طرابلس اليوم

الجمعة، 16 مارس 2018

صراع على الجنوب الليبي مع نسبة تنمية وأمن صفر

,

عبد المنعم الجهيمي/ صحفي وكاتب من سبها

تتنافس حكومتا الشرق والغرب الليبي على بسط نفوذهما على الجنوب، وتتعدد صور وأشكال وسبل هذا التنافس. مؤخرا أخذ صورة استغلال صراع قبلي معاد، كانت المدينة قد عاشته لأكثر من مرة وتعودت عليه رغم قساوته وبشاعته، ولكن هذه المرة زادت تلك البشاعة بأن أصبحت الحكومتان تعززانه بدل أن تعملا على تهدئته، وهو ما يطيل عمر الحرب ويزيد من مآسيها للسكان المحليين.

بشكل عام لطالما كان الجنوب الغربي مرتبطا بشكل وثيق بطرابلس ومن يحكمها، وهو أمر تاريخي ومنطقي، فالجنوب يعيش تماما على الخدمات التي توفرها له حكومات طرابلس، بداية بالكهرباء ومرورا بالوقود وإنتهاءا بالمرتبات، هذا الواقع جعل الجنوب يسير حيث تسير طرابلس، لذلك لا يتأثر كثيرا بتغيرات الأحوال والتقلبات التي قد تشهدها المنطقة الشرقية.

هذا الواقع ضمن تبعية الإقليم لحكومات طرابلس دونما عناء كبير في الحفاظ على هذه التبعية، حتى تلك الأصوات التي كانت تنادي بضرورة تدخل جيش الشرق وتبعية الجنوب له، لم تكن ذات صدى واضح أمام واقع الحال المعاش منذ سنين، إلى أن وقعت أحداث قاعدة براك -التي لاتزال غامضة إلى اليوم- وتورطت القوة الثالثة في بعض تلك الأحداث، وانطلقت تلك الحملة الإعلامية التي رفعت تلك الأصوات المطالبة بضرورة تدخل جيش الشرق، فكان ما كان وخرجت القوة الثالثة كمجموعة مسلحة تتبع الوفاق، وسيطرت المجموعات المسلحة التي تتبع جيش الكرامة.

دخلت الكرامة لقاعدة تمنهنت ووقع تعيين حاكم عسكري لمنطقة سبها العسكرية، الأخير فضّل الإقامة في تمنهنت، وهو إجراء أمني بعد أن تيقن أن دخول المدينة في عقد الكرامة لم يكن دخولا كاملا، فكتائب سبها لم تكن على نفس الرأي في التواصل وإعلان التبعية للكرامة، وتوعدت الحاكم الجديد بالمقاومة في حال دخل المدينة، هنا بقي الوضع الميداني كالتالي؛ واقعيا يربض الحاكم العسكري التابع للكرامة على مسافة 30 كم شمال سبها ويعقد اجتماعاته ونشاطاته. في الداخل لا تزال الكتائب المحلية على حالها من الولاء لحكومة الوفاق التي توفر المال ولا تراقب عملها، بعض الكتائب دخلت في عقد الكرامة ولكنها لا تريد أن تلتزم بشيء تجاهها، خاصة فيما يخص الحد من حريتها أو استقلالية قراراتها داخل المدينة.

وفي ظل هذا الوضع الغريب شهدت المدينة زيارات مختلفة لوزراء حكومة الوفاق، الذين نزلوا في تمنهنت وصالوا وجالوا في المدينة والجنوب كرسالة تؤكد أن للوفاق وجوده القوي داخل المنطقة حتى في ظل عدم قدرته عسكريا على ذلك.

حاول الحاكم بعد فترة أن يتمدد إلى الداخل وتمكن فعلا من أخذ بعض المقرات، ولكنه اصطدم بجدار الكتائب المحلية التي لا تقبل تدخله في شئون المدينة، وبالفعل ما أن ظهرت له بعض الصور والزيارات لبعض أطياف المدينة حتى استجر عليه غضب بعضها الآخر، فزحفت على مقراته في سبها وخرج منها عائدا الى تمنهنت.

واستمر الوضع كما هو عليه حتى وقع الصدام الأخير، الذي جدد الأمال لدى جيش الكرامة بأن يتمدد في مناطق لم تكن له ذات يوم على الحقيقة، كما جدد آمال حكومة الوفاق في إعادة سيطرتها الفعلية على المنطقة وقطع الطريق على الكرامة في خلق عمق استراتيجي لها بالجنوب.

أما الكتائب المحلية فكانت ترى في ذلك التسابق شرعنة لها ولحربها التي تشنها ضد بعضها البعض، حرب وقودها الناس والحجارة، فلم يسقط في هذا الجنون إلا المدنيين والأطفال فقط، وهو أمر لا يشغل بال الكتائب ولا الحكومات المتصارعة من أجل بسط نفوذها على أهالي القتلى والجرحى والنازحين.

صور الصراع تجلت أولا في البيانات الصادرة عن الطرفين، فالجيش مثلا أصدر عدة بيانات حول تبعية اللواء السادس له، وأصدر أوامرا بتغيير آمر اللواء، و أوامرا بإعادة تشكيل بعض الكتائب مع اللواء، بالمقابل أصدرت حكومة الوفاق بياناتها حول تبعية اللواء السادس لها، وتنشر لقاءات رئيسها مع السراج، وفي ذات السياق ترسل قيادة الجيش تعزيزات عسكرية للجنوب وتعلن عن عملية فرض القانون وتنذر المهاجرين الأفارقة بضرورة مغادرة البلاد خلال عشرة أيام – وهي دعوة لم تلق صدى كبيرا وسط المهاجرين- بالمقابل تشكل حكومة الوفاق وفدا للمصالحة على غرار الوفد الذي سبقه من المنطقة الشرقية، وتدرس أو تسعى لإرسال قوة عسكرية لتتدخل في الجنوب، يدفعها لذلك أيضا وجود أصوات قوية تنادي بالاستمرار في الإنضواء تحت عقد طرابلس وحكوماتها أيا كانت.

لكن التساؤل هنا عن وضع المدينة التي يتصارع الجميع على حكمها، فقد ظلت لسنوات وما تزال تعاني ارتفاع معدلات الجريمة بكافة أنواعها، نسبة جرائم القتل وصلت في إحدى السنوات إلى ما يقارب المائتين، عدا جريمة السطو المسلح التي تجاوزت الستمئة حالة في إحدى السنوات. المدينة التي يقبع سكانها في بيوتهم مع غروب الشمس خوفا من المجهول الذي يحمل الموت لشوارع المدينة، فوجود كل تلك الكتائب المحلية التي ترتدي أثواب الشرعية من هنا وهناك لم يغير من واقع الحال في المدينة، كما إن رغبة السيطرة عليها من قبل الجيش أو الوفاق لا تحمل معها رغبة بسط الأمن، فقد كانت سبها أو بعضها تحت حكم كل منهما لفترات ولكن دونما أمن.

لم نتحدث بعد عن تدني الخدمات وانتشار الفساد وانعدام الطرقات وغلاء الوقود والغاز، وجماعات التهريب بأنواعها المختلفة، والجريمة المنظمة القائمة على الاختطاف والإخفاء القسري، كل هذه تفاصيل المشهد السبهاوي الذي يتصارع الجميع على حكمه والسيطرة عليه، ليس من أجل معالجته أو محاربته أو قمعه، بل من أجل استثماره واللعب به كورقة ترفع من سقف التفاوض أمام الخصم.

لنتخيل أن أحدهما سيطر على المدينة وكللت مساعيه بالنجاح، بالطبع ستستمر الجريمة في ازدهارها، وسيسارع خصومه لاستخدامها والدعاية ضده، أما هو فسيستميت في الدفاع عن مجهوداته في ضبظها ومحاربتها، والعكس صحيح، ووسط ذلك يظل المواطن أخر اهتمامات الطرفين، فهو لا يفهم لما تقوم كل تلك الحروب وكيف تنتهي وكيف تعود من جديد، حتى لو فهم ذلك فلن يستطيع فعل شئ، وسيظل بانتظار إنتهاء ذلك الصراع ولو مؤقتا ليستأنف شيئا من حياته.

التدوينة صراع على الجنوب الليبي مع نسبة تنمية وأمن صفر ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “صراع على الجنوب الليبي مع نسبة تنمية وأمن صفر”

إرسال تعليق