إسماعيل القريتلي/ كاتب وصحفي ليبي
أقترح لننجح في إدارك دينامية الصراع في ليبيا أن نتخلى عن تفسير الصراع الحاضر أخلاقيا، لأن ذلك ينتهي بنا إلى نتائج محددة مسبقا عند جميع أطراف الصراع، وهذا يعني أنني لن أستخدم مصطلحات مثل: الثورة والثورة المضادة، والإسلام والعلمانية، والحضور والبوادي، وبدلا عنها أتأمل الصراع على أنه سيرورة متواصلة منذ فبراير نحو إزاحة وإقصاء لسبتمبر من جهة، وتموضعات فبرايرية في المجتمع والسياسة والأمن والاقتصاد من جهة ثانية.
من انتفض في فبراير؟
يمكن أن نفهم ذلك من خلال الجهويات والمناطق والطبقات والقوميات والقبائل والعائلات والشخصيات والأيدولوجيات المعارضة الأكثر تهميشا في فترة حكم نظام القذافي (الحكم القديم)، طبعا مع بعض المهمشين داخل نظام الحكم القديم نفسه.
ومثلت المعارضة الليبية في الخارج وامتداداتها في الداخل إحدى مكونات فبراير، واستطاعت رغم اختلافاتها وصراعاتها البينية أن تنجح في التموضع في المشهد السلطوي بعد سقوط النظام القديم بدعم أساسي غربي وإقليمي، وعملت على إزاحة النظام اجتماعيا وسياسيا بقانون النزاهة ثم العزل السياسي، ووسعت من سيطرتها على هياكل السلطة والمكونات الجهوية والمناطقية والقبلية والعائلية والقومية، وبدأت في تأسيس نظام حكم جديد يستحوذ على الدولة والمجتمع معا.
بنية سلطوية اجتماعية متصدعة
لكن لم يستطع الفبرايريون الوصول إلى تفاهمات واتفاقات بينية واضحة ومحددة، بسبب ارتكاز العلاقة بينهم أساسا على الموقف المعادي من النظام القديم، الذي عمل على إقصائهم وتهميشهم، غير أنهم بعد إزاحته تمترسوا خلف نزاعات وصراعات وتنافسات قبل سبتمبرية تعود لأحقاب تسبق الإعلان عن التأسيس والاستقلال لليبيا عام 1951.
عند تفحص المدن والمناطق والجهويات والقبائل والقوميات نجد صراعات محلية بينية أساسها المنافسة والصراع على النفوذ الاجتماعي والسلطة والموارد، وأخفقت فبراير في فتح حوارات ومفاوضات حولها بين أطرافها، بل رغب المنتصرون في الاستحواذ على القرار السياسي والمالي بناء على تلك الصراعات التاريخية، فنشأت الحرب الأهلية واتسع الصراع البيني.
الصراع الفبرايري الداخلي!
أدت انتخابات 2012 وما سبقها ولحقها من أحداث مثل المطالَب الفيدرالية، وسيطرة الإسلاميين على الداخلية والدفاع والمخابرات والمصرف المركزي وسط صراعات بين الإسلاميين أنفسهم، وصراعات أخرى بينهم وبين مكونات جهوية ومناطقية وقبلية، أدت إلى مزيد التصعيد، الذي وصل ذروته في الصراع بين الفبرايريين في بنغازي بعد انطلاق عملية الكرامة في مايو 2014، ثم لحق بها اقتتال في طرابلس، أيضا بين الفبرايريين، بعد انطلاق عملية فجر ليبيا في يوليو 2014. وتحددت التحالفات بين المتحاربين في بنغازي وطرابلس على خلفية الخلاف الأيدولوجي والتموضعات في سلطة فبراير، ثم تطور ليدخل فيه العنصر الجهوي والمناطقي والقومي كعامل له تأثير وتوجيه كبير على الاحتراب بين الفبرايريين سواء في بنغازي أو طرابلس.
الصخيرات واستمرار الصراع الفبرايري:
أثناء المفاوضات وبعد التوقيع على اتفاق الصخيرات نهاية 2015 نشأ صراع جديد داخل الطرف الفبرايري المنتصر في فجر ليبيا، وانقسم المنتصرون تجاه الموقف من الاتفاق ومخاوفهم بشأنه، وزاد الانقسام بعد تشكيل المجلس الرئاسي ودخوله طرابلس، وكان أول المتضررين من ذلك المجموعات الجهادية ومسلحو مصراتة في طرابلس لصالح مجموعات إسلامية سلفية تحالفت مع الرئاسي وبسطت سيطرتها على طرابلس.
تحالفات وصراعات فبرايرية جديدة!
تعود مجددا للمشهد تحالفات بين مجموعات عسكرية من مصراتة وأخرى من الزنتان كانت قد تحاربت في فجر ليبيا، ودفعها للتحالف الخوف من اتساع نفوذ سلفيي طرابلس المسلحين الفبرايريين كذلك، وفرضية تحالفهم مع الكرامة، فضلا عن نفوذهم الكبير في بنغاري والمتصاعد في مصراتة وعديد المناطق والجهويات والقبائل.
النظام الجديد ضد ومع النظام القديم!
ليس بعيدا أن تشهد الساحة السياسية إعادة تموضعات بين صفوف الفبرايريين (النظام الجديد) خوفا من فرضية عودة قوية للنظام القديم متمثلة في ميلاد جديد لسيف الإسلام، خاصة إن أقرت الانتخابات وحدد لها موعد خلال العام الجاري، بل من المحتمل أن نرى تحالفات مقابلة، بين سبتمبر ومجموعات من فبراير تنتهي بعودة السبتمبريين إلى سدة الحكم وما يلحق به من أثار على بنية الصراع الاجتماعية والأيدولوجية والجهوية في ليبيا.
التدوينة بنية الصراع في ليبيا ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.