طرابلس اليوم

الأحد، 23 أبريل 2017

 الحركات الإسلامية وخطأ تعريف المجتمع

,

أحمد الدايخ/ كاتب ليبي

كان لدى معظم الحركات الإسلامية العاملة في الساحة العربية  تصورٌ تجاه المجتمع والناس والدين والتغيير ، وبعد الانفتاح على الدولة بعد الربيع العربي أصبحت هذه المفاهيم تتغير حتى أضحت تبعد عما كانت عليه .
فــي نظري أن أساس العمل عند هذه الجماعات والحركات  ولبّه  قائم على أساليب الوعظ والتذكير والتنبيه لتغيير النفس ومن ثم الأسرة صعوداً للمجتمع ، وهذا خط استراتيجي تتبناه أغلب الحركات الإصلاحية المتدينة مع اختلاف الطرق والوسائل  بينها .
والأسلوب قائم على فكرة تغيير المجتمع بمحاولة الحصول على تغيير كـمّـي متصاعد ؛ فتصبح القلة الملتزمة عندنا مع الزمن كثرة بفضل وسائل الوعظ والتربية والتذكير والإقناع ، فيتكون من ذلك تيار عريض واسع يشكل قوة ضاغطة في المجتمع ، تزيل مظاهر الانحراف .
ودائماً ما نعبر عن الخلل الكامن في مجتمعنا بأنه مظاهر جهل ديني للأفراد وانحراف سلوكي شخصي ، لذا فأسلوب الدعوة والإقناع كفيل بإعادته _ المجتمع _ إلى الإسلام الصحيح فهماً وسلوكاً .
وأعتقد  أن هذه الحركات الإصلاحية  تُغفل بعض الحقائق  مما يؤدي لزوماً إلى نتائج غير مرجوة ولم تكن تتوقعها هذه الجماعات  ، ومن أهم هذه الحقائق التي يتم إغفالها وهو أن المجتمع ليس هو المجموع الكمي لأفراده ، إنما هو نظام اجتماعي أو تركيب اجتماعي معقد تتمثل فيه العلاقات المادية والمؤسسات الاقتصادية والسياسية والثقافية والقانونية ، وهذه المؤسسات مترابطة عضوياً تتبادل من خلال بعضها البعض التأثر والتأثير وتعكس واقع المجتمع وتعقيده ، وتأسر أفراده وتتحرك وتتخذ لنفسها مواقع في المجتمع  ، فيتشكل المجتمع على نحو من التعقيد والذي يصعب معه الإصلاح التقليدي الذي يبدأ بالفرد ويتسع  ليشكل في المجتمع تياراً شعبوياً فكرياً واسعاً .
فللنظام المجتمعي هذا كلمته وإفرازاته وإكراهاته والتي لا تأتي في أغلبها على النحو الذي يرضي الإسلاميين  ، وشئنا أم أبينا فقد تبدأ هذه المؤسسات و المماحكات بينها بإفراز عناصر في المجتمع  ,  وهؤلاء _العناصر_ لا تخضع خياراتهم الأيدلوجية للقناعات العقلية التي يمكن التأثير فيها من خلال الوعظ والإقناع وإنما تخضع لمصالحهم المادية في المرتبة الأولى ، وإذا رضي هؤلاء إذا رضوا ببعض مظاهر الإسلام في الأطر الرسمية بدرجات متفاوتة فهذا يعود لذر الرماد في العيون ومحاولة الظهور بمظهر الإسلام الشكلي دون السلوكي الاجتماعي .

فقد تعمل  الحركة الإسلامية على تهيئة الفرد سنين متطاولة وتدرجه  في نظام تربوي وتغذيه روحياً ومعرفياً  ، فما تلبث إلا أن تأخذه المؤسسات الرأسمالية المتغلغلة في المجتمع ، فإما أن تحوله لفرد غير صالح أو تقعده عن العمل للإسلام .
أنا لست ضد الوعظ والنظام التربوي ولكن يجب ألا نبالغ في دوره ونتائجه في عملية تغيير المجتمع ، إذ أننا بذلك لا نعطي الأمور حجمها ولن تظهر لنا الأحجام على حقيقتها في ميدان المعركة ، فقد شهدت الحركات الإسلامية  المعاصرة مواجهة كبيرة قد تختلف بعض الشيء عما كانت عليه الحركات الإسلامية في السابق فهي تواجه بتحدي كبير وهو  تحدي إعادة تعريف المجتمع الجديد وفهمه .
فقد أصبح من الضروري والملح جداً التوجه لصياغة نظرية أو آلية عمل جديدة تتماشى مع تعريف جديد للمجتمع بأنه شبكات ومؤسسات وعلاقات تتجاوز التأثر والتأثير الفردي .

ولتطرح الحركات الإصلاحية الإسلامية على نفسها  بعض الأسئلة :
أيهما كان أقوى التراكم الكمي للأفراد أم التشابك المؤسسي وتعقيده ؟
لو سلمنا جدلاً بكمال التربية لديها  ونبوغ وقابلية المُتلقي ، هل تعتبر طريقة ناجحة لتغيير المجتمع حتى على المدى البعيد؟ أم أنها معذرة إلى ربكم وإبراء للذمة أقرب منها للعمل التراكمي الناجح ؟
هل الهزائم المتلاحقة على صعيد المجتمع وعلى صعيد هذه الحركات نفسها  تعتبر دليل على أن التغيير المنشود لا يسير في طريق التقدم الصحيح ؟

 

التدوينة  الحركات الإسلامية وخطأ تعريف المجتمع ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “ الحركات الإسلامية وخطأ تعريف المجتمع”

إرسال تعليق