طرابلس اليوم

السبت، 2 ديسمبر 2017

الهجرة غير القانونية…بين الإنسانية والاستغلال

,

محمد تنتوش/ كاتب ليبي

تتعرض ليبيا في الفترة الأخيرة لانتقادات شديدة بخصوص أوضاع المهاجرين غير القانونيين (غير الشرعيين) بها، إذ أظهر مقطع فيديو قصير بثته قناة CNN الأمريكية ما ادّعت أنه مزاد علني لبيع المهاجرين في أحد المناطق، وبعيدا عن حقيقة الفيديو من عدمها إلا أن الفيديو قد حرّك فعليا الرأي العام الغربي سواء كان رسميا أو شعبيا إذ خرجت مظاهرات أمام السفارات الليبية في الخارج وخصوصا في فرنسا، كما قامت العديد من الشخصيات المشهورة بالحديث حول الموضوع والتنديد بمحتوى الفيديو، ولم يتأخر مسؤولو الدول الغربية والأفريقية وسياسيوها كذلك عن نشر البيانات المنددة بالواقعة وسارع مندوب إيطاليا في مجلس الأمن لطلب جلسة طارئة للتباحث حول قضية بيع البشر والاتجار بهم واستجاب المجلس بدوره فعقد بداية الأسبوع الماضي جلسة بالخصوص.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ هاجمت قنوات إعلامية غربية وأفريقية وحتى عربية شقيقة الدولة الليبية وشعبها، ولاحظ الكثير من المسافرين الليبيين تغييرا في المعاملة من قبل السلطات الأمنية في المطارات وكذلك من قبل بعض المواطنين من دول أخرى حتى وصل الأمر أن نشر أحد مواطني دولة غانا فيديو يظهر فيه شخصا ليبي يتجول في أحد الأحياء قبل أن يقوم بالاعتداء عليه ضربا .

بالمقابل استكر معظم الليبيين هذه الهجمة الشرسة التي تعرض لها الليبيون فحاولوا الرد على الهجمة بطريقة غير مناسبة تنكر حدوث انتهاكات ضد المهاجرين غير القانونيين وإجمالا لم تكن بعض هذه الردود الا لتزيد من قوة الادعاءات ضد الشعب الليبي والدولة الليبية بالعنصرية والمعاملة السيّئة ضد المهاجرين الأفارقة.

لكن يبقى ما قام به الكثير من المثقفين والنشطاء والمتابعين لوضع المهاجرين من ردود علمية و منهجية مناسبة لم تنكر حدوث انتهاكات ضد المهاجرين غير القانونيين لكنها وضعت القضية في إطارها الحقيقي التي تتمثل فيها مسؤولية ما يحدث لهؤلاء المهاجرين من وضع سيء أساسا على دولهم التي هاجروا منها (دول المصدر) وكذلك عصابات التهريب الدولية التي يتمركز بعضها في الدول المستقبلة للهجرة (دول جنوب أوروبا: ايطاليا واليونان و فرنسا واسبانيا على وجه الخصوص).

ويبقى أهم سؤال مطروح بخصوص هذه القضية والحملة المشتعلة الآن هو لماذا الآن وفي هذا الوقت؟ ولماذا تلجأ بعض وسائل الاعلام الغربية ومواقع التواصل الاجتماعي الى التدليس بنشر صور غير مرتبطة بليبيا لتثبت حدوث انتهاكات ضد المهاجرين غير القانونيين رغم أن الأمر لا يستحق ذلك؟ ولماذا تطلب إيطاليا الآن جلسة من مجلس الأمن رغم ان الحديث عن انتهاكات تعرض لها المهاجرون في ليبيا قديم جدا؟ والسؤال الأهم أين الدولة الليبية من الرد على ما يحدث؟

ولعلي أجيب هنا حسب وجهة نظري عن بعض هذه الأسئلة، في البداية لا يمكن الحديث عن “لماذا اختير هذا الوقت للحديث عن هذه القضية ” إذ أن القضية انسانية بامتياز ولا تسقط أحقية الحديث عنها بالتقادم، لكن الإشكالية الأساسية تتمثل في أن الطريقة التي تم تناول القضية بها تظهر هذه الحملة في شكل نوع آخر من الإتجار بالبشر وهو تحديدا “الاتجار بالقضية” ، فالتقارير التي نشرتها بعض الصحف و المراكز البحثية تؤكد حدوث انتهاكات تعرض لها المهاجرون غير القانونيون بشكل متناسب ومتصاعد منذ ما بعد أحداث الثورة سنة 2011 وأخذ في التزايد أكثر بعد سنة 2014 لكن المجتمع الدولي لم يتعامل مع قضية الهجرة بشكل جدي إذ كان الأهم بالنسبة للدول الأوربية بالتحديد تقليص عدد المهاجرين القادمين اليها خاصة مع موجة الهجرة الكبيرة للمواطنين السوريين عبر تركيا اذ رفضت الكثير من الدول استقبالهم واضطر الاتحاد الاوروبي الى عقد صفقة مع الدولة التركية بالنهاية.

الغريب في الأمر أن تكون ايطاليا هي من طلبت جلسة بخصوص الموضوع من مجلس الأمن، إذ تشير أصابع الاتهام حسب ما نشرته صحف اجنبية اشهرها الانديندنت إلى وجود اتفاقات سرية ما بين ايطاليا و بعض المليشيات داخل ليبيا تقوم على اساسها ايطاليا بالتبليغ عن قوارب الهجرة غير القانونية الموجودة في المياه الدولية لتقوم هذه المليشيات بارجاعها للشواطئ الليبية واحتجازهم في أماكن الاحتجاز التي تحدث بها الانتهاكات التي يتحدث عنها المجتمع الدولي الآن.

ما يحدث في ليبيا ليس متعلقا بالعنصرية أو اللون فعصابات التهريب التشادية والنيجيرية متورطة في قضايا التهريب كما هو الحال مع العصابات الليبية والايطالية، يمكن القول أننا نتحدث عن شبكة تهريب عالمية أثبتت بعض التحقيقات أنها أحيانا تمتد حتى دول آسيوية وليس أفريقية فقط، لكن الحديث عن القضية وكأنها مشكلة ليبيا الوحيدة رغم ان ليبيا لا تمثل فيها سوى دولة معبر يصيبها من الضرر قدر ما أصابت به مليشياتها المهاجرين غير القانونين من ضرر أيضا، فالمتسللون للتنظيمات الارهابية وعصابات المخدرات والدعارة التي كانت موجودة حتى وقت قريب وسط العاصمة تشكلت اساسا من مهاجرين غير قانونين.

لكن التسويق للأمر بالشكل الذي يحدث الأن لا يتجاوز في نظري كونه عمل شركات علاقات عامة لتهيء ما خشي منه الكثيرون منذ سنة 2011وهو توطين الهجرة في ليبيا وتغيير النسيج الاجتماعي والديمغرافي للبلاد.

 

التدوينة الهجرة غير القانونية…بين الإنسانية والاستغلال ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الهجرة غير القانونية…بين الإنسانية والاستغلال”

إرسال تعليق