طرابلس اليوم

الاثنين، 19 مارس 2018

بين الفرس والروم .. وقميص عثمان

,

صوفيا خوجاباشي

وكأن العجلة تدور بنا، لتضعنا عند أول صفحات التاريخ، تحديداً عند باب الروم وفصل الفرس، عند حقد دفين، ترعرع مع الأيام، عُلّم كأول حرف وأول اسم، حتى صار دستوراً، يسيرون به، ويهتدون بسوادانتقامه.

في بقعة من العالم وبين فكي الفرس والروم كبرى الامبراطوريات حينئذ، قُدست شبه الجزيرة فكان الحجاز مهبط الرسالة السماوية المحمدية، رسالة الفصل لتأسيس تاريخ نهتدي به اليوم، أسس لحاضر، ولا بد أنه يؤسس لمستقبل قريب بعيد، التاريخ يعيد نفسه ليس حرفياً، وإنما مجازياً مع تعديلات تلائم روح العصر، لم يعد هناك فرس ولم يعد هناك روم، ولّى عصر الإمبراطوريات، وحل محل تلك الفوضى العارمة مجتمع دولي أسس بقوانين واضحة، واهتدى بنظريات ليبرالية تنادي بالحقوق والحريات، العدالة والمساواة، شعارات كثيرة، دول بحدود وسيادة، منظمات حكومية وغير حكومية.. إلا أن تنظيرات علم السياسة، والمبادئ المطروحة لعلاقات دولية أكثر تنظيماً ، بقيت في عداد الحبر على ورق، وعادت البيئة الدولية كما الماضي، حالة من الفوضى المستمرة والقائمة على عطش شهواني للنفوذ والقوة، فحكمت القوة جميع الأجرام السياسية التي تسبح في فلك المجتمع الدولي، وأصبح سفك الدماء أكثر تنظيماً على وقع الصكوك والمعاهدات الدولية.

سبع سنوات، وكأن فصولها دهر بأكمله، وكأنما بدأت ليس لتنتهي، تبدلت أمور كثيرة إلا مجريات أحداثها، فهي بين شد وجذب دولي، وإرباك شعبي، وموت فقط.

الأوهام العربية والخيال الإيراني

لم تعد أوهاماً، ولا أحلام يقظة.. تصورات الإمبراطورية الصفوية الحديثة “إيران”، لحزام مدينة دمشق، تلك العروس الأموية التي تربعت على عرش المدن التاريخية، كحاضرة سنيّة وقلعة منيعة، إلى أن جاء نظام وظيفي ضئيل عابث، ورمى بها في أحضان أعدائها ومتربصيها.

مسببات عدة تجعل من دمشق عدوة إيران الأولى رغم استماتة الأخيرة لاحتلالها، وهدفاً يعزز من واقعية الخيال السياسي للحكومة الإيرانية، المبني على آلية الاستحواذ والسطو، وها هي على وشك أن تنتهي من قضمها كاملةً، وتحويل سد العاصمة المنيع المتمثل بالغوطة الشرقية إلى خاصرة رخوة، تنسل منها مشاريعها الطائفية، أو بالأحرى تكمل مع السيطرة عليها ممرها الاستراتيجي الذي يبدأ من دركز على الحدود الشمالية الشرقية لإيران، ولا ينتهي فقط عند بيروت أو في قلب صنعاء.

الأوهام الفارسية التي طالما ركزت الحكومة الإيرانية على استدعائها كخيال سياسي خصب، مع خطوات تنفيذية واضحة ومدروسة، تصار اليوم لإيران حقيقة راسخة عبّر عنها بشار الأسد في خطاب “نصر” على دماء الأبرياء في المناطق التي استعادها من الغوطة الشرقية، موجهاً الحديث إلى ميليشياته قائلا: “كل رصاصة أطلقتموها لقتل “الإرهابيين”، كنتم تغيرون بها ميزان العالم والخارطة السياسية”!

نعم لقد نجحت إيران ببنيتها الطائفية، أن تحول طموح الإمبراطورية الفارسية تاريخياً إلى خيال فعلي ثم إلى بصمة كبيرة على الخارطة الاستراتيجية والجيوسياسية. وأن تغير بذلك ميزاناً للقوى قائماً منذ مئات السنين، بابتلاعها الجزء الأهم جغرافيا وسياسياً وسكانياً الذي طالما عجزت الامبراطورية الفارسية عن تحقيقها، لوجود القوة السياسية والعسكرية آنذاك التي سادت العالم، استطاعت تحجيم أوهامها ورد عدوانها على الأراضي العربية والإسلامية.

فيما أثبت الخيال الإيراني السياسي تفوقه الكبير على الخيال العربي السياسي المحدود وربما المعدوم، فالقوى العربية اليوم غائبة تماما عن المشهد إلا من تحركات وظيفية خدمة لمصالح غربية، ومغامرات غير مدروسة ترتكز على نوع من العبث والجنون لم تحقق أي مكاسب تذكر عملياً، على عكس إيران، التي وظفت جميع خططها واستراتيجياتها وقوتها العسكرية بشكل واضح ومدروس، مستفيدة من الأجواء الإقليمية والدولية حولها.

هذا الجمود العربي مقابل الديناميكية الإيرانية، أكسب الصراع العربي الإيراني عدم التكافؤ، رغم امتلاك بعض الدول العربية ما يكافئ إيران اقتصادياً وعسكرياً.

إن المشكلة الحقيقية تكمن في العقلية العربية الحاكمة، والسبب أن العرب عاجزون عن امتلاك مشروع وطني داخلي، أو سياسة ردع ودفاع على الصعيد الخارجي، لأنهم لا يريدون امتلاك ذلك أصلاً، فلا طموح يعنيهم، ولا خيال خصب يحرك مسعاهم، غارقين في الأمية السياسية، ومكتفين بتقديم آيات الولاء والطاعة لمن يتكفل بحفظ أمن عروشهم، حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة الدولة الوطنية، أو محيطها المتآكل خراباً. فكان السوط رومياً، والجزرة فارسية، والطريق أطول من أن تدركه أقدامهم الغارقة في بحر شهوات الحكم والمال والكراسي المذهبة، أو الصبيانية المفرطة.

فيما لا يزال قميص عثمان في الشام يسيل دماً.

عربي21

التدوينة بين الفرس والروم .. وقميص عثمان ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “بين الفرس والروم .. وقميص عثمان”

إرسال تعليق