من جديد تعود سبها عاصمة الجنوب الليبي إلى الواجهة، فلا تكاد تهدأ من النزاعات المسلحة بين قبائلها حتى تندلع من جديد، لكن هذه المرة بين مسلحين من قبيلتي التبو وأولاد سليمان، رغم إبرام اتفاقيات عدة للتعايش السلمي بينهما.
وتشهد المدينة منذ أسبوعين اشتباكات مسلحة وصفت بالعنيفة، أودت بحياة عدد من المدنيين وإصابة آخرين، وإثر ذلك أعلنت حكومة الوفاق حالة الطوارئ القصوى في جميع مستشفيات سبها.
ويأتي هذا الصراع بين القبيلتين رغم توقيعهما يوم 29 مارس/آذار 2017 اتفاق مصالحة وتعايش سلمي في روما هو الأبرز.
وتضم سبها عددًا من القبائل أبرزها أولاد سليمان والقذاذفة والمقارحة والحساونة وأولاد الحضيري والأشراف، والطوارق والمحاميد والتبو وأمازيغ الصحراء الذين يقطنون في جنوبي ليبيا وشمالي تشاد والنيجر.
وأعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق اتخاذ إجراءات لدعم وحدات الجيش المتمركزة داخل مقراتها في سبها، للرد على الهجمات التي تقوم بها مجموعات وصفها بـ “المرتزقة” تحاول إيجاد واقع ديموغرافي جديد في الجنوب، داعيا أهالي المنطقة إلى اليقظة ودعم وحدات الجيش.
غياب الدولة
وأوضح النائب بمجلس النواب عن مدينة سبها مصباح دومة -في حديثه للجزيرة نت- أن ما يحدث في الجنوب نتاج لغياب مؤسسات الدولة، ولطالما عانى الجنوب من تبعاته، مؤكدا أن ما يجري بعيد عن أي صراع سياسي.
ويتفق عميد بلدية سبها حامد الخيالي مع دومة، إذ قال للجزيرة نت إن ما يحدث في الجنوب نتيجة غياب مؤسسات الدولة التي تقف موقف المتفرج من الأحداث، مطالبا إياها بتقديم الدعم اللازم للبلدية وأجهزة الأمن والوقوف أمام مسؤولياتها.
ويرى آخرون أن المعركة الدائرة حاليا ليست صراعًا قبلياً بل هي معركة بين قوات عملية الكرامة وقوات تابعة لحكومة الوفاق، وفق ما صرح به آمر اللواء احميد العطايبي لوسائل إعلامية ليبية، متهما خليفة حفتر بجلب مقاتلين مرتزقة للسيطرة على مقر اللواء الذي يمثل حكومة الوفاق.
ومن ضمن أحد أسباب تفاقم الأزمة في الجنوب انقسام وحداث الجيش بين كتائب تابعة لعملية الكرامة وأخرى لحكومة الوفاق، فقد تصاعدت الخلافات الأيام الماضية حول تبعية اللواء السادس مشاة الذي ينتمي أغلب أفراده لقبيلة أولاد سليمان، حيث أكد آمر اللواء احميد العطايبي تبعيته لحكومة الوفاق، مما استدعى حفتر تكليف خليفة عبد الحفيظ آمرا للّواء نفسه، بعد إعلان العطايبي عدم تبعيته له.
ويعاني جنوب ليبيا عموما -وسبها خصوصًا- أوضاعا معيشية صعبة مع انتشار الجريمة المنظمة، ونقصا حادا في إمدادات الوقود والغاز والسيولة المالية.
وسيط مقبول
ولضمان عدم خرق اتفاقيات المصالحة، يقول الباحث في قضايا الجنوب سالم أبو خزام إن اتفاقيات المصالحة بين الطرفين تصمد حال توفر الإرادة بينهما، وأن يترك لهما اختيار الوسيط المقبول والموثوق لإزالة المخاوف وزرع جدار الثقة بينهما، وأن تدعم الدولة ما يتم التوصل إليه من خلال ظهور مؤسساتها في ميدان العمل.
ويستكمل أبو خزام -في حديثه للجزيرة نت- أن القبائل المتناحرة لها امتدادات عرقية بدول الجوار، لذلك فوزارة الخارجية مطالبة بالاتصال بكل من تشاد والنيجر والسودان باعتبار تلك الدول منابع لتدفق هذه العناصر، ومطالبتها باحترام سيادة ليبيا وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
ويعد جنوب ليبيا من المناطق التي تنشط فيها عمليات التهريب، خاصة تهريب البشر، باعتبارها البوابة الرئيسة للوصول إلى أوروبا، وتجني عصابات التهريب أموالا طائلة من تهريب الأسلحة والمهاجرين والمحروقات.
بدوره، أكد عضو مجلس أعيان التبو محمد صندو أن الصراع القائم حاليا يدور بين مسلحين من قبيلتي التبو وأولاد سليمان، مشيرا -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن هذه الأحداث استغلت من حكومات الشرق والغرب، لتوظيفها كل لمصلحته ومحاولة السيطرة على أكبر عدد من المقرات والأراضي.
تأجيج
ويقر المتحدثون بالتقرير بوجود عناصر أجنبية مسلحة تقاتل بالمدينة، واتهموها بالعبث بأمنها وتأجيج الأوضاع وإشعال الفتنة بين القبائل، ومحاولة بسط سيطرتها على عدد من المقرات الحكومية، وهو ما أكده عميد بلدية سبها الذي قال إن هذه المليشيات قامت بالاستيلاء على مطار سبها وعدد من المقرات الحكومية.
لكن الباحث يقول إن مشاركة الأجانب في الاقتتال باتت واضحة المعالم ولا يستطيع أحد إنكارها، مشيرا إلى أن هؤلاء الأجانب يقاتلون إلى جانب قبيلة التبو، الأمر الذي سيزيد الأمور تعقيدا ويدفع المنطقة برمتها نحو انزلاق خطير، وفق تعبيره.
الجزيرة نت
التدوينة سبها الليبية.. صراع عسكري بواجهة قبلية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.