صلاح الشلوي
في نقاش مع بعض أعضاء حزب التحرير في المهجر قال لي مبرر فكرة ” طلب النصرة للوصول إلى الحكم” وهي الفكرة السياسية المركزية لدى حزب التحرير بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان يعرض نفسه على القبائل المشركة في المواسم ويطلب منهم العون والنصرة حتى يتمكن من الحكم.
وكان يصيح عاليا بأنه لن يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح عليه أمرها بالأمس ويدرج بين ثنايا كلامه مقولات للإمام مالك عليه رحمة الله.
قلت له بعد أن انهى كلامه إذا علينا أن نذهب أولا للطائف ونطلب النصرة من ثقيف ثم نعود إلى مكة ولكن ليس قبل أن يتعرض لنا سفهاء ثقيف بالحجارة، وبعدها يخرج بعضنا إلى الحبشة ويطلب منهم النصرة ثم يعودوا، ثم في نهاية المطاف نذهب إلى المدينة كي يكون عملنا مشروعا ووفق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعد تجربة الخلفاء الراشدين المهديين في الوصول إلى الحكم نجد أن كل واحد منهم وصل إلى الحكم بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة التي وصل بها خلفه، وأنه لا يوجد قاسم مشترك بين الطرق الأربعة سوى شيء واحد وواحد فقط، ألا وهو مبايعة الأمة له على كل حال من الأحوال، مما يجعل من كل المقدمات مجرد مشاريع والآليات فقط، أما لب الوصول إلى الحكم في الاسلام وجوهره وأساسه فهو ” الانتخاب من الأمة” وليس من النخب ولا من أهل الحل والعقد كما يزعم بعض المتخصصين في علوم الشريعة، ويردوا أن يحتكروا حق الانتخاب ويعطوا ميزة تفوقية عن غيرهم من أبناء المجتمع، وهو باطل من القول، بل الانتخابات تجسيد لشرعية جميع أفراد المجتمع دون تمييز بينهم لا بعلم ولا تخصص ولا بقبيلة ولا بقوة ولا بمال ولا بمنطقة، فهم اصحاب الشأن وملاك البلاد الأصليين.
كيف تنظم الانتخابات؟ هذه مسألة سياسية تركت مفتوحة على مصراعيها لكل البدائل باستثناء شيء واحد فقط وهو تفرد طائفة أو مجموعة أو جهة بالانتخاب دون سواها، وبقية الآليات والأساليب جائزة ما حققت تكافؤ الفرص والعدل والمساوة بين أبناء المجتمع في اختيار رئيسهم صوت لكل مواطن.
لذلك محاولة استخدام ما حصل في عهد الخلفاء الراشدين من آليات للشغب على ما سواه لا يعبر عن عمق فهم للشريعة ولا لمقاصدها الكبرى ولا بالواقع الذي نعيشه اليوم، الآليات يجب أن تقوم على حالة من التوازن المجتمع التوافقي.
أما ما جرى في ليبيا فهو قبل الفقه يحتاج لفهم وتكييف حتى يمكن بعد ذلك اسقاط الاحكام الفقهية المنظمة له.
فالفقيه الذي يتجاهل حالة الانقسام السياسي والمجتمعي التى عاشتها ليبيا قبل الاتفاق السياسي، لا يمكنه أن يتصور بشكل صحيح ومتوازن مهية الاحكام الفقهية التي تصلح للإستخدام لتوجيه وتكييف المشهد السياسي الحاضر، والفقيه الذي يتصور أن المشكلة في ليبيا مشكلة قانوينة أو تنازع شرعية قطعا لم يستوعب ما جرى وبالتالي لا يمكنه أن يكيف ما يجرى فقهيا بل لن يخلق إلا أزمة مركبة أكبر وأخطر من أزمة الانقسام السياسي في البلد.
والفقيه الذي لا يعلم أن كنا بصدده في الصخيرات كان معالجة الانقسام وانهاء أزمة، ولا يعتبرها مهددا حقيقيا لأمن البلد ووحدتها السياسية لا يمكنه أن يستنبط لها حلولا ولا أن يجد لها مخارجا كما كان يفعل الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان عليه رحمة الله، والفقيه الذي يظن أن اختيار المجلس الرئاسي مثل انتخاب رئيس الدولة هو فقيه لا علم له بالشؤون السياسية وبالتالي لا يمكنه البتة أن يفتى في شيء منها إلا بمقدار ما يجلب للبلد المزيد من الاقتتال والاحتراب والفوضى والخراب.
والفقيه الذي لا يهتم لدماء الليبيين ولا يعظم حرماتها ويظن أن تمسكه برأيه أقرب إلى الله من حفظ دماء الليبيين لا يمكنه أن يتصدى لتحليل ما يجرى أمامه ومعرفة مآلات كلامه وتوريط الاتباع في حرب تأكل الأخضر واليابس، وانزلاقهم إلى اعمال وإن كانت مشروعة في زمن ما إلا انها اليوم تدفع البلد إلى الفوضى والدمار والاستغلال ممن لا يريد للعاصمة أن تستقر، وأخطر من ذلك أن تستخدم فتاويه في تخوين المخالف وتوظف في حربه.
والفقيه الذي لا يعلم أن السلطة السياسية في ليبيا انقسمت، فجمع الاتفاق السياسي شتاتها في العاصمة، وأن الحكومة مهما كانت ضعيفة إلا أنها أفضل من تعدد الإمارات والحكومات والشرعيات، وأن أطرافا إقليمية ساءها أن تكون السلطة السياسية في العاصمة، فعملت على زعزعت الاستقرار فيها، وليأتي الفقيه ليكمل لها ما أرادت فيحرض العامة على السلطة في العاصمة كي تخرج منها ويخلو له هو وأتباعه الجو، ويظن أن بإمكانه أن يحكم العاصمة بعد ذلك وقد قطعت صلتها الدبلوماسية بالخارج تماما حتى تونس الشقيقة، وانقطع عليها كل مورد، وهو لا يعلم كيف يوفر لها كل ذلك.
الفقيه الذي لا يدرك أن نقل الشرعية وتجميع مؤسساتها في العاصمة أمر غاية في الأهمية لحربنا على الإرهاب، وإلا قامت طائرات حفتر بقصف المقاتلين ضد داعش في سرت مثل ما فعل من قبل مع الكتيبة 166 حين اقتربت من سرت، فلم يمنعه شيء من ذلك سوى كونها اليوم قوات تابعة للمجلس الرئاسي السلطة السياسية التنفيذية الوحيدة في البلد.
من يجهل أهمية ذلك كله لا يمكنه بحال أن يحدد لأبناء العاصمة ماذا يفعلون تجاه المجلس الرئاسي وحكومة التوافق الوطني، ولا أن يحدد لهم أهميتها وأهمية التمسك بها في العاصمة والحذر من مغبة المغامرة نحو المجهول بالعاصمة بإسقاط السلطة والشغب عليها. وحين تدخل العاصمة في فوضى لا تبقى ولا تذر سنجد أمثال هؤلاء قد تملصوا مما أصدروه من فتاوى خاطئة في حق العاصمة وأهلها واستقرارهم وسلامة الأفراد وممتلكاتهم، حين لم يهتموا في كثير ولا قليل لاستقرارهم وأمنهم وسلامتهم وجازفوا بها كما يجازف بالرهان على حصان خاسر.
ليعلم أهل العاصمة أن أمنهم واستقرارهم على المحك فلا ينبغي أن يتبعوا فتوى ولا قول لا يضع ذلك فوق سلم الأولويات وألا يسمحوا بأي عمل تخريبي يستند على فتوى باطله منبتة عن المجتمع والدولة ولا تتناغم إلا مع قلة قلية من الأنصار والاتباع.
وأخطر الخطر أن يزين للفقيه عمله فيظن أنه يتقرب إلى الله زلفي بنشر فكر الحرب والاحتراب ويزعم أنه لا يريد إلا الإصلاح ما استطاع، ويظن أن الله يحب أن يسفك الدم الليبي، وأن تمسكه بموقفه وتصوراته أحب إلى الله مما سواها، ويتجاهل مقاصد الشرعية ومراتبها وأن حفظ الدم مقدم على ما سواها في الحروب والنزاعات الداخلية، ويتشابه عليه أمر النزاع الداخلي بين أبناء المجتمع والنزاع الخارجي ضد العدو الخارجي، فيستنسخ أحكام الثانية ليسقطها على الأولى وهى منها براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهما السلام.
الخلاصة:
ليست المسألة اليوم في حل مشكل الشرعية بل المسألة اليوم في حل النزاع السياسي بين الليبيين، وكل من لا يهمه حل النزاع ويقدم هواه المتمثل في قناعته هو ويظن أنها حكم الله سيكلف الليبيين الثمن الباهض من دماء أبنائهم واستمرار النزاع وتوسع دائرة الفوضى في عاصمة البلاد وهي لعمر الله القاصمة التي ما لها من عاصمة.
وإن يكن من عاصم فهو الله عزوجل أن يجنب البلاد عبث العسكر وقلة فقه الفقهاء وعدم درايتهم بما يجرى في الواقع، وأن يمد أبناء البلد بالوعي الكافي لإحباط محاولات العسكر الفاشلة وتجنب فتاوى الفقهاء الخاطئة.
التدوينة الظاهرية الجدد ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.