مجلة جون أفريك الفرنسية
الكاتبة: أريانا بوليتي
برزت روسيا كعنصر فاعل في الأزمة الليبية. ويحافظ الكرملين، حليف المشير خليفة حفتر، على تواصله مع أهم أطراف الصراع بما في ذلك سيف الإسلام القذافي، الذي أعلن عن عودته للساحة السياسية من جديد انطلاقا من موسكو.
لم يظهر سيف الإسلام علنا منذ إخلاء سبيله سنة 2017، وهو لا يزال محل تتبع المحكمة الجنائية الدولية، التي تطالب باعتقاله بتهم تتعلق أساسا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك، أعلن ابن زعيم الجماهيرية السابق سيف الإسلام القذافي عن عودته إلى الساحة السياسية من جديد من خلال رسالة وجهها لفلاديمير بوتين. وفي الرابع من كانون الأول/ ديسمبر، وصل مبعوثان من مكتب سيف الإسلام السياسي إلى موسكو استقبلهما ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا.
وأكد أحد ممثلي الوفد الليبي لموقع “روسيا اليوم” الناطق باللغة العربية أن الوفد مكلف “بتسليم فلاديمير بوتين هذه الرسالة، التي أكد فيها ابن العقيد عزمه على التسجيل في القوائم الانتخابية، ودعمه لعقد مؤتمر وطني يضم جميع الليبيين دون استثناء، بعيدا عن أي تدخل خارجي”، باستثناء روسيا طبعا. وجاء هذا الإعلان مباشرة بعد عقد مؤتمر عالمي في باليرمو، ما يدل على تنامي الدور الروسي في الأزمة التي تعصف بليبيا منذ سنة 2011.
تعدد الخيارات الممكنة
بعد استبعادها من قسمة الموارد بعد سقوط النظام، ها هي روسيا تفرض نفسها من جديد كطرف رئيسي في ليبيا. فمنذ سنة 2016، تضاعفت الرحلات الدبلوماسية بين مختلف ممثلي البلدين. وبين سنتي 2016 و2017، زار المشير خليفة حفتر، حليف روسيا الأول، موسكو ثلاث مرات، كما تم استقبال خصمه فايز السراج أيضا في الكرملين في عدة مناسبات. وفي حين أن روسيا لم تظهر عداوتها بصفة علنية لحكومة الوفاق الوطني، فإنها لم تعارض عودة نجل القذافي الأصغر إلى المشهد السياسي الليبي. وبالنسبة للكرملين، يجب أن يكون سيف الإسلام القذافي جزءًا من العملية السياسية الليبية.
ذكر طارق المجريسي، المختص في الشأن الليبي وعضو المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، أن “موسكو تلعب ورقة استراتيجية لخدمة مصالحها، وتعد ليبيا فرص جيدة لتحقيق مبتغاها. وتحافظ روسيا على تواصلها مع جميع الأطراف المتدخلة في النزاع، على الرغم من أن جهاز الأمن الحكومي الروسي ووزير الدفاع قريبان جداً من المشير حفتر”.
وبالنسبة لهذا الباحث فإن “بوتين يلعب دور الوسيط في الساحة السياسة الليبية بما يعزز قوة روسيا الدبلوماسية في البحر الأبيض المتوسط. وفي حال أرادت روسيا تكرار السيناريو السوري في ليبيا، فإن السياق الليبي لا يسمح لها بذلك”.
ليبيا غير مستقرة من أجل تدخل جديد
نشرت صحيفة “ذي سان” تقريرا خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر تتهم فيه فلاديمير بوتين “بمحاولة تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة” وذلك نقلا عن عنصر في المخابرات الروسية لم يُذكر اسمه. كما أشارت هذه الصحيفة البريطانية إلى أن هناك إمكانية إطلاق “حملة عسكرية روسية في ليبيا” وهي معلومات كذّبها الروس.
بالنسبة لإيغور دولانويه، وهو مدير مساعد مركز “المرصد الفرنسي – الروسي بموسكو” وصاحب كتاب “روسيا، رهانات العودة للشرق الأوسط”، فإن التدخل الروسي في سوريا هو الذي يقف عائقا أمام بوتين للتدخل عسكريا في ليبيا. وقد قال في هذا الشأن: “لا أؤمن بفرضية التدخل المباشر، فالوضع في سوريا ليس مستقرا بعد، ولا يمكن لموسكو أن تخاطر في فتح جبهة قتال ثانية”.
وأضاف دولانويه: “من ناحية أخرى، عندما ننظر إلى الظروف التي يتصور فيها الروس استخدام القوة، كما هو الحال في أفغانستان أو في سوريا تحديدًا، فإن أحد المعايير التي لا يمكن الاستغناء عنها هو الحد الأدنى من السيطرة على السياسة المحلية. أما ليبيا فتمثل دولة غير مستقرة”.
إذا كانت العملية العسكرية الروسية في ليبيا تبدو غير مرجحة، فإن دولانويه لا يستبعد التدخل غير المباشر “كدعم روسيا المباشر لتوريد المعدات والتشكيلات العسكرية، أو استخدام الشركات الخاصة”. ويظهر ذلك عبر التدخل من خلال الشركة العسكرية الخاصة “فاغنر”، وهي موجودة على التراب الليبي، بحسب ما نقلت وسيلة إعلامية روسية عن مصادر في وزارة الدفاع.
وأكد إيغور دولانويه أنه “مع انتشار القوات المسلحة الخاصة في ليبيا، فإن ذلك يمنع روسيا من التدخل رسميا على عين المكان. فهناك مصالح “صناعية، كما يعمل رجال الأعمال على تنمية أنشطتهم الاقتصادية عن طريق استدعاء الشركات الخاصة، لأن الظروف الأمنية في ليبيا لا تطمئن كثيرا”.
أسواق مثمرة
في ليبيا، تتعدد المصالح، حيث تم توقيع صفقة أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار في عهد معمر القذافي خلال سنة 2011، لكنها لم تتم. كما كان النظام الليبي السابق قد وقع اتفاقية مع السكك الحديدية الروسية لبناء خط سكة حديد يمتد بين طرابلس وبنغازي.
ووفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”، فإن فلاديمير ياكونين، الذي كان حينها رئيس شركة السكك الحديدية الوطنية الروسية، حاول في عدة مناسبات رشوة مسؤولين ليبيين لإعادة إطلاق مشروع بناء خط السكة الحديدية. وقد بلغت قيمة هذا المشروع نحو 2.5 مليار دولار (2.2 مليار يورو)، قبل أن يتم إيقافه منذ سقوط النظام الليبي السابق.
وذكر إيغور دولانويه أن “هناك عقودا مهمة يمكن إعادة تفعيلها من جديد. من ناحية أخرى، تعتبر ليبيا بلدا يحتاج لإعادة الإعمار وإعادة تجهيز الجيش الليبي، الذي يعتمد تقليديا على المعدات الروسية”.
وتعد الموارد النفطية الليبية عامل جذب للدول الأجنبية، بما في ذلك روسيا. ففي شهر شباط/ فبراير سنة 2017، وقعت شركة “روسنفت” الروسية وشركة النفط الوطنية الليبية اتفاقية تعاون. وعلى الرغم من أن مقر الشركة الليبية يقع في طرابلس، إلا أن العديد من حقول النفط تقع في شرق البلاد بالقرب من المواقع التي يسيطر عليها المشير حفتر، ما يفسر جزئيا اللعبة المزدوجة لبوتين.
ووفقا لإيغور دولانويه، فإنه “على الصعيد الجيوسياسي، تعد ليبيا بمثابة ملف يسمح لروسيا بتكثيف شراكتها مع بلدان الخليج، على غرار الإمارات العربية المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الروس مقربين جدا من المصريين والجزائريين، وهو ما يعني أن هذا المثلث الدبلوماسي يفتح أمام موسكو عدة آفاق في شمال أفريقيا، أي في مواجهة أوروبا”.
التدوينة عودة سيف الإسلام القذافي؛ الخطوة التي جعلت النفوذ الروسي يتنامى في ليبيا ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.