طرابلس اليوم

الأحد، 18 مارس 2018

تقصير الأوروبيين في وقف الهجرة سيغرقهم

,

عبد القادر الاجطل/ كاتب وصحفي ليبي

أعلن الاتحاد الأوروبي في 13 من مارس 2018 عن بعض نتائج دعمه لليبيا للتعامل مع ملف الهجرة.

وقد أظهرت الأرقام أن أكثر من عشرة ألاف مهاجر استفادوا من هذا الدعم طبيا، وعاد نحو 19 ألف مهاجر طوعيا إلى بلادهم، وهو ما يعد نتائج متناسبة مع المبالغ المرصودة والجهود المبذولة، التي يبدو أنها لا تستهدف حل الأزمة، بقدر ما تستهدف إدارتها ومنع تصاعد وتيرتها بشكل يخرج عن السيطرة.

وأكد الاتحاد الأوروبي على لسان بعثته في ليبيا إن دعمه المعتمد على النهج والأهداف المحددة في إطار برنامج “إدارة تدفقات الهجرة المختلطة في ليبيا من خلال توسيع حيز الحماية ودعم التنمية الاجتماعية الاقتصادية المحلية” الذي تم تبنيه في أبريل 2017. من خلال الصندوق الائتماني للاتحاد الأوروبي للتنمية في أفريقيا، قد أدى إلى نتائج مهمة، ذكر الاتحاد على صفحة بعثته أنها تمثلت في التمكن من توفير الملابس والأغذية ولوازم النظافة الصحية لحوالي 33 ألف مهاجر؛
المساعدة الطبية لأكثر من 10 ألاف مهاجر؛
العودة الطوعية الآمنة والكريمة لأكثر من 19 ألف مهاجر عالق في ليبيا؛
توزيع سيارات الإسعاف في مرزق والكفرة؛
إعادة تأهيل عيادة في بنغازي (مكتملة بنسبة 45 في المئة)؛
تسليم معدات طبية إلى ثلاثة مراكز للرعاية الصحية الأولية في سبها ومركز في القطرون؛
توفير مولدات كهربائية للعديد من المرافق الصحية في سبها وذلك للحفاظ على إمدادات الطاقة المستمرة وتمكينها من العمل حتى عندما يكون التيار الكهربائي غير مستقر.

هذه خلاصة ما نشره الاتحاد على صفحة بعثته إلى ليبيا قبل يومين مبشرا لنا بأنه يوسع دعمه للبلديات الليبية لتعزيز فرص حصول المهاجرين والليبيين على الخدمات الأساسية والاجتماعية.

ولك أن تتخيل معي أن الاتحاد الأوروبي المنظمة التي تنضوي تحتها 27 دولة، يقارب عدد سكان هذه الدول 500 مليون نسمة، ويقارب ناتجها المحلي 20 تريليون دولار سنويا، ويتجاوز نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي 35 الف دولار سنويا، يعمل في ليبيا بطريقة المنظمات غير الحكومية، ليواجه أزمة نزوح جماعي متفاقم لأمواج من البشر اللاهثين خلف الرزق والأمان.

أعداد المهاجرين غير الشرعيين القادميين إلى ليبيا من أفريقيا جنوب الصحراء، وبعض دول شمال إفريقيا مثل مصر، ودول أسيوية منكوبة مثل ميانمار التي تضطهد الروهينغا، والبنغال الذين تضطهدهم حكومتهم، والسوريين الفارين من الحرب الضروس في بلادهم، وآخرين من دول أخرى وإن بأعداد أقل، تجاوزت 700 ألف مهاجر كما كشفت عن ذلك إحصائيات المنظمات المعنية بالهجرة في العالم.

ويعتبر كل هؤلاء أن ليبيا هي الخاصرة الرخوة التي يستطيعون النفاذ عبرها إلى أوروبا، حتى إذا وصلوا وتمكنوا من الدخول إلى الأراضي الليبية عبر المنافذ المختلفة، واجهتهم صعوبات في الانتقال إلى أوروبا، ما يدفع العديد منهم للمكث في ليبيا يتحين الفرص لمواصلة رحلته.

الاتحاد الأوروبي الهدف النهائي لأكثر من 90% من المهاجرين، الذين يصفهم الاتحاد بـ”العالقين في ليبيا”، يذر الرماد في العيون بهذه الأرقام الهزيلة التي يقطرها على الليبيين، لينوبوا عنه في رعاية المهاجرين ويوفروا لهم ملاذا آمنا إلى أن يقتنعوا بالعودة إلى أوطانهم في نهاية المطاف.

فماذا لو دخل هذا الطوفان الزاحف من البشر إلى الدول الأوروبية هكذا كما دخل دولنا دون تنسيق ولا إجراءات ولا تأشيرات ولا مقابلات ولا تسجيل ولا معايير؟

كم سيتكلف الاتحاد الأوروبي عندها ؟ وهل ستكفيه مساعدات طبية لبضعة ألاف وتزويدهم ببضعة ألاف من البطاطين؟

إن ما يجب على الاتحاد الأوروبي في رأيي كمتابع لملف الهجرة نحو الشمال، لا يقل عن توفير التريليونات من الدولارات لتنمية دول المصدر، في جنوب الصحراء،  والتنمية والاستثمار في ليبيا دولة العبور المتضررة الأكبر من هذا الانتقال التاريخي لملايين البشر، الذي سيكون له تأثير على تاريخ جماعات كبيرة من البشر في قارات العالم القديم.

وإلا فإن هؤلاء المهاجرين الذين يعدون بمئات الآلاف، والرقم في ازدياد بشكل يومي دون سقف ينتهي عنده، هؤلاء المهاجرون سيخترقون كل الحواجز وسيدخلون أوروبا عبر البحر المتوسط، وسيغرقونها سيرا على الأقدام بما لا قبل لها به، وبما لم تتعود شعوبهم المترفة على مواجهته.

لا يزال في الإمكان حتى الآن حسب تقديري، التعاطي مع ظاهرة الهجرة بهذه الطرق التي نتحدث عنها وبغيرها، مما لا يعجز الاتحاد الأوروبي عن فعله، ولكن ذلك لن يستمر طويلا، فحالة الياس والإحباط التي تنتشر في دول المصدر انتشار النار في الهشيم وتنتقل منها إلى دول العبور، لن تنتظر طويلا لتصدر الملايين من النازحين واللاجئين والمهاجرين والفارين في طريق الخلاص، إذا لم يتوفر لهم أمل في أوطانهم.

أمل يبدأ باستثمار حقيقي، وفرص عيش كريم حقيقية، وتنمية مستدامة، وإنهاء لأسباب الصراع في دول المصدر، لن يكلف الميزانية الأوروبية إلا بضعة تريليونات، ترد بها الجميل للقارتين اللتين قامت على أكتافهما رفاهيتهم التي يحرسونها من المهاجرين،   سيكون بلسما لكثير من أدواء الجنوب وعلاجا جذريا لجزء كبير من المهاجرين قد يقنعهم بالمكث في بلدانهم، ويزهدهم في الهجرة إلى البلدان التي تستنكف عن استقبالهم.

التدوينة تقصير الأوروبيين في وقف الهجرة سيغرقهم ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “تقصير الأوروبيين في وقف الهجرة سيغرقهم”

إرسال تعليق