طرابلس اليوم

الاثنين، 2 أبريل 2018

ماذا تمثل ليبيا للعالم ؟!

,

عبد المجيد العويتي/ كاتب ليبي

إطلالة متوسطية يمتد طولها لما يناهز عن ألفي كيلومتر وموقع جغرافي يجعل منها تتوسط الكرة الأرضية وتتربع على ضفاف أكثر المواقع حساسية في العالم وهو حوض البحر الأبيض المتوسط ، صحراء شاسعة محشورة بالثروات الطبيعية كالبترول والغاز الطبيعي والحديد واليورانيوم والذهب مما يجعلها دولة غنية بثرواتها بالإضافة إلى تاريخها وإمكانات أخرى تجعل منها دولة محط أنظار العالم ( أو هكذا يبدو ! ) .

ولكن هل فعلاً ليبيا دولة مهمة بالنسبة للعالم ، حتى يفكر جزء منهم بمساعدتها وجزء آخر بالسيطرة عليها ؟ .

ككل مناطق النزاع في العالم تخصص الأمم المتحدة وأطراف المجتمع الدولي جزءاً من اهتمامها لحل قضيتها ، وقد تنال صراعات جزءاً أكبر من هذا الاهتمام دون أخرى ، وتأتي درجة الأهمية بناءاً على قرب تلك الدولة محل الصراع بعدة عوامل منها ما هو جغرافي بوجود الصراع في منطقة من العالم حساسة كحوض المتوسط ، ودول أخرى تنال اهتماماً بسبب قوة في العلاقة بينها وبين إحدى الدول الكبرى فتبسط هذه الدولة كل قوتها لحل الصراع في تلك الدولة لصالح حليفها .

أعتقد أن ليبيا مهمة بنسبة بسيطة فقط لسببين رئيسيين هما موقعها الجغرافي على ساحل المتوسط وهو الموقع الأكثر حساسية في الكرة الأرضية فأي صراع في هذا الحوض سيؤثر بشكل مباشر على عديد الدول ، و الأوروبية على رأسها ، ويقود هذا السبب إلى السبب الثاني التي تنال ليبيا به جزءاً بسيطاً من الاهتمام وهو الهجرة الغير شرعية التي تمثل ليبيا منطقة العبور المفضلة لراكبي الأمواج القاتلة من إفريقيا الفقيرة إلى أوروبا الغنية وهذا الأمر يمثل بالنسبة للعالم وأوروبا تحديداً صداعاً وإن اشتد فإنه لا يضاهي أمراض العالم الأخرى المزمنة .

القضية الليبية تأتي متأخرة في الاهتمام عن قضايا وصراعات أخرى في المنطقة ، فالصراع في سوريا يمثل الأهمية الأولى فنظام بشار الأسد حليف استراتيجي بالنسبة لدولة كبرى مثل روسيا ودولة عملاقة إقليمياً كإيران ناهيك عن أنها من دول طوق إسرائيل ، والملف العراقي بتشعباته وحروبه المتناثرة والتي تتوالد من بعضها يأتي كملف مؤرق بالنسبة للأمم المتحدة ، واحتلت قضية دول الخليج العربي وحرب اليمن أهمية هي أيضاً لما تتنبئ به بعض مراكز الدراسات بأنها ستتحول لحرب شاملة لن يسلم خليجي منها ، وفي العالم قضايا أخرى وفي مقدمتها إعادة الروح في الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا وتسابق نووي في آسيا و الصراع الأوكراني وتقشف اليونان وبداية انهيار المنظومة الاتحادية الأوروبية بوصول بعض التيارات اليمينية المتطرفة للحكم .

دلائل عدة تبين عدم اهتمام العالم بالملف الليبي أولها وأهمها هو الاتفاق العالمي النادر الحدوث حول نظرة الحل في ليبيا فالجميع بدون استثناء دعم الحل السياسي المتمثل في توقيع الاتفاق السياسي في الصخيرات ، وعندما تم دعم هذا الحل تراجع الرعاة الدوليون عن مراقبة تطبيقه لانشغالهم بما هو أهم ، ظنا منهم على ما يبدو أن الأمر انتهى إلى هذا الحد ( ربما ! ) ، والدليل الآخر هو طريقة الأمم المتحدة في التعاطي مع الملف الليبي عبر مبعوثيها ، فليبيا حظيت بالعدد الأكبر من المبعوثين عن بقية دول الصراع ، وليس هذا دليل اهتمام بل هو دليل دامغ على عدم الاهتمام ، فالأمم المتحدة وعن طريق التركيز على مبعوث طويل الأجل تبرهن أنها تحاول وتحاول ولكنها في الحالة الليبية عندما يطلب مبعوث تنحيه عن المهمة فإن الإدارة الأممية توافق له على طلبه ، ولا تكترث بسرعة اختيار من يخلفه بل ولا تكترث بتوجيهه بسرعة نحو الملف الليبي وحلحلة أزماته فتطلب منه الدراسة بتمعن وأخذ كل الوقت ومن ثم الذهاب إلى طرابلس .

قد يقول قائل أن ليبيا بلد غني بالنفط . وسوق النفط هو المتحكم في سياسات العالم وأن الدول الكبرى يهمها استقرار ليبيا لأجل هذا الأمر ، صحيح هذا القول ، ومن فرط عدم الاهتمام الذي تحدثت عنه اهتمت الدول الكبرى بهذه الجزئية في الملف الليبي دون سواها فعملت على استقرار الموانئ النفطية ولم تسمح لعقيلة صالح بأن تكون له مؤسسة موازية للنفط ، فيما تسمح بوجود مصرفين وحكومتين ومن كل شيء اثنين .

عدم الاكتراث الفعال هذا من قبل دول العالم باستثناء ايطاليا التي ترى في ليبيا فرصة في إنعاش اقتصادها المنهار ، أدى إلى تدخلات من نوع جديد في دولة من المفروض أنها محط الأنظار ، تدخل إقليمي تقوده دول لها حسابات أخرى تضع ليبيا ضمن أولوياتها كالإمارات ومصر وقطر وغيرهم ، أدى ويؤدي وسيؤدي إلى مزيد التأزم وزيادة حدة الانقسام ، فحتى بالنسبة لملف النفط والنقص في الانتاج الليبي فإن دولة إقليمية كالسعودية دائماً ما تضع نفسها تحت تصرف العالم لزيادة إنتاجها وتعويض العالم من السوق الليبي .

أمام هذا الواقع على الليبيين نخباً وسياسيين وطنيين وأحزاب وتيارات ومواطنين البحث عن بدائل أكثر نجاعة من الاعتماد على الآخر البعيد الذي لا يرى في قضيتنا سوى صداع يصيب رأس رجل مريض بالسرطان ، فالسرطان أولى وأكثر إيلاماً من هذا الصداع ، فيكون علاجنا مجرد مسكنات.

التدوينة ماذا تمثل ليبيا للعالم ؟! ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “ماذا تمثل ليبيا للعالم ؟!”

إرسال تعليق