طرابلس اليوم

الخميس، 15 فبراير 2018

سبع سنوات بعد الثورة.. هل تنجو ليبيا من الأطماع الخارجية؟

,

عائد عميرة/ كاتب تونسي

سبع سنوات على سقوط نظام معمر القذافي الذي حكم ليبيا 42 سنة، إثر ثورة شعبية سلمية بدأت بالمظاهرات والاحتجاجات في الشوارع للمطالبة ببناء دولة ليبيا الموحدة الحرة المدنية الكاملة السيادة، قبل أن تتطور الأحداث إلى مواجهات دامية بين النظام الذي اختار القمع والرصاص والشعب الذي لا حول له ولا قوة.

سبع سنوات، كانت كفيلة كي تزرع فيها قوى إقليمية كبرى وبعض الدول العربية التي تبحث لها عن زعامة مفقودة، أشواكها في البلاد عن طريق بيادق اختاروا الولاء لمن يدفع أكثر عوض الولاء للشعب الليبي الذي يطمح للأفضل.

الدور المصري

مع سقوط نظام القذافي في فبراير 2011، تزايدت الأطماع الأجنبية للظفر بالنصيب الأكبر من الثروات الليبية خاصة النفطية منها، أطماع خارجية لم تكن صادرة عن الدول الاستعمارية القديمة فقط، بل كانت من دول عربية شقيقة لليبيا ومجاورة لها أيضًا.

دولة مصر العربية، الجارة الشرقية لليبيا، كان يُنتظر أن تكون صدًا للأطماع والأجندات الخارجية التي لا تريد خيرًا لليبيا، إلا أنها كانت في صفهم، فمنذ الانقلاب على الرئيس محمد مرسي صيف 2013، بدأت مصر في البحث لها عن موقع قدم في جارتها الغربية علها تنقذ اقتصادها من خلال نفطها.

الدور المصري في ليبيا يحظى بمباركة ومساندة من حفتر الماسك بزمام الأمور في الشرق الليبي، وهو تأييد يسمح للقاهرة بالتحرك على الساحة الليبية بشكل أكبر، وقد ظهر ذلك بوضوح في التنسيق العسكري بين الطرفين لا سيما خلال الغارات الجوية التي شنها الطيران المصري على ليبيا وتمت بتنسيق كامل مع قيادة قوات حفتر.

وتسعى مصر إلى أن يكون حفتر فاعلًا رئيسيًا في أي اتفاق سياسي في ليبيا، وصاحب الكلمة العليا هناك، فضلاً عن تنصيبه كقائد للجيش الليبي، فحفتر الذي كان يُقدم نفسه دائمًا باعتباره العدو الأول لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والجماعات الإسلامية المسلحة، تتماهى صورته مع الرئيس المصري السيسي، فكلاهما وجد شرعيته على تسويق شعار “الكفاح ضد الإرهاب”، فضلًا عن خلفيتهما العسكرية.

تعمل القيادة المصرية على إعادة تشكيل الجيش الليبي وفق تصورها وسياستها لاستخدامه في علاقاتها مع الدول الخارجية، وكانت القوات المسلحة المصرية كشفت في شهر سبتمبر الماضي، اتفاقًا بين عسكريين ليبيين في القاهرة يستهدف تشكيل لجان فنية مشتركة، لبحث آليات وإجراءات توحيد المؤسسة العسكرية في البلاد، وقال المتحدث العسكري المصري العقيد تامر الرفاعي، حينها: “الاتفاق يقضي بالبدء في دراسة جميع الشواغل التي تدعم تحقيق هذا المسار، دون تدخل أو فرض منهج انتقائي من أي طرف خارجي”.

الأطماع الإماراتية

إلى جانب مصر، برزت الإمارات كلاعب بارز في ليبيا أيضًا، وذلك بدعمها قوى الثورة المضادة المدنية والعسكرية، وتؤكد العديد من التقارير أن دولة الإمارات شكلت منذ اللحظات الأولى للثورة الليبية فريقًا أمنيًا عسكريًا تمركز في ثلاثة مواقع، الأول اتخذ من إحدى الجزر الإيطالية قاعدة لانطلاق نشاطاته، والثاني على الحدود الليبية التونسية، فيما كان الموقع الثالث على الحدود التشادية الليبية.

ومنذ تدخلها في ليبيا، عرفت الإمارات بتغليبها طرف على حساب آخر لتحقيق مصالحها وبسط نفوذها في البلاد لتقويض كل مساعي رأب الصدع بين أطراف الأزمة الليبية، ما من شأنه تعزيز الانقسام السياسي وتغذية الصراع المسلح في البلاد، وتقول أوساط حقوقية ليبية ودولية إن دولة الإمارات ارتكبت جرائم حرب في ليبيا بموجب الاتفاقات الدولية.

في أكتوبر 2016، نشرت مؤسسة البحوث العسكرية “جاينز” ومقرها لندن، تقريرًا يؤكد أن الإمارات أنشأت قاعدة عسكرية شرق ليبيا خلال الفترة من مارس إلى يونيو 2016، تنطلق منها طائرات هجومية من طراز 802 AT وأخرى بدون طيار من طراز وينق – لوونق لدعم قوات ما يسمى بعملية الكرامة التي يقودها حفتر، ونشرت صورًا ملتقطة بالأقمار الاصطناعية للقاعدة في 23 من يوليو من نفس السنة يظهر فيها تمركز طائرات حربية.

ولفت التقرير، آنذاك، إلى أن القاعدة الإماراتية أنشئت في مطار الخادم على بعد نحو 100 كيلومتر من مدينة بنغازي، مشيرًا إلى أن هذا المطار كان قبل إنشاء القاعدة الإماراتية، مطارًا بسيطًا ببنية تحتية متواضعة.

وتسعى الإمارات عن طريق رجالها هناك إلى تدمير ليبيا وتحويلها إلى منطقة صراع دائم وتفكيك نسيجها الاجتماعي للاستحواذ على النفط هناك والسيطرة على السواحل الليبية، فإضافة إلى الدعم السياسي والعسكري الذي يتلقاه داعمو الثورة المضادة في ليبيا من الإمارات، استحدث أبناء زايد أساليب جديدة واستخدموا أسلحة غير مألوفة لدى العرب، على رأسها “شراء الذمم والضمائر” التي باتت إحدى محددات السياسة الخارجية الإماراتية.

عودة روسية

في مارس/آذار الماضي، أكد قائد القوات الأمريكية في إفريقيا الجنرال توماس والدهاوسر، في تصريحات أمام مجلس الشيوخ، أن “روسيا تحاول بسط نفوذها في ليبيا لتعزز سطوتها في نهاية المطاف على كل من يمسك بزمام السلطة”.

كلام المسؤول الأمريكي يؤكد الأطماع الروسية في ليبيا التي برزت للعيان في السنوات الثلاثة الأخيرة، ولعل وضع الملف الليبي منذ نهاية 2015 تحت مسؤولية ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية المكلف بالشرق الأوسط يشهد على الأهمية التي يوليها الكرملين لهذا الملف.

تسعى موسكو جاهدة من خلال التوجه إلى ليبيا إلى مواصلة استعادة مكانتها كقوة عالمية للحد من نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة وفرض دورها المحوري في تسوية أكبر الأزمات، كما تسعى موسكو إلى استرداد شبكة عملائها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والحصول على عقود مربحة لتوريد الأسلحة الروسية واستثمار حقول النفط والغاز وإنشاء البنية التحتية للنقل.

منح تعاظم دور موسكو في الشرق الأوسط إثر تدخلها في سوريا، وفشل المبادرات الدولية لتوحيد مختلف الفصائل الليبية، فرصة لروسيا للعودة إلى ليبيا بعد أن أُقصيت منها لفترة من الزمن بعد التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي والإطاحة بالعقيد معمر القذافي سنة 2011.

بحث فرنسي عن دور مفقود

بدورها تحاول فرنسا تدعيم حضورها في ليبيا، خاصة أنها كانت وراء الحصول على الأغلبية في مجلس الأمن للقرار 1970 الذي كانت أيضًا وراءه، وسمح لها بالقيام بالضربات الجوية الأولى ضد قوات معمر القذافي.

ويسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعادة الدور الفرنسي في المنطقة وتسجيل نقاط على حساب باقي الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي، وذلك لضمان موطئ قدم واضح وثابت على مستوى الملف الليبي، كما أن باريس تسعى من خلال هذا الملف إلى العودة لشمال إفريقيا والإمساك بزمام الأمور هناك بعد أن غابت سنوات عنها واستعادة دور فقدته في المنطقة.

أهمية ليبيا لدى باريس، تبرز في الوجود العسكري الفرنسي هناك، ففي الـ20 من يوليو 2016، تم الكشف عن وجود عسكري فرنسي في ليبيا، رغم نفي فرنسي سابق نيتها التدخل العسكري المباشر هناك، حيث أعلنت باريس يومها ذلك عندما قال لي فول المتحدث باسم الحكومة الفرنسية: “نستطيع تأكيد وجود قوات خاصة فرنسية في ليبيا”، للمشاركة في محاربة من وصفهم بـ”الإرهابيين”.

وقبل ذلك بأيام قليلة، نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، تسجيلات صوتية مُسربة، لمحادثات الخطوط الجوية في بنغازي شرقي ليبيا، كشفت عن دعم عسكري فرنسي وغربي للقوات الموالية لحفتر شرقي البلاد، بوجود غرفة عسكرية غربية بقيادة فرنسية هناك، رغم أن فرنسا تدعم بشكل مُعلن حكومة الوفاق الوطني الليبي التي كانت من مخرجات اتفاق الصخيرات المدعوم غربيًا وأمميًا.

سعي إيطالي للهيمنة على “مستعمرتها” القديمة

أبرز الدول المتدخلة في الشأن الليبي سياسيًا وعسكريًا ومدنيًا، إيطاليا التي ترى في ليبيا “المستعمرة” القديمة التي يجب عدم مزاحمتها عليها، فليبيا بالنسبة إليها مجال حيوي خاص وأرض خصبة لا يجب أن يكثر حولها الطامعون، لذلك فهي تسعى إلى عدم تهميش دورها في العملية السياسية في ليبيا والحفاظ على مصالحها النفطية وضمان إدارة عملية مكافحة تهريب اللاجئين.

وما فتئت إيطاليا تبحث من خلال تحركاتها الدبلوماسية والميدانية عن نفوذ فقدته في المنطقة، وضمان موطئ قدم واضح وثابت على مستوى الملف الليبي، والعودة لشمال إفريقيا والإمساك بزمام الأمور هناك، خاصة أنها تعتبر ليبيا منطقة نفوذ إستراتيجي لها.

تسعى روما لاستغلال الأزمة الليبية لإعادة تموضعها الجيوسياسي وتعزيز علاقاتها مع الجوار المتوسطي، فضلاً عن أنها تأمل في الحصول على النصيب الأكبر من السوق الليبية وتأمين أسواق مستقبلية لإصلاح اقتصادها المتردي، في ظل المنافسة مع العديد من القوى الإقليمية في ليبيا خاصة بمجال النفط، فليبيا تحتوي على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاتها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا.

كل هذه الأطماع الخارجية كانت كفيلة أن تبقى ليبيا في وضع “اللادولة” الذي كان سائدًا في البلاد خلال حكم نظام العقيد معمر القذافي الذي سقط في شهر فبراير 2011، وتسهم بدرجات متفاوتة في تشظي المجتمع الليبي وانهياره.

نون بوست

التدوينة سبع سنوات بعد الثورة.. هل تنجو ليبيا من الأطماع الخارجية؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “سبع سنوات بعد الثورة.. هل تنجو ليبيا من الأطماع الخارجية؟”

إرسال تعليق