عبد القادر الاجطل/ كاتب وصحفي ليبي
رغبة الشعوب في الديمقراطية أوضح من أن تحتاج إلى مزيد إيضاح فقد سال الكثير من الحبر في التغزل بفضائل الديمقراطية وبيان أهميتها وما تكسبه الشعوب من مساحات في ظلها يعز أن تنالها في ظل غيرها من انظمة الحكم التي تفتق عنها العقل البشري وتضمنتها التجارب الإنسانية عبر التاريخ.
الديمقراطية بما تحمله من ألق اكتسبته نتيجة ارتباطها بإرادة الناس ولو على المستوى النظري على الأقل -إذا أخذنا في الاعتبار النماذج الفاشلة والنتائج المحبطة التي ارتبطت بالديمقراطية في مختلف المراحل التاريخية والأقاليم والقارات- والتي على الرغم من وجودها إلا أنها لا تمنع من القول إن الآليات الديمقراطية هي أفضل الموجود للتوصل لمعرفة إرادة الناس وإدارة الخلاف بينهم بالطرق السلمية.
استطلاع رأي أجري منذ ثلاث سنوات على شريحة من عدد من البلدان العربية عرفت الديمقراطية ببعض ما يريده الناس من تطبيقها فقال 35% من الشريحة إنها ضمان الحريات فيما حصرها 20% في نظام حكم ديمقراطي واعتبر 18% من الشريحة أن الديمقراطية هي ضمان المساواة والعدل بين المواطنين فيما ربطها 12% بتحسين الأوضاع الاقتصادية وتحقيق الأمن والاستقرار بينما رفض الباقون الإجابة بحسب مقال نشر مطلع أكتوبر من العام قبل الماضي على موقع الجزيرة نت.
والإجابات السالفة الذكر التي دارت حول إقامة نظام يضمن الحريات ويقيم العدل ويحقق المساواة بين المواطنين ويحقق الأمن والاستقرار ويعمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية، هي في مجملها مطالب يتوافق عليها غالبية الناس وتعتبر الديمقراطية التمثيلية بآلياتها وإجراءاتها المعروفة أقرب وسيلة لتحقيقها.
الدولة التي تضمن لمواطنيها هذه الأمور وتحقق لهم هذه المطالب الأساسية لا بد أن تديرها حكومة مختارة بطريقة ديمقراطية تعتمد الرقابة والمحاسبة ويتمكن الناس من تغييرها بالطرق السلمية المقررة في الدستور إذا عجزت عن الوفاء بالتزاماتها، والدستور نفسه الذي ينظم هذه الإجراءات منبثق من سبق أن اختاره الناس بمحض إرادتهم.
تكرار الانتخابات والالتزام بالمسار السلمي للتغيير يبني أعرافا ديمقراطية تترسخ مع الممارسة وتعطي حصانة للعملية برمتها من الانهيار مهما تعثرت في بعض محطاتها، وهو ما يكبر عليه الصغير ويفنى عليه الكبير.
الديمقراطية تكتسب أهميتها وتعطي نتائجها إذا قبل الناس بها ورضوا بما تفرزه إجراءاتها الدورية وبالتالي كانوا مستعدين لحمايتها والدفاع عنها باعتبارها مكتسبا شعبيا لم يفرض عليهم من أية جهة خارجية، وأيضا إذا التزم الحكام بما تفرضه عليهم من مواعيد وضوابط واستحقاقات واتفقت كل الهيئات السياسية الأساسية على المؤسسات السياسية القائمة والتزمت باحترام قواعد اللعبة الديمقراطية.
وإذا انطلقنا من قول صامويل هانتغتون في “الموجة الثالثة” إن تحول الأنظمة يمر بمراحل ثلاثة : “اعتلال النظام، ثم التحول الديمقراطي، ثم مرحلة الاستقرار الديمقراطي”
على اعتبار أن مرحلة الاعتلال قد تنتهي بانتهاء وتفكك النظام الاستبدادي، في الوقت الذي تتضمن مرحلة التحول الديمقراطي تغيير في البنى والأساليب القديمة وإقامة أخرى محلها بينما تترسخ هذه البنى والأساليب الجديدة وتشكل الوعي العام في مرحلة الاستقرار الديمقرطي.
يمكننا القول إن ما نشهده في ليبيا الآن هو مراوحة داخل مرحلة التحول الديمقراطي الذي لم يستكمل بعد لنتمكن بعده من الانتقال إلى مرحلة الاستقرار والترسيخ، وهذه المراوحة تجعل البعض يتطلع إلى العودة إلى الوراء،غير أن التراجع إلى النظام الاستبدادي سيكون باهض التكلفة، وخير منه بمراحل أن نواصل السير لإتمام الانتقال الديمقراطي، إلى أن نصل إلى ديمقراطية قابلة للترسخ بحيث لا يبقى هناك هيئات تسعى للانقلاب على النظام الديمقراطي أو عرقلته أو الانسحاب منه وأن تتعزز ثقة الناس في الإجراءات والمؤسسات الديمقراطية ويقبلوا بالرجوع للوسائل والمؤسسات الديمقراطية لحل الخلافات ولا يلجئوا إلى الوسائل العنيفة لحسم الخلافات فيما بينهم بحسب رأي الكاتب المغربي الطراف عبد الوهاب.
هذه الأمور لن تحصل بين عشية وضحاها ولكنها قد تستغرق وقتا يطول أو يقصر بحسب جدية الساعين لتحقيق الديمقراطية بالوسائل السلمية الممكنة ودأبهم وحسن تأتيهم.
الحديث عن الديمقراطية والتحذير من الانتكاس نحو الاستبداد ضرورة من ضرورات المرحلة في ظل التنصل من الديمقراطية وتشويه ممارستها والانقلاب على نتائجها ووصف الانقلاب على المسار الديمقراطي بالديمقراطية دون أدنى خجل.
هذا الأمر يلبس على الناس ويخلط الأوراق ويجعل مجرد الحديث عن استئناف المسار الديمقراطي في البلدان العربية نوع من التحريض المرفوض من سدنة الاستبداد وحراس القهر والديكتاتورية.
التدوينة استكمال المسار الديمقراطي أقل تكلفة من الانتكاس ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.