طرابلس اليوم

السبت، 2 ديسمبر 2017

أزمة السيولة (منظور إسلامي)

,

صقر الجيباني/ خبير اقتصادي ليبي

بحسب النظرية الإقتصادية فإن الدخل المتاح للشخص يتوزع بين قناتين اثنين وهما (الإستهلاك) و(الإدخار) في حالة وجود فائض في الدخل ومن ثم الإستثمار وهناك قناة ثالثة غيرمرغوبة اقتصادياً ومرفوضة شرعاً قد يتسرب اليها الدخل وهي (الإكتناز) أي حجب النقود عن الإنسياب في النشاط الاقتصادي الرسمي وما ينتج عن هذه العملية من ضرر وضرار .

وبحسب بيانات مصرف ليبيا المركزي هناك ما يقارب عن 30 مليار دينار عملة نقدية لدى الجمهور تسربت خارج الجهاز المصرفي وذهب معظمها الى (الإكتناز) بالبيوت والتعامل النقدي (الكاش) خارج الإقتصاد الرسمي .

وبالتالي الإقتصاد الوطني يواجه مشكلة إكتناز الأموال بالبيوت لدى فئة محدودة وحجبها عن النشاط الإقتصادي الرسمي وما نتج عن هذه العملية من شح السيولة النقدية بالمصارف التجارية وبالتالي تأخر ونقص المرتبات وتضرر أصحاب الدخول الثابتة والمحدودة وبداية ذوبان الطبقة الوسطى من الدخل .

الثلاثون مليار دينار خارج الجهاز المصرفي عليها مستحقات سنوية واجبة الدفع شرعاً تتمثل في زكاة المال اذا بلغت النصاب وحال عليها الحول وكما يعلم الجميع ان أزمة السيولة بدأت بوادرها بالظهور منذ أواخر العام 2014 ونحن اليوم في أواخر العام 2017 أي أن الأزمة وتسرب الأموال من الإدخار بالمصارف الى الإكتناز بالبيوت قد مر عليها ثلاثة أعوام .

وإذا افترضنا أن كل هذا المبلغ في الإكتناز وقمنا بحساب أموال الزكاة المستحقة عليه فستبلغ (750 ) مليون دينار في السنة يجب أن تكون ضمن إيرادات صناديق الزكاة الليبية البالغ عددها أكثر من اربعين صندوق ولجنة زكاة منتشرة على كامل التراب الليبي وكل صندوق لديه حساب مصرفي خاص به .

أما إذا قمنا بحساب مبلغ الزكاة المستحق نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي كما تشير العديد من الدراسات فستكون إيرادات الزكاة (280) مليون دينار سنوي .

وبالنظر إلى إجمالي ايرادات الزكاة لسنة 2016 حسب ما وردت في تقرير صندوق الزكاة الليبي سنجدها بلغت (34.5) مليون دينار وهذا مبلغ ضئيل مقارنة بالمبلغ المستحق للزكاة نسبة إلى المبالغ المكتنزة وأيضاً نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي مما يطرح عديد من التساؤلات !

هل هناك مشكلة عدم ثقة من قبل دافعي الزكاة في صندوق الزكاة ؟ أم هناك مشكلة عدم وجود وعي زكوي بين الجمهور بوجوب دفع الزكاة الى ولي الأمر ممثلاً في هذه الحالة بالجهة الرسمية الموكل اليها جباية الزكاة وهي صناديق الزكاة وتفضيل اعطائها بصورة فردية ؟

أم ان الجمعيات الخيرية الأهلية بمختلف مسمياتها زاحمت المؤسسة الزكوية الرسمية ممثلة بصندوق الزكاة وبالتالي قلّلت من حصيلتها الجبائية لأموال الزكاة وأربكت عملها في عدم وجود تنسيق بين الإثنين ؟!

أم ان هناك تهرب زكوي لدى بعض شرائح التجار ورجال الأعمال ؟

اقتصادياً فإن المنفعة الحدية للنقود للأصناف المستحقة للزكاة مرتفعة وهي أشد الفئات تضرراً من أزمة السيولة وكل دينار تتحصل عليه هذه الفئات سيذهب للإستهلاك ويُصرف فوراً ولن يكون في الإكتناز أوالمضاربة على العملة والإستهلاك هوأكبر مكونات الطلب الفعال وبالتالي فإن أموال الزكاة لوتم تحصيلها كما يجب ووصلت الى المبلغ المستهدف أعلاه وأُنفقت على هذه الفئات فإن هذا سيحرك عجلة الإقتصاد القومي التي تعاني من ركود شديد .

علاوة على ذلك فإن استثمار هذه الأموال في تمويل المشروعات الصغرى والمتناهية الصغر للمحتاجين وذوي الدخول المنخفضة تحت اشراف صندوق الزكاة ستُخرج مؤسسة الزكاة من دورها التقليدي من منح المحتاج مبلغ من المال وذلك بتخفيف آثار أزمة السيولة عليه وانقاذه من مصيدة الفقر المدقع بتعليمه مهنة أوحرفة تجعل منه عنصرانتاجي في الإقتصاد بدلاً من أن يكون عالةً عليه .

كل ما سبق الحديث عنه كان عن زكاة المال الباطن وإذا ضممنا اليها زكاة المال الظاهر بأنواعها المختلفة كزكاة الزروع والثمار والحبوب وزكاة الانعام من ابل وأبقار وأغنام ومزارع الدواجن اضافة الى النوع الآخر من الزكاة وهي زكاة الفطر حيث تزيد حصيلة الزكاة فضلاً عن اموال الصدقات والتبرعات سنجد أن ايرادات الزكاة ستصل إلى مبالغ كبيرة في السنة يجب ان تدخل الى الحسابات المصرفية التابعة لصناديق الزكاة وتساهم بشكل أوبآخر في التخفيف من آثار ازمة السيولة وتفاقمها على الاصناف المحددة شرعا بالنص القرآني ويدخل من ضمنهم النازحين وهي اصناف زادت اعدادها ومعاناتها في الآونة الأخيرة بعد تفاقم ازمة السيولة في ظل عجز واضح من وزارة المالية عن انقاذهم من أوضاعهم الاقتصادية الصعبة .كما ان جزءا من هذا المبلغ يمكن استقطاعه واستخدامه في حملات الإغاثة والإعانة للمدن والمناطق المنكوبة اوالمتضررة مما يخلق جومن التكاتف والتلاحم الوطني الشعبي في ظل غياب الدولة وفي ظرف عصيب وحرج تمر به الامة الليبية بدلاً من تلقي مساعدات ومعونات من جهات اقليمية اودولية غالباً ما تكون مُسيّسة.

التدوينة أزمة السيولة (منظور إسلامي) ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “أزمة السيولة (منظور إسلامي)”

إرسال تعليق