عبد المنعم محي/ كاتب من جنوب ليبيا
لم يتغير شيء في سبها جنوب ليبيا، فبعد مرور أكثر من شهر على سيطرة قوات الجيش في قاعدة تمنهنت، وقبلها قاعدة براك الجوية، وعدة مواقع داخل مدينة سبها، لا تزال الأخيرة تعيش نفس الواقع الذي لم تتغير تفاصيله حتى بعد تغير القوى المسيطرة علي المدينة.
كل يوم تُفيق سبها على مصائب تعودتها منذ زمن، قتل وسطو وحرابة واعتداء على كرامة الإنسان، ذلك المشهد لم يغب عن ذهني منذ بدء الاضطرابات التي عاشتها المدينة في سنة 2014 وحتى الآن، غير إننا حينها كنا نحمّل القوة الثالثة والكتائب المحلية مسؤولية هذا المشهد، وكان الجميع ينادي بضرورة خروج القوة الثالثة التي لم تتمكن فعلا من ضبظ الأمن في المدينة، التي سجلت أعلى معدلات الجريمة في عام 2015، ومع اجتماع أزمة فقدان الأمن وانتشار السطو المسلح وانخفاض الخدمات وتدني التعليم وانقطاع الكهرباء وتذبذب المياه ونقص السيولة وغلاء الأسعار، صار لزاما لدينا جميعا أن نجد شمّاعة نعلق عليها كل تلك المآسي، وكانت الشماعة جاهزة فصارت هدفا مشروعا للجميع، نقدا وتحريضا وحربا.
ما علينا ،، فقد كان لهذه القوة دور في ما وصلت إليه من اجتماع العديدين على كرهها والعمل على إخراجها؛ ومنحتهم هي فرصة ذلك بحماقات ارتكبها عدد من قياداتها، بالمقابل كان الجميع هنا يمني النفس بساعة دخول قوات الجيش وسيطرتها على سبها، فهذا الدخول سينعكس أمنا وأمانا على المدينة، وانبرى الكثير لإقناع أهل سبها بضرورة دخول الجيش، ويضربون الأمثال في سبيل ذلك بمدن الشرق التي تعيش وئاما اجتماعيا، بعد أن انعدمت فيها أعمال الحرابة والسطو، كما انتهت فيها سطوة الكتائب المسلحة، ويستعرضون حياة أهالي تلك المدن وكيف صاروا يعيشون فيها بسلام، كان أكثر حلم يدغدغ مشاعر الناس في سبها هو خروجهم في الليل بشوارع مدينتهم دون خوف، ذلك الحلم الذي كان واقعا افتقدوه منذ سنين، وفي سبيله كانوا مستعدين ولا زالوا لفعل أي شئ.
عندما تلقي نظرة بسيطة على بلاغات مراكز الشرطة بسبها سينجلي أمامك المشهد الذي لم يتغير، فحالات السطو المسلح متواصلة حتى وصلت في أحد أيام الشهر الفضيل إلى اثني عشر حالة سطو في وضح النهار، عمليات الاختطاف والإخفاء القسري مستمرة وبنفس الوتيرة، يكون حظ المخطوف حسنا إذا طُلِبَ من ذويه مبلغ معقول، وغير ذلك يكون عرضة للقتل ورمي جثته بمكب القمامة خارج المدينة، الضحايا من جميع الأعمار والأجناس فهولاء لا يفرقون بين ضحاياهم.
ويستمر مسلسل الاعتداء على مؤسسات الدولة كالتعليم والمصارف والمجمعات الإدارية، ويتناغم هذا الوضع مع الاعتداءات التي لا تزال تطال منشآت الشركة العامة للكهرباء، واعتراض طريق إمدادات الوقود والغاز، والحرابة التي تواجه شاحنات البضائع شمال وجنوب المدينة، وازدهار الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.
مشهد صعب لم ينته بخروج القوة الثالثة ودخول الجيش، هذا المشهد جعلني أعتقد بل وأُجْزم أن مشكلة سبها لا تكمن في القوة الثالثة ولا في الجيش، المشكلة تكمن في أهل المدينة أنفسهم، ولكن ما الحل؟ وكيف؟..، لا أريد أن أكرر ذلك الكلام النمطي الذي تعودناه من قبيل( لازم أهل المدينة يتوحدوا…. لازم يكونوا يد على المجرم….لازم يرفعوا الغطاء الاجتماعي عن المجرمين…. لازم يعلّوا صوتهم بمطالبهم المشروعة ..) إلى غير ذلك من العبارات التي صارت نمطية ومملة إلى حد كبير.
ما أعلمه أن سكان سبها لم يتغير عليهم شئ، ولا زالت تفاصيل يومهم كما هي قاتمة سوداء يشوبها الخوف والتوجس والترقب، تتحول شوارعها إلى مدينة أشباح، وتسيطر عليها تلك الحالة من الرعب والرهبة التي نجحت في نشرها السيارات معتمة الزجاج.
إلى متى يستمر هذا المشهد؟؟
التدوينة في سبها لم يتغير شيء ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.