين لا يتولاهم إلا مُستبد مثلهم . حتَّى قيل : كما تكونوا يولى عليكم . وهذا والله عدله ورحمته . والطيور على أشكالها تقع . ومما لاشك ولا ريب فيه أنَّ ضريبة الحرية كبيرة فادحة ، ولكن وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ .ص.3. وقال أحدهم : الحرية أو الطوفان . 

التدوينة الاستبداد هو البلاء ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الاستبداد هو البلاء”

إرسال تعليق