محمد الراجحي
لم يتفاجأ الثوار الليبيون المرابطون في جبهات القتال من المسودة التي اقترحها مبعوث الأمم المتحدة الى ليبيا والتي تطرقت في فحواها الى تمديد عمل مجلس النواب المنعقد بطبرق واعتباره الجهة التشريعية الوحيدة في ليبيا دون الاخذ بالاعتبار بحكم المحكمة العليا بحل مجلس النواب.
ولئن جنح سياسيو ثورة فبراير في عديد الأحيان الى منطق السلم و اعلان وقف اطلاق النار ليتسنى للجميع الحوار في ظروف ملائمة فانهم كانوا على دراية كاملة بلوبيات الضغط الدولية التي تتحكم بمسارات الحوار و المواقف المنحازة التي اتخذتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا اتجاه المؤتمر الوطني العام و القوى العسكرية التي تعمل تحت إمرته في الوقت الذي كان الأولى معاملة الطرفين (المؤتمر الوطني العام المنعقد بطرابلس و مجلس النواب المنعقد بطبرق ) كقوى ليبية فاعلة يجب التقريب بينهما لا اعتبار طرف شرعي و آخر غير شرعي في حين ان كلا الطرفين لهما من الحجج ما يثبت شرعيته.
اذ لم يعد هناك أي شك في أن حوار الأمم المتحدة لم يكن سوى وسيلة لدعم مسار الإنقلاب الذي قاده حفتر منذ فيفري 2014 بدعم مصري و خليجي عبر المال و السياسة و الاعلام فضلا عن تفتيت ثوار المنطقة الغربية وعزلهم عن ثوار مدينة مصراته و دق اسفين الفتنة بينهما.
وهذا ما عبر عنه بيان المؤتمر الوطني الأخير الرافض لمسودة مبعوث الأمم المتحدة. إذ رفض المؤتمر الوطني الليبي مسودة الاتفاق التي قدمها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثة الدعم في ليبيا برناردينو ليون، والتي تتضمن اعترافا بالبرلمان الليبي المنحل، معتبرا أنها “ضرب من العبث”، وطالب بسحبها واقتراح بديل عنها.
وقال رئيس فريق حوار المؤتمر الوطني صالح المخزوم إن مقترح ليون الذي تم إستلامه مخيب للآمال ولم يحترم ما تم تداوله في جولات الحوار بضرورة الوصول إلى حل سياسي متوازن، وانقلب على كل ما تم الاتفاق عليه في المغرب، كذلك لم يحترم حكم المحكمة ولا يلبي طموح الثوار. وأضاف أن المقترح يعطي الانطباع بأن ما كان يجري من جولات هو محاولة لكسب الوقت لجعل الإنقلابي “حفتر” أمرا واقعا.
من جهته قال المتحدث باسم المؤتمر عمر حميدان في مؤتمر صحفي إن المسودة الأخيرة التي قدمها ليون و”التي لم تستند على الحل الموضوعي الشامل والمتوازن في ليبيا، مرفوضة تماما وغير قابلة للنظر”.وبيّن حميدان أن هذه المسودة “تعدّ ناسفة لجهود الحوار الجاد، وتفرّغ جولات الحوار السابقة في الصخيرات المغربية من مضمونها، وتحوّلها إلى ضرب من العبث بما يتعين معه سحبها وتقديم البديل عنها”.
كما ذكر حميدان أن الطريقة التي انتهجتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والتي جسدتها مسودة ليون، ستؤدي إلى فشل التوصل إلى حل سياسي شامل وتوافقي، محمّلا رئيس البعثة الأممية إلى ليبيا مسؤولية ذلك “وما يترتب عليه من تداعيات خطيرة”.
وأكد التزامَ المؤتمر بإيجاد حل سياسي توافقي للأزمة الليبية، إلا أنه طالب في الوقت نفسه البعثة الأممية بإعادة النظر في آليات عملها وطريقة دعمها للمسار السياسي في ليبيا وبضرورة الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف.
وجدد حميدان التأكيد أن المؤتمر الوطني العام “الممثل لجميع لفئات المجتمع الداعمين له”، لن يفرط في “الثوابت التي سبق الإعلان عنها ولا في أمن البلاد ووحدة ترابها، ولن يفرط في دماء الشهداء والجرحى، ولن يعيد إنتاج منظومة الاستبداد السابقة تحت أي مسمى”.
وفي الوقت الذي عبر فيه المؤتمر الوطني العام عن رغبته في عديد المناسبات منذ انطلاق الحوار و ملحقاته في إنجاح تجربة التوافق للوصول الى حل سياسي يخرج ليبيا من عنق الزجاجة و اقتسام السلطة مع شركاء الوطن لم يفتأ الطرف الآخر المتمثل في مجلس النواب المنعقد في طبرق في افتعال الازمات تارة في طرابلس و تارة أخرى في ضواحيها او في مدن الجنوب الليبي ومن ثم اعلان تأييدها لحشد الدعم ممن أسمتهم حكومة طبرق بالخلايا النائمة الموكلة لها مهمة استعادة السيطرة على مدن الغرب الليبي و خصوصا العاصمة طرابلس وذلك بحسب ما جاء في تصريحات و بيانات لرئيس الحكومة الليبية المؤقتة المنعقدة بطبرق.
و يقول محللون ليبيون ان مسعى ليون الأساسي هو إلغاء قرار المحكمة ببطلان مجلس نواب طبرق، وإلغاء قانون العزل السياسي الذي استبعد عملاء المخابرات الغربية من وزراء وأعوان معمر القذافي، كما أنه خرج بمبادرة من أجل أن تُرفَض.
و أشاروا الى ان ثوار و قوات فجر ليبيا لم يعتقدوا يوما في صدقية المهمة التي جاء بها موفد الأمم المتحدة برناردينو ليون و كانوا في كل مرة يعبرون عن استهجانهم لطريقة التعامل و الكيل بمكيالين و غض النظر عن التجاوزات و نقض العهود التي تقوم بها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر من قصف للمدن بالطائرات و قصف المطارات التي كان يغادر منها وفد الحوار المكلف من قبل المؤتمر الوطني العام.
وكانت إشتباكات قد اندلعت في عدد من المدن الغربية التي تسيطر عليها قوات فجر ليبيا مع قوات ما يعرف بجيش القبائل الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر قبيل واثناء الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة بين الفرقاء الليبيين في دولة المغرب لا يزال متواصلا في محاولة لقلب الموازين العسكرية و السيطرة على العاصمة طرابلس.
في غضون ذلك قال الدكتور أسامة الكبار المحلل والكاتب السياسي الليبي لجريدة الضمير ان تحركات “ليون” الأخيرة تزامنت مع دعم عسكري وصل من الأردن تمثل في عدد من الآليات و العتاد العسكري و طائرات هيليكوبتر و ذخائر وصلت الى قوات خليفة حفتر مشيرا الى ان ذلك يمثل خرقا للحظر المفروض من قبل مجلس الامن على ليبيا الذي يمنع تزويد ليبيا بالأسلحة. وقال ان ذلك أحد مقاصد ليون منذ بداية الحوار و هو إعطاء فرصة أكبر لحفتر لحسم الأمور في شرق البلاد و غربها.
وأوضح أن مثل هذه التجاوزات لا تؤخذ بعين الاعتبار من قبل مبعوث الأمم المتحدة برناردينو ليون بل يتم التغاضي عنها. وأضاف أي حوار غير مبنى على أسس و ثوابت لا يمكن تجاوزها يعتبر عبث. و قال “انه في تقديري لن يرضى الثوار بالدخول في جولات أخرى هدفها شراء الوقت… المجتمع الدولي غير جاد في حل المشكلة الليبية بشكل منصف و وخير دليل طرح ليون الأخير.”
و بين الدكتور أسامة الكبار “إن كانت هناك جدية حقيقية من قبل المجتمع الدولي فعليهم إبداء بادرة حسن نوايا أولا و ذلك من خلال إيقاف التدخل المصري و الإماراتي في شؤننا الداخلية و دعمهم لحفتر.”
تابعوا جميع اخبار ليبيا و اخبار ليبيا اليوم