طرابلس اليوم

الجمعة، 17 نوفمبر 2017

الفعل السياسي بين نزعتين.. الوضعية والسماوية

,

صلاح الشلوي/ كاتب ليبي

السياسة كفرع معرفي ونشاط إنساني اختلط مفاهيمه وقيمه بين مصدرين أساسيين الأول الوحي الإلهي، والثاني الملابسات الإنسانية.

ولمناقشة هذه الفرضية يجب علينا العودة إلى اللحظات الأولى للخلق الإنساني، وليس لسرد القصة الأولوية ولا اعتبار لغالب التفاصيل هنا، ولكن أكيد يعنينا بعض المفاصل الهامة والحاسمة، ومنها مفصل التعليم الإلهي المباشر لأبي البشر آدم عليه السلام الأسماء” وعلم آدم الأسماء كلها” !.

بدون شك شرقت الإسرائليات وغربت في فحوى الاسماء وتبعتها في أحيان كثيرة روايات  المسلمين مؤسسة على قاعدة لا تصدقوها ولا تكذبوها، ولكن يكفينا في مقامنا هنا أن نعود إلى الوضع الذي وضع عليه الحرف العربي كحد أدنى للدلالة على مقصود الوحى.

فماذا يدل لفظ الإسم في لغة العرب؟ وماذا يعني لفظ كلها؟ مثلا:

هل يشمل لفظ السلطة؟ وهل يشمل لفظ الحكم؟ وهل يشمل لفظ العدل؟ وهل يشمل لفظ الخير؟ وهل يشمل لفظ الشر؟ وهل يشمل لفظ المصلحة؟

هل يشمل لفظ المفسدة؟ وهل يشمل لفظ اللذة؟ وهل يشمل لفظ الألم؟ وهل يشمل لفظ الحاكم؟ وهل يشمل لفظ المحكوم؟ وهل يشمل لفظ نظام؟

هل يشمل لفظ الحاكم الفاسد؟ وهل يشمل لفظ الاختيار؟ وهل يشمل لفظ القوة؟ وهل يشمل لفظ التوازن؟ وهل يشمل لفظ الخروج؟ وهل يشمل لفظ الطاعة، وهل يشمل لفظ الاستبداد؟، وهل يشمل لفظ التعددية؟ وهل يشمل لفظ الانتخاب؟

هل يشمل لفظ ولى الأمر؟ وهل يشمل لفظ عقد؟ وهل يشمل لفظ حل؟

إلى آخر بقية معجم الألفاظ السياسية، هل يا ترى هي جزء من الأسماء التي علمها الله عزوجل لآدم عليه السلام في تلك اللحظة؟ هل يجوز لنا أن نعتقد أن هذه من ضمن قائمة الأسماء التي علمها الله عزوجل لسيدنا آدم عليه السلام؟ أم أن اعتقاد ذلك غير جائز حتى يرد الأثر بذكرها فيتحول بذلك القرآن إلى مختار صحاح وليس كتاب مجيد!.

لنطرح هذا الخلاف ومن يحلو لهم تضخيمهم جانبا، ولنمضى قدما خطوة أخرى تقرر بشكل لا شك فيه في أحكام العقل وهي، الوحى كمصدر معرفي موجود منذ اللحظة الأولى لخلق الإنسان، ومصدره هو الخالق، ثم هبط الإنسان إلى الأرض وليس معه من خبرات أو معارف سابقة سوى ما علم الله لآدم عليه السلام، حتى كيف يدفن الميت لم يكن للإنسان الأول دراية به، واحتاج لغراب ليعلمه كيف يفعل ذلك.

وانطلق الصراع بين البشر وليس لديهم أي فكرة على تسوية الصراعات سوى تلك الكلمات التي تعلمها آدم في الجنة من الله، ولا يمكن تصور أن آدم عليه السلام احتكر تلك المعرفة أو اخفاها عن مواطنيه بل من المؤكد أنه بثها لهم ونشرها بطرق النشر المتاحة يومها، وتبقى في حقيقتها طرق نشر حتى وإن لم تكن في شكل إلكتروني أو ورقي مما نعرفه نحن اليوم.

إذا الادعاء بأن الإنسان الأول كان جاهلا ادعاء عري عن الصحة وضرب من الجهالة ولا يمكن أن يقال عنه أنه نتاج للبحث العلمي الرصين كما يحاول البعض ترويجه لغرض من الأغراض.

ومن خلال هذه التقدمة نصل إلى مقرر واضح وهو أن الانسان خلق في الجنة ونزل بعد ذلك إلى الأرض لأنه كان مقررا له أن يكون خليفة في الأرض قبل أن يخلق، أي أن النزول كان قدرا مقدورا على الإنسان قبل خلقه، وقصة النزول أو ملابساته كانت لغاية وغرض الكشف عن آليات الأقدار وكيف تعمل، وتقديم حالة دراسية جديرة بالحفاوة والتسجيل والتخليد في ذاكرة هذا المخلوق.

ماذا حدث بعد ذلك؟ وكيف طور الإنسان تلك الأسماء- معارف- وتدخل في تشقيقاتها وولد من اللفظ لفظين ومن الهمز حركة حتى تمكن من تفريع اللغات والألسن وتعددت اللهجات حتى وصلت إلى ما نحن عليه اليوم، بل كيف طور نظم الحياة ووظف الفرص السانحة وعناصر القوة التي يملكها لتحسن ظروف معيشته ونظامه الاجتماعي والاقتصادي والأمني والسياسي والاجتماعي؟

كيف تعددت الفلسفات؟ وكيف اتصلت بوحى السماء؟ وكيف امتزجت به؟ بل كيف شوهت بعض معالمه في بعض الحالات؟ كيف حدث كل ذلك؟

ربما يمكننا هنا أن نعيد قراءة المشهد من جديد للوقف على التساؤلات الكبرى لتفكيك لغز النظام، ولتحليله لمعرفة شقه المقدس وشقه الإنساني وكيف تكاملا وأنتجا معا ما يعرف بالمخيال السياسي والاجتماعي الذى كونا مجال الممارسة السياسية على مدار تاريخ النشاط البشري الأرضي بين مختلف النزعات التي صبغت تجارب وحالات المجتمعات الإنسانية بعد مرحلة النشأة الثانية على وجه الأرض منذ اللحظة الأولى للنزول مع العدو الخالد لينطلق النشاط في شكل صراع وتدافع بين الخير والشر والحق والباطل إلى نهاية عمر هذا الكون.

التدوينة الفعل السياسي بين نزعتين.. الوضعية والسماوية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الفعل السياسي بين نزعتين.. الوضعية والسماوية”

إرسال تعليق