طرابلس اليوم

السبت، 17 فبراير 2018

وقفة للمراجعة في ذكرى ثورة 17 فبراير

,

السنوسي بسيكري

فبراير في ذكراها السابعة لاتزال تعني الكثير للذين يقدرون قيمتها وهي التي أنهت الاستبداد ووضعت الليبيين أمام فرصة بناء ليبيا وهم أحرار بإرادة مستقلة.

تعثر السير وانحرف المسار، بعد أن أسيء استخدام الحرية ووظفت الإرادة في غير طريق البناء، واللوم ليس على فبراير بل المسؤولية يتحملها  من لم يعرفوا كم قدرها ولا ماذا تعني للشعب المغبون.

بالقطع لعب خصوم الثورة دورا بارزا في إفشال الغاية التي جاءت من أجلها، لكن كان لكثير من أنصارها دورهم السلبي في  عدم بلوغ الثورة أهدافها كاملة.

وهي بالعموم ليست بدعا من مقاربات التغيير الجذري التي واجهت انتكاسات حتى ضجر منها أنصارها قبل الذين تصدوا لها وناصبوها العداء.

وككل الحركات الاجتماعية ومشاريع التغيير السياسية الجامعة كانت اختبارات فبراير والتحديات التي صاحبتها أكبر من الطاقات والإمكانيات، خاصة ونحن نتحدث عن مجتمع كان حقل لتجارب سياسية واقتصادية واجتماعية شاذة لسنوات طويلة انتهت به إلى شلل وتشوه كبير.

لقد كانت المعرفة والحكمة اللذان تتطلبهما نقلة كالتي عرفتها ليبيا في 17 فبراير 2011م مفقودتين حتى عند قطاع من النخبويين بكافة توجهاتهم وتأهيلهم وخبراتهم.

ولم يتوقف الأمر عند الفقر في المعرفة والحكمة، بل تورطت النخبة النشطة على مسرح الأحداث في خطاب وممارسات ساهمت بشكل مباشر في تأزيم الوضع وجرَّت خلفها قطاعات واسعة من الليبيين إلى مستنقع الصراع بل نزلت بالصراع إلى مستوى وضيع.

إدارة الثورة أو قل إدارة الأزمة التي نجمت عن تفجر الثورة كان في مستوى متدن منذ الأشهر الأولى والسبب يرجع إلى تبني أسلوب تقليدي بيروقراطي الذي هو استمرار للإدارة القديمة إذ لم يستوعب المتصدرون لقيادة المرحلة ماذا يعني تفجر ثورة شعبية وكيف تتماهى القيادة مع روحها وإفرازاتها.

من بين الأخطاء التي وقع فيها معسكر ثورة فبراير التفسير السياسي البراغماتي لمفاهيم “المصالح” و”المبادئ”، بحيث تم توظيفها بطريقة أوقعت قادة وأنصار الثورة في مأزق.

التعاطي الساذج مع المصالح والقيم أوجد تشوها يعسر معه تحقيق الاستقرار المنشود. ومن ذلك أن التحالفات إبان الثورة وقعت بين مكونات متناقضة والدافع خلفها المصلحة المتمثلة في خطر النظام، لكن لم يتم تطوير فكرة المصلحة إلى مأسسة متوازنة.

لقد تأزم الوضع بعد التحرير بأن شهر كل أو أحد الأطراف سيف المبادئ في وجه الشركاء، إلى أن أصبح الثوار مليشيات وتحالف القوى الوطنية “أزلاما” و”علمانيين”، والإخوان “عملاء” والمقاتلة “إرهابيين” وجبهة إنقاذ ليبيا “نفعيين”.. إلخ.

هناك أيضا معضلة الجمع بين النفس الثوري والاتجاه التعددي والديمقراطي من خلال الدخول في انتخابات 7/7 للعام 2012.

الإقرار بمبدأ التنافس عبر صندوق الاقتراع، ثم محاولة تحجيم العملية الديمقراطية بالاستثناءات وفرض قيود عديدة فتح باب الجدل الكبير بين أنصار فبراير أنفسهم سبق التراشق بين أنصارها وخصومها، وأساء إلى الثورة وأضعف عملية الانتقال الديمقراطي.

ومن ذلك الخلافات التي خرجت عن إطار التنافس المقبول واتجهت إلى إفساد المناخ السياسي والإساءة إلى الثورة وتجييش الخصوم ضدها، وأبرز مثالين على ذلك هما:

1) النزاع بين التيار الإسلامي وما تم التعارف على تسميته بالتيار المدني، وأنا ممن لا يتردد في تحميل المسؤولية في تفجير الصراع علنيا، وإقحام الرأي العام فيه لرموز التيار الإسلامي وفي مقدمتهم مفتي البلاد الذي أرى أنه تعجل في المزاوجة بين وظيفته وتوجهاته، فالمرحلة الأولى من تأسيس الدولة تحتاج إلى خطابا ومواقفا تصالحية وليس الآراء التي أصبحت فتيلا للصراع القائم والمستمر، وهو ما دفع التيار الثاني لإخراج ما عنده من كره وتربص بالخصم الإسلامي فكانت بداية الانحدار الذي لم يتوقف حتى اليوم.

2) النزاع بين شركاء لم يتخلصوا من خلفيات سياسية قديمة وأشير هنا إلى قانون العزل السياسي الذي تبلور وأقر من منطلق التدافع بين حزبين سياسيين محسوبتين على ثورة فبراير، وهما حزب جبهة الإنقاذ وحزب تحالف القوى الوطنية، فقد ظهر أن حزب الجبهة صمم مشروع القانون بشكل يقصي زعيم التحالف وبعض الفاعلين فيه، فيما كانت ردت فعل الأخير بتقديم مقترح يدخل أبرز رموز الجبهة تحت طائلة العزل، فكان أن فسح المجال لتوسيع دائرة النزاع وفتح الباب للموتورين ليعملوا معاولهم في الجسد الضعيف.

ومن النقاط التي تحتاج إلى وقفة مراجعة هي أن كثير من أنصار فبراير يتجه بفكرة الثورة إلى مفهوم يقترب من التقديس، وهو اتجاه قاتل ويؤذي الثورة قبل أذية أنصارها.

واعتقد أن أحد أسباب انحراف النظام السابق وقطيعته مع الرأي العام هو جعل “ثورته” مشروعا سياسيا فوقيا، بحيث صار مفهوم الشرعية الثورية أقوى من شرعية الدولة والحكومة والمؤسسات العليا.

وقد انتقل هذا الأشكال إلى النظر إلى إدارة المؤسسات العامة، وانعكس سلبا من خلال ضغوط تخضع المقاربة المهنية والإدارية لجهاز الدولة إلى تأطير ثوري قد يتعدد ويتنوع بتعدد وتنوع مفهوم الثورة عند أنصارها.

وأؤكد أن الإرث الكبير والتراكم السلبي لممارسات مشوهة استمرت اكثر من 30 عاما ساهمت بدرجة كبيرة في “التغول الثوري” عند البعض.

بمعنى أن إصرار أنصار النظام السابق على العودة إلى المشهد بل والتآمر لوأد الثورة مستخدمين كل السبل المتاحة التي تتناقض وتوجهاتهم الايديولوجية القومية والوحدوية، لم يربك الانتقال من الثورة إلى الدولة فحسب بل عبئ شريحة من أنصار فبراير لممارسة الوصاية الثورية.

الخلاف تحول إلى كره يتعاظم مع مرور الأيام إلى درجة أصبحت المسافة بين أطراف الصراع بعيدة والهوة بينهم عميقة وتتغذى كل يوم على ما هو سيئ من الأفكار والآراء، ولجأ الأطراف إلى الخارج بحثا عن نصير للنيل من الآخر حتى صارت الإرادة مسلوبة والمصير الليبي مختطف ويقرر من الخارج.

وأخلص إلى القول بأن الوضع قد تأزم بشكل يعسر معه استصحاب نفس الثورة ومقاربتها وفق المناخ الذي ساد عام 2011، كما يستحيل معه قبول مقاربة السبتمبريين الذي يحلمون بعودة الجماهيرية، أو أنصار الكرامة الذين يرون أنهم استدركوا على فبراير بمشروع سياسي متكامل، وبالتالي فإن المقاربة المثلى لتخطي العقبة الكؤود التي تشد البلاد إلى شرك التأزيم هو فبراير العادلة عبر:

3) المساواة بين المتجاوزين بغض النظر عن انتمائهم، فبرايري، أو سبتمبري أو كرامة، في الخطاب والمعاملة.

4) يتقدم أنصار فبراير الفاعلين من غير المتورطين في تجاوزات وانتهاكات بمسطرة العدالة ومبدأ ليبيا واحدة وللجميع وقولبة ذلك في إطار حواري فعال يقود إلى إنهاء الانقسام وتحرير المسار السياسي من عقاله.

5) تقديم مقاربة متكاملة لحلحلة الملفين الأمني والاقتصادي والدفع بعجلة الحياة للدوران بشكل يعود بالاستقرار الأمني والاقتصادي إلى مستواه السابق ويأسس لانطلاقة تنموية واعدة.

عربي21

التدوينة وقفة للمراجعة في ذكرى ثورة 17 فبراير ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “وقفة للمراجعة في ذكرى ثورة 17 فبراير”

إرسال تعليق