صقر الجيباني/ محلل اقتصادي ليبي
لماذا لا يقوم مصرف ليبيا المركزي بطرابلس بما أن الإيرادات النفطية تؤول إليه بضخ العملة الأجنبية بالمصارف التجارية وشركات الصرافة.
وبذلك يحقق ثلاثة أهداف في آنٍ واحد. هدف إرجاع السيولة النقدية للمصارف التجارية، وهدف رفع سعر صرف الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية بالسوق السوداء، وهدف ضرب السوق السوداء وكبار تجار العملة.
هل هي مؤامرة لتجويع الليبيين كما يظن البعض ؟ أم لديه محاذير وتحفظات تمنعه من الإقدام على مثل هذه الخطوة ؟ وما هوالحل للخروج من هذا المأزق الاقتصادي ؟
في ظرف استثنائي تمر به البلاد وأزمة معقدة ومتشعبة تجتاح الاقتصاد الوطني فإنه للإقدام على مثل هذه الخطوة يجب علينا الانتباه ومراعاة نقطتين رئيسيّتين :
الأولى – إن احتياطيات النقد الاجنبي حالياً وبعدما انخفضت بشكل كبير بفعل إغلاق الموانئ والحقول النفطية لأكثر من سنتين، ليست بالقدر الكافي الذي يمكنها من الدفاع عن الدينار الليبي وحسم المعركة مع أباطرة الاقتصاد الأسود، خصوصا إذا علمنا أن هناك 24 مليار دينار موجودة خارج القطاع المصرفي، أضف إليها 4 مليار دينار من العملة التي طبعها المصرف المركزي البيضاء في روسيا، وزد عليها مليار دينار طبعها المصرف المركزي طرابلس في بريطانيا.
أي أن كمية النقد المحلي التي تسربت خارج القطاع المصرفي والمتداولة بالسوق والمكتنزة والمهربة تقدر بـ(29) مليار دينار. وهي كما يعلم الجميع ليست موزعة بالتساوي بين الجمهور، فهناك من يملك مئات الملايين من الدنانير إن لم يكن المليارات نظرا لاستشراء الفساد، وهناك من لا يملك قوت يومه ويعجز حتى عن شراء علبة الحليب ورغيف الخبز لأطفاله.
وعليه فإن كمية العملة الأجنبية التي سيضخها المصرف المركزي ستتسرب إلى السوق السوداء بعد أن يشتري أغلبها الرؤوس الكبيرة التي جنت أرباح طائلة من اقتصاد الظل وستشتعل المضاربة من جديد.
الثانية – أن الاقتصاد الليبي محاط بست اقتصاديات تعاني هي الأخرى من “أزمة دولارية ” حادة لا تقل صعوبة عن أزمتنا وبالتالي فإن عمليات تهريب العملة الأجنبية خارج الحدود الليبية أمر وارد وبقوة.
فالاقتصاد المصري يعاني من أزمة تهاوي سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية بعد انخفاض احتياطي العملة الأجنبية بشكل كبير، والعجز في تلبية فاتورة الواردات، جدير بالذكر أن المركزي المصري في أوقات سابقة قام بضخ كميات ضخمة من الدولار في السوق ولأكثر من مرة دون جدوى وخسر في النهاية معركته مع السوق السوداء وكبار المضاربين. فلجأ أخيرا إلى تعويم الجنيه والاقتراض من صندوق النقد الدولي بعدما امتثل لشروطه، وإلى حد اليوم لازالت الأزمة قائمة.
الاقتصاد التونسي يعيش أوضاعاً صعبة منذ العام 2011 وهومكـبّل بقروض وشروط صندوق النقد وسداد أقساطه، ومن المحتمل أن يتعرض لعقوبات من صندوق النقد بعد الإعلان عن نيته عدم الامتثال لبعض شروطه تحت ضغط نقابات “الشغل” كما اعتمد ميزانيته هذا العام بعجز وصل إلى 2.5 مليار دولار.
أما الاقتصاد الجزائري فقد اعتمد ميزانيته للعام المقبل بعجز يقارب الستة مليار دولار قام بتمويلها بالاقتراض المحلي، وهواليوم بصدد التفاوض مع بنك إفريقيا للتنمية للحصول على قرض بقيمة 900 مليون يورو.
الاقتصاد السوداني هو الآخر وضعه سئ جداً بعد انفصال الجنوب عنه، والذي يمتلك ثلاث أرباع الإنتاج النفطي، وانهار سعر صرف الجنيه السوداني إلى 16 جنيه للدولار الواحد.
لا ننس كلاً من الاقتصاد التشادي واقتصاد النيجر اللذان يحدان بجنوبنا، ولا ننس الفراغ والانفلات الأمني وعصابات التهريب التي تنشط على جانبي الحدود في تجارة البشر والسلع. فما بالنا بتجارة العملة المهربة.
فهل يستطيع المصرف المركزي عند قيامه بضخ مليارات من العملة الأجنبية أن يضبط حدود ليبيا الشاسعة مع ستة بلدان في مثل هذه الظروف التي تمر بها ليبيا والأزمة الدولارية التي تجتاح البلدان المجاورة؟ وإلا ” نـطـلـق الــدولار ونـجـري تــحتــه ”
ليس أمامنا في هذه المرحلة الصعبة إلا توجيه الأنظار وتشديد العناية وتكثيف الحماية للقطاع النفطي المصدر الوحيد للعملة الأجنبية، وبذل كل الجهود الممكنة لتعافيه والإسراع (بأي أسلوب كان ) بفتح الحقول النفطية التي تغلقها المليشيات المسلحة.
إذا تمكنا من الوصول إلى مستوى إنتاج وتصدير للنفط بمقدار مليون ونصف المليون برميل يوميا وهوعمل ليس بالمستحيل، فإنه حتى في ظل الأسعار الحالية المتدنية جدا لبرميل النفط يمكن تغطية العجز المزدوج في الميزانية العامة وميزان المدفوعات، مع ضرورة ترشيد النفقات العامة.
ويمكن حينها امتلاك مصرف ليبيا المركزي (القوة) و( النفس الطويل) للدفاع عن العملة المحلية في محاربة السوق السوداء، بل وتوجيه ضربة قاضية له، في حال ارتفعت الأسعار العالمية للنفط مع مستوى تصدير 1.5 مليون برميل يومي.
تحييد النفط عن الصراع، وتوحيد السلطة النقدية للبلاد بأسرع ما يمكن، هو أضمن وأسلم حل لما نحن فيه بدلاً من المجازفة بحلول أخرى غير مضمونة النتائج، وبدلاً من الارتكان إلى نظرية المؤامرة وتأليب الرأي العام على المصرف المركزي خط الدفاع الأخير فيما تبقى من أطلال الدولة الليبية.
حيّدوا النفط والمصرف المركزي عن خلافاتكم السياسية ونزاعاتكم المسلحة، قبل أن تأتي ساعة الصفر ويحدث الانهيار الشامل للإقتصاد القومي لا قدر الله.
التدوينة المأزق الاقتصادي الليبي، وسبل الخروج منه ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.