طرابلس اليوم

الاثنين، 19 مارس 2018

اعتصام المعلمين بين مشروعية المطالب وضعف العروض

,

عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق

لطالما نادينا بتحقيق مبدأ المساواة عند تحديد قيمة رواتب مستخدمي الدولة الليبية، وطالبنا بنكث الغزل السيء لسلم حقوق العاملين بالدولة، بِدءًا من أصغر وأحدث موظف وحتى منصب رئيسها، هذا هو طريق العدل والإنصاف، مع الأخذ بعين الإعتبار لطبيعة وخصوصية بعض الوظائف الاخرى، دون سحق درجات السُلم الدنيا، أو إعتبارها مُصنفات تكميلية للدرجات الوظيفية، لا خلاف على أن الفروقات بين الوظائف أمور منطقية، من حيث طبيعة الخدمة وخصوصيتها وسنوات العمل بها، لكن لا يعني ذلك أن تتبعها محددات المرتبات وقيمتها دون النظر لأصحاب بعض المرتبات التي تشكل قيمتها ميزة من ميزات الرواتب الكبيرة.

ولا يعني ذلك أن نقر بحالة التفاوت بين قِيم المرتبات طبقًا للدرجة العملية  وسنوات الخبرة دون أن ننهض بالدرجات الوظيفية الأولى، ليس بالضرورة أن نحقق ملامسة أسنان المشط، لكن من الظلم أن تكون كمنكسر رسم القلب، وهذا يرجع لذوي الإختصاص والعارفين بأمور المعيشة وتقلباتها، ويمكن لهم تحقيفها من خلال سن قانون ولو كان “مُدسترًا” لا يُترك للمزاجية وأهواء المنتفعين، يخيطون مرتباتهم على مقاساتهم، هذا عين الظلم والاجحاف .

حكمنا القانون رقم 15 سيء الصيت والسمعة طيلة حكم القذافي، وهو الذي حقق مبدأ المساواة بإفقار الموظفين وجعلهم يعملون بدوائر متداخلة ومتقاربة، وهذ ظلم بحد ذاته، لكن حين يعقد البعض مقارنة بم نحن عليه اليوم ومعيشتنا في ظل ذلك القانون، فإن ربكة ستلحق به، نتيجة لمتغيرات طرأت عقب قيام ثورة 17 فبراير .

ونتيجة لم تقدم فقد طالبت عدة شرائح بتعديل رواتبها وزيادتها، خاصة بعد رفع مرتبات ببعض الشرائح الأخرى، والأرقام الكبيرة التي منحت للسلطتين التشريعية والتنفيذية “الحكومة بهيكليتها المفترضة”

طالب المعلمون بتحسين ظروفهم المعيشية من خلال رفع مرتباتهم، ومساواتهم بباقي الشرائح العاملة بالدولة والتي تتمتع بمزايا وهبات تصل في بعض الأحيان لأرقام تنقل البعض من حالة الغبطة لحالة الحسد، تقدم المعلمون بمطالبهم بصورة ودية في بداية الأمر، من خلال تواصل نقابتهم بالسلطة ومحاورتها، تحصلوا على وعود مسكنة، فلم يكن أمامهم إلا التلويح بالإعتصام، ولما كان تجاهل السلطة فقد دخل إعتصامهم حيز التنفيذ مع انطلاق العام الدراسي الحالي، جراء ذلك طالت ربكة قطاع التعليم، ففي كل بيت من بيوت ليبيا تجد القطاع، تلميذ وطالب ومعلم وولي أمر، فحظى إعتصام المعلمين باهتمام شديد، كان جُله في غير صالحهم ومحبطًا لهم، نظرنا كأولياء أمور لمصلحة أبنائنا وأغفلنا مصلحة من يحققها، المعلم وقف ضد نفسه وضد تحقيق مصالحه عندما تعاطى مع الموضوع كولي أمر، إدارات المدارس لم تلتق بذات الهدف، مسؤولو التعليم كذلك، وحتى نقابة المعلمين العامة التي تبنت المطالب لم تكن وفروعها تسير بنفس الوتيرة، ورغم أن من يقوم بالتدريس بمدارس القطاع الخاص هم معلمون مغبونون كزملائهم بالتعليم العام إلا أن الغالبة العظمى منهم لم بمتثلوا لقرار الإعتصام، ومرد ذلك للهوة السحقية بين التعليم الخاص والعام، فولي الأمر هو الدولة بالأول وهو من يمنح المعلم راتبه، وحتى بعض المدارس بالثاني لم تمتثل هى الأخري وانطلقت الدراسة بها .

مهما تعددت وجهات النظر حيال مطالب المعلمين فإن الإقرار بمشروعيتها واجب أخلاقي وحق مشروع، وإنصافهم أمر حتمي، ربما يكون اختيار توقيت الإعتصام غير مناسب، ولعلهم وقعوا بفرضية “أن العرض السيء يبدد الحق المشروع” وفي الغالب تكون النقابات ردفًا للسلطة وهى تدافع عن حقوق منتسبيها، بمعنى أنهما يسعيان لحل المشاكل من خلال تعاونهما، وألا يناصب العداء هذا لذاك.

أما معاملة المعلم بمعزل عم يدور بمحيطه الإجتماعي فهذا عين الظلم، المعلم إنسان لديه إلتزامات ويتفاعل مع متقلبات الحياة وتتفاعل معه، وهو — أي المعلم — ليس من المدينة الفاضلة ولا من الملائكة المنزهين، إن العزف على أن المعلم كاد أن يكون رسولًا أمر لا يسمن ولا يغني من جوع، إن كان قالها شوقي فهى من باب إحترام القوافي، وإن كانت حجة فقوم شوقي يرددون أن التدريس مهنة من لا مهنة له.

النظر بعين الواقعية هو ما يحل مشاكلنا، والواقعية تكون منوطة بأصحاب الحقوق والواجبات، وحتى مقترح لجنة التعليم بمجلس النواب لا يخدم المعلمين، وتعاملت معهم كعمال بالأجر اليومي من خلال مقترحها الهزيل الذي طَرُب له المعلمون ولم يتحقق! ! وحتى نكون أكثر صراحة ووضوحًا فإن هناك من طوع هذا الحراك لأجل مصلحته الخاصة، وضرب مطالب المعلمين عرض الحائط، تجاهلت السلطة مطالبهم، وتحايلت عليهم “بكورتيزون تشريعي مختل ” والمعلمون أيضا قدموا عرضهم بصورة مهزوزة، وما يؤسف عليه حقًا ليس ضياع حقوقهم المادية، وإنما تدني المكانة التي كان يحظى بها المعلم بمجتمعنا، ففي شبكات التواصل الإجتماعي كتب البعض عن الإعتصام بما يسيء اليه قبل أن يسيء للمعلم .

الحل هو أن يعاد جدول مرتبات الليبيين وفق قانون يراعي حقوق الكل ويقرب المسافات بيننا، فليس من المنطق أن يكون راتب معلم دون الألف دينار، ونظيره بخدمة أخرى 8000 دينار وقد تخرجوا في نفس السنة، ومن نفس المكان، هذا ليس ضربًا من الخيال بل هو واقع مرارته على من يعانيه، المعلم ليست له أى إمتيازات، سوى مكافأة الإمتحانات المقدرة بثلاثة دنانير في يوم من الأيام، وتمنح له كل عقد من الزمان، فيجب على المعلمين إعادة ترتيب مطالبهم وعرضها بصورة تجعل من الآخر ينصت لها ويقر بمشروعيتها وينفذها، ولا ننسى أننا لا نساوي بين المعلم وبين من انتحل صفة المعلم من الفارق بين عطاء الإثنين، فالمعلم المعطاء التربوي هو أكثر استهدافا من الأخر .

التدوينة اعتصام المعلمين بين مشروعية المطالب وضعف العروض ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “اعتصام المعلمين بين مشروعية المطالب وضعف العروض”

إرسال تعليق