طرابلس اليوم

السبت، 22 ديسمبر 2018

في نقد الاتفاقِ السِّيَاسِيِّ

,

أبوبكر بلال/ كاتب ليبي

 

قلة قليلة لا تكاد تذكر من دعاة الحسم العسكري الذي لا تتوفر أدواته ولا بيئته تقف ضد فكرة أن يتفق الليبيون ليعبروا الأزمة بسلام ويهنأوا بحياة مستقرة طيبة، وقد ظُلم كثيرون ممن تحفظوا على الاتفاق السياسي بصيغته الحالية وصُنِّفُوا على أنهم ضد فكرة الاتفاق كما صنفوا أيضا من بين هذه القلة، فغدت بذلك كثرة أو تيارا عريضا على أقل تقدير، بدلا من السعي إلى تباحث نقاط الاختلاف وحلها.

 

الحل التوافقي للخروج من نفق مشكلة ما أمر لا يعارضه أحد شرط أن يكون مرضيا للجميع وواقعيا، ومن هنا حدثت أزمة الاتفاق السياسي الليبي الذي جاء ليحل أزمة الانقسام التي وقعت فيها البلاد، فكثير من النخب التي عارضت هذا الاتفاق لم تعارضه لأنها تقف ضد فكرة الاتفاق من أساسها بل لأن الاتفاق المصاغ لم يكن مرضيا لها وتعتريه كثير من العقبات والعراقيل التي وقع فيها حينما أراد أن يطبق فاستعصى على التطبيق، والسؤال الذي ينبغي أن يطرح في هذا الصدد وتتباحثه كل القوى الوطنية للخروج من عنق الزجاجة؛ لماذا لم يكن اتفاقا ترتضيه كل الأطراف السياسية عبر مبادئ حاكمة لا تقصي أحدا، ولا تضر بأحد؟! لتضع أصابعها بإجابتها على هذا السؤال على مكمن الخلل ومربط الفرس.

 

والمتتبع للاتفاق السياسي منذ بداياته يدرك أن عرض الفكرة والترويج لها لم تكن صحيحة من قبل مؤيديه، فالاتفاق ومن عنوانه العريض يعني حلا وسطا بين بين حلين، لا بد وأن يمتص من هذا الحل ومن ذاك، فقد تحمس مناصرو الاتفاق وذادوا عنه فقدموه على أنه اتفاق ستنبثق عنه حياة وردية من عموم الأمن والأمان وإيقاف الحروب والقضاء على شبح الاستبداد الناشئ في الشرق وتوفير السيولة في المصارف وهبوط سعر الدولار وغير ذلك من أمور هي في حقيقتها مُنى وأحلام أكثر من كونها قراءة سياسية واستشراف لمستقبل سياسي قريب، مما جعل كثيرين ممن عارضوا الاتفاق السياسي يتخندقون ضده لسوء العرض الذي عدوه عرضا غير واقعي، ولو أن مناصري الاتفاق ودعاته ذكروا مخاوفه وخلوه من الضمانات كما ذكروا إيجابياته ودعوا من يعارضها إلى مشاركتهم في وضع حلول لها لكان الأمر على غير هذا النحو الذي نشهده اليوم من أزمة جديدة تضاف إلى أزمات البلاد المختلفة متمثلة في الاتفاق السياسي وعدم قابليته للتطبيق على الواقع الليبي.

 

علاوة على ذلك كله فإن الاتفاق السياسي لم تسبقه توطئة له عبر آلية تكبح جماح الرافضين للفكرة من البداية الحالمين بالحسم العسكري والسيطرة على مقاليد الحكم، كما لم يسبقه كبح لجماح دول إقليمية تدعم عسكريا ولوجستيا تدعم هذا الطرف، ليعيد البلد إلى حظيرة الاستبداد، ولعل الخطأ الأكبر في هذا الإطار هو عدم التوطئة والتمهيد للاتفاق السياسي عبر مؤتمر عام للمصالحة يجمع كل القوى الوطنية لتعبر عن رغبتها الشديدة بالوحدة وبالاتفاق وتلتزم به؛ لذلك فإن نظرة النخب والقوى الوطنية إلى موضوع الاتفاق السياسي لم تكن نظرة واحدة كان من المفترض لها أن تكون كذلك، نابعة من رغبة حقيقية وشعور جامح في أن تنتهي أزمة البلد السياسية وتتوحد مؤسساتها وتحل كافة مشكلاتها الاجتماعية وعلى رأسها مشكلة المهجرين والنازحين، أبدا لم تكن النظرة كذلك، بل كانت متباينة نظر كل طرف إليها من زاويته وغايته من هذا الاتفاق، فطرف أراد من مشروع الاتفاق الحفاظ على بقائه وحمايته من الاجتثاث والاستئصال، وعلى هذا تكون نظرته للاتفاق أنه أمر مفروض من المجتمع الدولي وليس كما روج له من كونه حلا للأزمة السياسية، وطرف أراد أن يتعلق بالاتفاق للحفاظ على نفوذه في الدولة وبالتالي ليحافظ على مكاسبه الاقتصادية، وطرف أراد من الاتفاق خلخلة معسكر المنطقة الغربية الذي كان يقارع مشروع الاستبداد على قلب رجل واحد، فنظر إليه على أنه مشروع مرحلي سيهيئ لمشروع آخر هو هدفه ومبتغاه.

 

لذلك كله تعثر الاتفاق السياسي ولم يستطع أن يحكم البلد لعدم الإجابة على سؤال: كيف نتفق على فكرة الاتفاق أولا؟، ولعدم توطيد الطريق أمامه ثانيا؛ فالطرف الذي يطمح إلى الحكم العسكري وداعموه الإقليميون لا يزالون مستمرين في أحلامهم، وعلى مستوى الخدمات والمعيشة لم يحقق الاتفاق شيئا مما ادُّعِيَ أنه سيحققه، وحتى على مستوى المجلس الرئاسي الذي جاء به الاتفاق السياسي فلم يتمكن حتى الآن من نيل ثقة الجهة التشريعية المتمثلة في البرلمان، واستقال وانسحب أربعة من أعضائه اثنان منهم يمثلان إحدى جهات البلد الثلاث، وأما عن لوائحه فلم نعد نسمع عن ” فيتو ” هو حق للرئيس ونوابه، مما جعل رئيسه يتخذ القرارات منفردا وفي مقدمتها تعيين الوزراء وإقالتهم.

التدوينة في نقد الاتفاقِ السِّيَاسِيِّ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “في نقد الاتفاقِ السِّيَاسِيِّ”

إرسال تعليق