طرابلس اليوم

الأحد، 19 نوفمبر 2017

سالم (قصة قصيرة)

,

إسماعيل القريتلي

ولج لاهثا إلى شارع فرعي قليل الإضاءة،،

التصق إلى أول حائط يلتقط أنفاسه، التفت يمينا ليرى إن كان قد لحق به أحد،،

أخرج رغيف الخبز وقطع الجبن التي سرقها، أعد منها – مستخدما يدا واحدة – سندويشا، التهمه بنهم و على عجل، لم يتوقف عن السير بين الأزقة الضيقة الموحشة، لا مارة فيها ، فشتاء تلك المدينة قارص قاسٍ.

أشعل سالم سيجارة كان قد سرق علبتها، بدأ يقلب هاتفه الجوال، اتصل بالرقم نفسه مرات عديدة دون رد، استنشق سيجارته ينشد الدفء والسلوان.

هو الرقم نفسه ، يتصل به منذ شهور بعد أن انتقل للعلاج إثر إصابته بشظايا، قطعت إحداها أوتارا في يده فبات عاجزا عن استخدامها.

بعد وصوله بحوالى شهرين إلى المدينة المزدحمة التي يزيد عدد سكانها عن تعداد سكان وطنه الذي كان يقاتل فيه دفاعا عن مدينته وثورته لمدة زادت عن خمسة أعوام، كان عمره في بداية الحرب خمسة عشر عاما، توقف أنور الذي كان يوجههم إلى استمرار القتال عن الرد على اتصالاته، فعلاجه يتطلب عمليات يتخللها ويتلوها جلسات من العلاج الطبيعي.

بعد قرابة ساعتين من المشي في جو بارد وصل سالم إلى غرفة في قبو يؤجرها صحبة ثلاثة جرحى قاتلوا معه في شوراع مدينتهم، يعاني جميعهم الإعاقة جراء إصابتهم في الحرب المستمرة في بلدهم منذ 2011، هم كسالم ، توقف أنور عن دفع قيمة علاجهم، ولا يرد على اتصالاتهم.

عبدالرحمن أخبر سالم أنه التقى الشخص الذي عرفه إليه أحد المقاتلين الذي استطاع الوصول إلى أوروبا عبر البحر، قال ذلك الشخص إن الهجرة عبر البحر أصبحت محفوفة بالمخاطر؛ بسبب تكثيف الدوريات في البحر وعلى الساحل، و إن هناك طريقا بريا يعبر حدود دول عدة ، يستمرون في المشي فيه قرابة يوم كامل، ليله ونهاره، أو أن ينتظروا مدة غير معلومة لركوب البحر.

خطط سالم منذ أكثر من سنة للهجرة إلى أوروبا، لأجل ذلك عمل في مطاعم وسوق للجملة، أحيانا كان يعمل في مجال صرف بطاقات البنوك التي كانت ترسل له من البلد، وعلى الرغم من ذلك لم يستطع جمع المبلغ الذي طلبه المهربون ، اضطر أكثر من مرة إلى تحويل بعض المال إلى والدته التي تعاني مرضا مزمنا، يتطلب مراجعات طبية وشراء أدوية لم تعد متوفرة في المستشفيات، أحيانا أخرى كان يشتري حشيشا أو حبوبا مخدرة بما توفر له من مال.

بعد شهور قضاها سالم في الانتظار وسرقة الخبز والجبن والسجائر انضم إلى مجموعة مهاجرين من جنسيات مختلفة بينهم عائلات معها أطفال، صعدوا جميعا قاربا سيتجه بهم إلى سواحل أوروبا، لكن و بعد ساعات من الصراع مع الأمواج المرتفعة التي كانت تتقاذفهم بعد توغلهم في مياه البحر هربا من خفر السواحل والدوريات الدولية التي تعترض طريق قوارب المهاجرين انقلب القارب.

قاوم سالم الأمواج، حاول السباحة بيد واحدة، رأى أطفالا ونساء ورجالا يغرقون، تختفي أصوات استغاثاتهم ببطء، بعد أكثر من ساعتين خارت قوى سالم، لم يستطع الاستمرار في مغالبة الأمواج التي لم تهدأ فقرر الاستسلام.

حينها تذكر سالم وجه والدته المريضة وهي تبكي لأنها لا تريده أن يهاجر عبر البحر، تذكر حبيبته سعاد التي وعدها أن يعود إليها، آخر اتصال معها كان قبل يومين، مرت سريعا أمام عينيه صور عشرات من أصدقائه، قاتل معهم في 2011، لكن اختلفوا في 2014 فتقاتلوا ضد بعضهم، كانت الصور تمر على عجل في مخيلته، رأى شوارع مدينته، ابتسمت له وجوه وغضبت أخرى، بينما تمر أمامه وجوه أخرى بعض أصحابها أحياء وآخرون لقوا حتفهم، وبعضهم يعيش مع إعاقته وغربته وفقره.

حاول أن يصرخ، لا يدري إن استطاع الصراخ، هل سمعه أحد؟ غاب سالم في البحر كسائر ركاب القارب.

المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك

التدوينة سالم (قصة قصيرة) ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “سالم (قصة قصيرة)”

إرسال تعليق