طرابلس اليوم

الأحد، 23 ديسمبر 2018

بين الاستقلال الموجود والاستقلال المنشود

,

 عبد القادر أبوشناف/ كاتب ليبي

 

في الرابع والعشرين من ديسمبر من هذا العام  يكون قد مر على ليبيا سبعة وستون عاما بالتمام والكمال منذ نيلها لاستقلالها، هذه الذكرى التي ترسخت في وجدان الليبيين بعد سنين طويلة من المقاومة لدحر المستعمر جاءت هذا العام وهم ينشدون استقلالا حقيقيا في السيادة .

 

السنوات الأخيرة كانت أشدها وطأة على النفس حيث دخلت فيها البلاد أتون حرب تفرق بسببها الليبيون وتخندق فيها الساسة وأمراء السلاح ،بين من موال لتلك الدولة ومعارض لأخرى، وانقسمت ليبيا التي توحدت على أيادي الآباء والأجداد .

وبمجرد الاستماع لما يقال من قبل الكثيرين الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على البلاد والعباد ،تجد في كلامهم ما يطرب الآذان ويحبس الأنفاس عن حب الوطن ووحدته  وأمنه واستقراره، لنستفيق على واقع وعلى أمر كبر مقتا عند الله وعباده الأسوياء ،وهو أن جميعهم يقولون ما لا يفعلون…

 

بل صار يتنافس المتنافسون حول أيهم أكثر ولاء تلك الدولة أو الأخرى،  وصار حب الوطن شذوذا في عالم الخيانات.

اجتمعت التناقضات وأصبح الكل بيادق، يخوضون حروب أسيادهم في سبيل كسب رضاهم.

“كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون” صدق الله العظيم.

أي مقت وأي لعنة ستلحق بكل من عاهد عهدا عن الوطن وعمل عكسه.

 

تدخل ذكرى الاستقلال عاما جديدا مخنوقا بعبرة الانقسام والتدخل الخارجي ،تدخل هذه الذكرى والمشهد يزداد سواء تحت وطأة الاستنجاد بالخارج .

 

إذا بات لزاما علينا جميعا اليوم من منطلق التطورات الحاصلة على الصعيد السياسي، أو العسكري، أو حتى الاقتصادي، أن نطالب باستقلال آخر تتجاوز أهميته استقلال 1951م في ظل واقع مرير ،زادت فيه ممارسة القهر، والسرقة، والانقسام الذي أصاب المجتمع الليبي بجميع شرائحه ،ويجب أن نعلن عن بداية جولة أخرى من النضال، ليدخل الاستقلال مرحلة التطبيق لا التنظير .

 

ليس المطلوب المقارنة بين واقعنا القديم والجديد،  بقدر الاستفادة من التجارب الدالة على ذاتها بذاتها.

 

لكن السؤال الذي قد يسقط كل الأحلام بالاستقلال ،والوحدة، والحرية في مستنقع الظلام. هو كيف لنا أن ننشد استقلالا حقيقيا وفينا من بني جلدتنا بل ونائب عنا في برلماننا  يدعو للتدخل في أمننا وسيادتنا. ربما هي الخيانة في أبهى تجلياتها تجسدت في هذا النائب. فكيف ننشد استقلالا وفينا من يعادينا ؟

 

ومثل هذا النائب هناك العديد ممن ارتضى بيع نفسه في سوق الخيانة. هؤلاء كلهم يعملون ضد الوطن، عملوا فقط على تدمير ما تبقى من اقتصاد هش، قتلوا حلم التنمية، خلخلوا الأمن ،وجعلوا من السياسة “بلطجة”، دعموا مشاريع التجزئة في سبيل اإحياء الفرقة، وتحقيق العدالة المزعومة التي قضي عليها منذ عام 1963م، عندما توحدت البلاد في مشروع وطني بذلت من أجله التضحيات، وتوحدت فيه الثقافات والطموحات، ونتجت عنها ثقافة كان محورها إذكاء الروح الوطنية، ووحدة الأمة الليبية وعلى قاعدة متينة آنذاك أساسها العدالة، والقانون في ظل الديمقراطية التي تمثلت في وجود الدستور، حتى جاء من يناهضه من العسكريين، وأصحاب الحكم الفردي الذين عملوا على تفكيك وحدة الأمة رغم رفع شعارات مؤيدة لها.

اليوم وحسب وجهة نظري يكمن الحل في استعادة القرار الداخلي ،المرهون بالتحديات الكبيرة، ولابد أن ينفصل عن القرار، والتأثير الخارجي، والوصول إلى أدنى قاعدة من التفاهمات الليبية الوطنية الخالصة ،والجامعة خصوصا و أن الأمور أصبحت واضحة للعموم حيال ماحصل في الفترة السابقة، فلا حكومة الوفاق وفقت رغم الدعم الدولي لها، ولا كان التوفيق من نصيب من تشبث في شرق البلاد بالبرلمان المعطل، وحكومته الهزيلة، والجيش التابع له  بفرض قرارته لا تشريعيا، ولا عسكريا على كامل البلاد .

 

أرجو أن يكون الرابع والعشرون من ديسمبر محطة جديدة نحو لملمة الشمل وإعطاء كل ذي حق حقه، بوضع أسس سليمة لتأسيس دولة تكفل للجميع المساهمة في تحقيق المصير ،وتضمن توزيعا عادلا للسلطة، والثروة دون تمييز، ولا إقصاء، وأن نستلهم من تجارب الآباء والأجداد الحكم، والمواعظ.

 

فالشعب الليبي مازال يكافح اليوم للوصول إلى دولة مدنية حديثة ،خصوصا وأننا على بعد خطوة من الاستفتاء ،ولن يأتي هذا الاستحقاق إلا إذا توحدت الإرادة السياسية، والشعبية للوصول إلى ذلك اليوم الذي لاربما سيكون فارقا في تاريخ ليبيا الحديث، لعلاج مشاكلنا المزمنة، ولننطلق من جديد بدولة تثبت جدارتها بأحقية المشاركة الحقيقية ،والفاعلة في رسم الخارطة الوطنية ،والدولية، والأممية أيضا.

 

ولكن عديد التساؤلات تطرح اليوم: هل تستطيع الأطراف السياسية أن تتوافق اليوم فيما بينها؟ وهل لها أن تتغلب على أطماع القوى الخارجية التي تخفي أهدافها بقناع أهدافهم ؟و هل تسجل هذه الأطراف موقفا يكتب لها في تاريخنا وتصبح صاحبة قرار ؟

التدوينة بين الاستقلال الموجود والاستقلال المنشود ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “بين الاستقلال الموجود والاستقلال المنشود”

إرسال تعليق