عبد القادر الاجطل/ كاتب وصحفي ليبي
إغلاق حقل الشرارة في الرابع من مارس الجاري، بعد إغلاق حقل الفيل في الثالث والعشرين من فبراير الماضي، أعاد إلى الأذهان حوادث الإغلاق السابقة التي كبدت الخزانة العامة خسائر بعشرات المليارات من الدولارات.
الإغلاق الأكثر إضرارا بالاقتصاد وبالمنشاءات النفطية في حقل الشرارة، كان ذلك الذي تواصل من نوفمبر 2014 وحتى ديسمبر 2016 فعلى الرغم من أنه لم يكن الإغلاق الأخير إلا أنه كان الأطول مدة والأسوأ أثرا.
أما حقل الفيل فقد أُغلق منذ إبريل 2015 وحتى ديسمبر 2016 في ذات الحقبة التي شهدت أسوأ ما مر على الليبيين في العقود الأربعة الأخيرة، وأضرت بالاقتصاد الليبي بصورة لم يسبق لها مثيل منذ اكتشاف النفط مطلع عقد الستينيات.
يقع حقل الشرارة، على بعد حوالي 800 كلم جنوب غرب مدينة طرابلس، وتبلغ قدرته الإنتاجية أكثر من 330 ألف برميل يوميا، وقد كان ينتج قبل إغلاقه الأخير 308 ألف برميل يوميا، فيزود مصفاة الزاوية بنحو 120 ألف برميل يوميا، وتصدر الكمية الباقية، بينما يقع حقل الفيل على بعد 200 كلم إلى الجنوب الغربي من مدينة سبها وتبلغ قدرته الإنتاجية حوالي 90 ألف برميل يوميا، وكان ينتج قبل إغلاقه في فبراير الماضي أكثر من 70 ألف برميل يوميا، وهكذا فإن إغلاق الحقلين سيفقد الخزانة العام مايزيد عن 20 مليون دولار يوميا، ويتجاوز ما ستخسره البلاد إذا استمر الإغلاق – لا قدر الله- السبعة مليارات وثلاثمئة مليون دولار سنوياً.
هذه الكارثة الاقتصادية تسببت فيها عقلية الغنيمة التي تسيطر على البعض دون نظر للعواقب، وتحفزها حالة الانفلات الأمني التي تعم أجزاء من البلاد جراء انتشار السلاح، ونتيجة لتقاعس السلطات عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الأعمال وأمثالها، هذا الحزم المطلوب في مثل هذه الأوقات يعتبر مقدمة ضرورية للاستقرار وعودة الهدوء إلى مجمل التراب الليبي تحت سيطرة الدولة الموحدة.
وبالنظر إلى أن إعلان الحالة القاهرة على حقل الفيل قد اضطرت إليه المؤسسة الوطنية للنفط، عقب تفاقم الوضع الأمني نتيجة تهديد حرس المنشاءات النفطية فرع فزان للعاملين فيه وإطلاق الرصاص فوق رؤوسهم، ما حمل المؤسسة على إخلاء الحقل منهم وإيقاف الإنتاج، وهذا الأسلوب مألوف من بعض فروع هذا الجهاز للمطالبة بتحقيق شروط لهم لا تنتهي.
فإنه من الضروري أن يصار إلى تشكيل قوة شرطية خاصة، تتلقى تدريبا وتأهيلاً خاصا وتُسلح تسليحا يتناسب مع مهمة تأمين الحقول والموانئ النفطية التي ستناط بهم. والشرطة كما هو معلوم مؤسسة مدنية تتميز بالضبط والربط، وتشكيل هذه القوة سيحقق لنا غايتين؛ أولاهما حماية المنشاءات النفطية وتأمين العاملين فيها، والثانية تتمثل في ضمان عدم انقلاب هؤلاء الحراس إلى خصوم يغلقون ما استأمنوا عليه ويضيعون ما طولبوا بحفظه، نظرا للضبط والربط الذي تدربوا عليه.
أما حماية الحقول والمنشاءات من اعتداء المسلحين بالسلاح الثقيل، فهي مهمة لا يطيقها جهاز الشرطة الذي نتحدث عنه في هذا المقام، ومن أجل مثل هذا الغرض، أرى أنه من الممكن إقامة معسكرات إلى جوار المدن القريبة من الحقول والموانئ، تكون من مهمتها التدخل السريع للدفاع عن الحقول والموانئ ضد أي استهداف أو هجوم إرهابي،
وتتسلح هذه القوة العسكرية الخاصة بالمروحيات والسيارات الصحراوية والأسلحة المتوسطة اللازمة لتنفيذ مثل هذه المهام العاجلة في تلك الأماكن الحساسة.
ما أسلفت ذكره قد يحتاج إلى مزيد نقاش وإنضاج، غير أنه لا غنى لنا عن قوة مضمونة الولاء للدولة والانتماء لهذا الشعب، تحفظ ثروة البلاد الأولى ومصدر دخلها الرئيس من عبث العابثين وطمع الطامعين وعدوان المخربين.
أما الأدهى والأمر فهو ما أوردته وسائل الإعلام عن سبب إغلاق حقل الشرارة، الذي يعد الأكثر إنتاجا في الوقت الراهن، حيث قالت وكالة رويترز إن سبب توقف الإنتاج في حقل الشرارة إغلاق مواطن ليبي لصمام خط الأنابيب التي تمر عبر أرض يدعي امتلاكها، متذرعا بتضرر أرضه التي لا تزيد مساحتها عن ستة هكتارات من هذا الخط، إلى ذلك أضافت وسائل إعلام أخرى، أن الرجل المذكور ومن معه يطالبون بمبالغ تقدر بالملايين من أجل جبر الضرر المزعوم الذي وقع على أرض ذلك المواطن، وعلى الرغم من استئناف العمل في حقل الشرارة الذي بلغني أثناء كتابتي لهذا المقال إلا أن استمرار الظروف الموضوعية على ما هي عليه سيمكن كل مغامر من تجريب حظه في هذا المجال.
هذا لعمر الله ما يشيب له الولدان، ويوقع الحليم في الحيرة، فكيف تعالج مثل هذه المعضلة، وهل ستنصب الدولة حارسا على كل متر من خطوط الأنابيب الممتدة من أقصى جنوب البلاد إلى أقصى شمالها، يحرسها ويمنع الغادين والرائحين من إغلاق الصمامات، وماذا لو أن المؤسسة استجابت لهذا المواطن، فمن سيقنع ألاف المواطنين الآخرين بأنهم لا يمتلكون نفس الحق في إغلاق الصمامات وإيقاف الإنتاج لتحقيق مطالب مشابهة لمطالب هذا المواطن ومن وقف معه.
أظن أنه لا غنى لنا في الحالات المشابهة عن تفعيل القانون، لوقف المدعين عند حدهم، وإلزام الناس جميعا حدودهم، وحماية الحق العام، دون التعدي طبعا على الحقوق الخاصة للمواطنين.
ذلك أدنى أن يعرف كل إنسان حده فيلزمه، وواجبه فلا يقصر في أدائه، وحقه بعد ذلك فيطالب به بالوسائل القانونية، عندها سنقف جميعا مع صاحب الحق حتى ينال حقه.
التدوينة حيرة العقول من إغلاق الحقول ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.