طرابلس اليوم

الأحد، 10 يونيو 2018

سيبقى الجمود السياسي سيد الموقف

,

علي أبوزيد/ كاتب ليبي

لا يكاد يحدث تطور ما في العملية السياسية يستبشر به المتابعون للأزمة الليبية في إحداث انفراج ودفع في المشهد المتأزم والمراوح لمكانه، حتى تعاوده حالة الركود والتوقف، ويعود الجمود سيد الموقف.

لقد ظل الجمود مسيطراً على المشهد في مختلف التطورات التي مر بها المشهد السياسي، ويبدو أن لقاء باريس وما تلاه من إعلان سياسي بين الأطراف التي التقت هناك لن يكون استثناءً، فأكثر الأطراف تعنتاً “حفتر” لازال ماضياً في مشروعه لا يلوي على أحد ولا يعبأ به، وهو ما ينسجم أيضاً مع الموقف المصري الذي يبدو أن مخرجات باريس لم ترضِه، خاصة وأن إجراء انتخابات في نهاية 2018 سيؤدي غالباً إلى إخراج حليفه حفتر من المشهد أو فقده السيطرة على الشرق الليبي، لذلك نجد التصعيد في معركة درنه هو السبيل لتجاوز مخرجات باريس بادعاء انتصارات مزعومة، وسيبقى الوضع كذلك إلى حين إيجاد صيغة تمكن “حفتر” من الدخول القوي سياسياً، والذي سيكون غالباً بإنهاء ملف توحيد المؤسسة العسكرية الذي تشرف عليه القاهرة لصالح حفتر.

في هذه الأثناء كثر الحديث عن محاولة تشكيل حكومة وحدة وطنية تنهي الانقسام الحاصل وتجعل الشرق والغرب يخضع لسلطة واحدة، وتخرج بذلك الحكومة المؤقتة من المشهد، وعلى فرض صحة هذه المساعي فإنها غالباً لن تفضي إلى شيء يذكر بسبب رفض حفتر لهذا الأمر حتى في لقاء باريس، وكذلك فإن مصر ستدفع باتجاه منع حدوثه، لأنه يعني خروج الشرق الليبي من نفوذها.

وبالعودة لمخرجات لقاء باريس فيبدو أن مصيرها سيكون التلاشي كمصير لقاء باريس الأول الذي جمع بين السراج وحفتر في يوليو 2017، لأن كل الأطراف التي تؤكد على ضرورة إجراء الانتخابات لا تريد أن تبادر بالحديث عن الإطار الدستوري والقانوني لإجرائها، كما أن هناك تعامياً عن حالة الانقسام وتنازع الشرعية التي لو أجريت الانتخابات في ظلها فإنها ستؤدي إلى مزيد من التأزم وتكريس الانقسام، كذلك فإن عدم توافق المجتمع الدولي على صيغة موحدة لإنهاء الأزمة الليبية وانتظار مختلف أطراف الصراع للمبادرات الخارجية لحل الأزمة سيبقي الوضع الراهن على ما هو عليه دون إحداث أي تطور مفصلي في المشهد.

ستبقى الانتخابات بوابة الأمل التي يرقبها الليبيون للخروج من أزمتهم، ولكن ستواجههم عقبات صعبة وكثيرة قبل أن يصلوا إليها، من أبرزها -كما أشرنا- التوافق على إطارها الدستوري والقانوني، وكذلك إنهاء حالة الانقسام وخلق حالة من الاستقرار يمكن معها إجراء انتخابات، وهذا لن يتم بوجود عقلية سياسية لا تريد إجراء انتخابات ما لم تضمن أن تكون نتائجها في صالحها.

لذلك فإن الجمود السياسي سيظل سيد الموقف، ولن يتطور المشهد إلا بشكل بطيء جداً، خاصة في الشرق الليبي، فمن المتوقع بعد حسم معركة درنه وانتهاء المبررات المزعومة للحرب ضد الإرهاب أن تبدأ قوات الكرامة في التآكل، وستطفو كثير من الصراعات الداخلية على السطح، إضافة إلى أن نقل مجلس النواب إلى بنغازي سيؤدي إلى اختلال المعادلة القبلية في المنطقة الشرقية، وهذا لن يكون له آثاره المباشرة على المشهد السياسي، ولكن سيؤثر بشكل ما على حدة المواقف ولينها، وسيعيد تشكيل التحالفات، كما أن عودة قوات حفتر من مناطق القتال إلى المدن وهي قوات في حقيقتها غير نظامية ستسبب حالة من الفوضى والاختلال والتضييق على الناس، وهذا ما بدأت أثاره تظهر في بنغازي.

أخيراً يبدو أن بعثة الأمم المتحدة هي الأكثر إدراكاً لمدى استعصاء حالة الجمود في السياسة الليبية، لذلك فهي منصرفة عنها تماماً إلى ما تسميه الملتقى الوطني الجامع الذي لن تؤثر مخرجاته على الفاعلين الأساسيين لانعدام الأساس السياسي له، ولأنه لن يخرج إلا بتوصيات غير ملزمة لأحد، فكل التحية للسيد غسان سلامة على حكمته في إضاعة الوقت.

التدوينة سيبقى الجمود السياسي سيد الموقف ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “سيبقى الجمود السياسي سيد الموقف”

إرسال تعليق