طرابلس اليوم

الخميس، 15 مارس 2018

الانتخابات أولاً.. لماذا؟

,

علي أبوزيد/ كاتب ليبي

من الأمور التي تستدعي الوقوف عندها هو ترحيب الأطراف المعرقلة للاتفاق السياسي بإجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن، والإصرار على أن هذا هو الحل الوحيد للخروج من الأزمة، ورفض أي حديث عن الاستفتاء على الدستور وما يستلزم ذلك من تفعيل للاتفاق السياسي الموقّع في الصخيرات؛ فلماذا هذا الموقف؟

يدرك الجميع أن اتفاق الصخيرات لم يكن هو الاتفاق الأمثل الذي يجب أن يصل إليه الليبيون، خاصة وأنه تمّ في حالة من الاحتقان والتوتر، وعكس حدّة الصراع والخلاف بين الفرقاء، ولولا ضغط المجتمع الدولي، والمارثون الطويل والمرهق لجولات الحوار التي أنهكت الجميع، لما وُقّع هذا الاتفاق، وبالفعل فقد كان هو أقصى الممكن السياسي للواقع الليبي، ورسم خارطة جديدة للخروج من الأزمة، تمثلت في توحيد المؤسسات، وتكوين سلطة تنفيذية تدير شؤون البلاد، وتنظيم السلطة التشريعية التي يكون من أولى أولوياتها البتّ في مشروع الدستور، وإنجاز قانون الاستفتاء الخاص به، والوصول بعد ذلك إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بناء على الدستور الجديد.

إلا أنّ الاتفاق لم يتمّ تفعيله بشكل متكامل، وتمت عرقلة تنفيذه من قبل مجلس النواب المرتهن لإرادة حفتر المسيطرة قواته على الشرق الليبي، وبدأت مرحلة جديدة من الإشكاليات التي زادت المشهد تعقيداً وكرّست لحالة الانقسام والفوضى، وأدت لجمود في العملية السياسية بكاملها، خاصة في فترة مواجهة قوات عملية البنيان المرصوص لتنظيم داعش في مدينة سرت، وبتولي السيد غسان سلامة لمهام رئيس البعثة الأممية للدعم في ليبيا، وتقديمه مقترحاً لتفعيل العملية السياسية تضمن ثلاث خطوات أساسية هي: تعديل الاتفاق السياسي فيما يتعلق بالسلطة التنفيذية وبما يضمن إنهاء الانقسام في المؤسسات وتحسين الخدمات وتخفيف معاناة المواطن، وعقد مؤتمر وطني جامع يكون نواةً لمشروع المصالحة الشاملة، ثم الذهاب لانتخابات عامة بعد تحقيق حالة من الاستقرار السياسي بإقرار مشروع الدستور، وبهذا المقترح عادت الحياة للعملية السياسية الجامدة، ورغم تأكيد السيد سلامة على أن أي مسعى للخروج من الأزمة يجب أن يكون مبنياً على ما تمَ في الاتفاق السياسي، وأن يبني على المجهودات التي بذلت قبل توليه، إلا أنّ إخفاق سلامة في إيصال لجنة الحوار إلى تعديل الاتفاق السياسي، وتقديمه خطاباً يؤكّد على أنّ الحلّ في إجراء انتخابات، وتناسيه تعديل الاتفاق السياسي وتفعيله، ومحاولة تجاوزه مسألة إقرار مشروع الدستور، هذا السلوك من المبعوث الأممي جعل الأطراف المعرقلة تتجاوب معه وتعلن ترحيبها بهذا النهج، خاصة وأن السيد سلامة لم يبدِ انزعاجاً من هذه العرقلة ولم يستخدم أي لهجة تصعيدية من ِشأنها الضغط عليهم، بل من المفارقات الطريفة استكثاره من اللقاء بالفاعليات المدنية والاجتماعية وكأنه يلعب دور سفير النوايا الحسنة وليس دور مبعوث أممي مهمته سياسية بالدرجة الأولى، وعلى الرغم من ذلك فيبدو أنه استبعد فكرة المؤتمر الوطني الجامع ولا زال يدندن حول الانتخابات كحلٍّ للأزمة.

إن الانتخابات جزء من الحل، وليست هي كل الحل، ولا بدّ أن تسبقها إجراءات تهيئ لها حالة من الاستقرار لتتم في جو من النزاهة والشفافية، فالأزمة في ليبيا ليست فقط أزمة صراع على السلطة، إنها أيضاً أزمة تنازع للشرعية، وتكدس للأجسام المتعاقبة على السلطتين التنفيذية والتشريعية خلقت حالة من الفوضى والإرباك والتداخل في الصلاحيات والتجاذب فيما بينها، لذلك فإن إقرار مشروع الدستور سيُنهي هذه الحالة بإنهاء هذه الأجسام والاحتكام إلى مرجعية دستورية واضحة، بعد أن أصبح الإعلان الدستوري وثيقة مهترئة غلبت عليها الترقيعات لشدة ما نالها من تعديلات.

إنّ حالة الاستقرار المؤمّل حدوثها بتفعيل الاتفاق السياسي، والاستفتاء على مشروع الدستور وإقراره لن تناسب أطراف الصراع المعرقلة، خاصةً وأنها تقتات على حالة الفوضى، وتستمدّ مشروعيتها من استدامة الأزمة، وبحدوث الاستقرار ستفقد أسباب وجودها ومقوّمات بقائها، ولا شكّ أن إجراء انتخابات في حالة الأزمة وغياب المرجعية الدستورية الواضحة هو البداية الفعلية لحكم الاستبداد وإعادة إنتاج الدكتاتورية، لذلك فلا غرابة أن نجد ترحيباً من حفتر والمتحدث الرسمي باسم قواته بإجراء هذه الانتخابات.

إن القفز إلى إجراءات الانتخابات دون توفير التدابير اللازمة لنزاهتها وحماية نتائجها ومخرجاتها، ووجود مرجعية دستورية يتم الاحتكام إليها، لن تعود بنا إلا إلى مربع النزاع والصراع، وستطيل من عمر الأزمة التي أنهكت الوطن وانتُهكت بسببها سيادته وضُيّعت مقدَراته، ولن يكون المستفيد من ذلك إلا طفيليات الأزمات وجراثيم الصراع التي تنمو وتتكاثر في هذه البيئة.

التدوينة الانتخابات أولاً.. لماذا؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الانتخابات أولاً.. لماذا؟”

إرسال تعليق