تتجه أنظار الليبيين اليوم إلى فندق ريكسوس في العاصمة طرابلس، حيث دُعي أعضاء مجلس النواب عن المنطقتين الغربية والوسطى للاجتماع، بحثا عن حل للأزمة التي اندلعت مع هجوم قوات خليفة حفتر، القائد العسكري للمنطقة الشرقية، على طرابلس في الرابع من الشهر الماضي. وسيُعتبر اجتماع اليوم صحيحا إذا توافر النصاب وهو 101 نائب من مجموع النواب البالغ عددهم 200 نائب. وكان الجناح المؤيد لحفتر في مجلس النواب، برئاسة المستشار عقيلة صالح، نقل مقر البرلمان إلى مدينة طبرق في المنطقة الشرقية، ما حمل نواب المناطق الأخرى على مقاطعة الجلسات.
وكشف تحقيق لقناة «بي بي سي عربي» البريطانية قيام عناصر من القوات الخاصة في «الجيش الوطني الليبي» بقيادة خليفة حفتر بتنفيذ عمليات إعدام لمقاتلين، كما تبين مقاطع فيديو وصور. وتظهر هذه المقاطع انتهاك حرمة جثث القتلى من مقاتلين إسلاميين ومدنيين وتشويهها.
وقد عثر فريق بي بي سي عربي على كثير من هذه المقاطع المصورة في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وموقع يوتيوب.
وعثر التحقيق أيضا على أكثر من 20 مقطع فيديو وعدد من الصور، تظهر جميعها إهانة وتشويه الجنود لجثث المقاتلين الإسلاميين، ويمكن أن تُصنف هذه الصور المنتشرة لأغراض الدعاية ضمن «جرائم الحرب».
وقد تم تحديد هوية عشرات الجنود المشتبه بهم بارتكاب هذه الأعمال. وكان معظمهم من عناصر لواء الصاعقة، النخبة الخاصة لدى ميليشيا الجيش الوطني الليبي الذي يتزعمه الجنرال خليفة حفتر، الذي يحاول السيطرة على البلاد برمتها.
ومن أبرز مقاتلي الجيش الوطني الليبي الذين تم التعرف عليهم، شريف المرغني، المتحدث باسم لواء الصاعقة، الذي قام بتحميل ومشاركة الصور التي التقطها لنفسه مع جثة مقاتل إسلامي تم تشويهها وتعليقها في أحد الحواجز في معسكر للجيش.
وأظهرت نتائج فحص الطب الشرعي أن الجثة تعود لجلال مخزوم، وهو قائد في مجلس شورى ثوار بنغازي.
كما أظهر الفيديو إخراج جثة مخزوم من القبر، وعرضها في شوارع بنغازي بعد وضعها على ظهر عربة، ثم عُلقت في أحد معسكرات لواء الصاعقة.
وأثناء تحقيقات بي بي سي، تم التعرف على عنصر آخر من الجيش الوطني الليبي، وهو زكريا فركاش الذي شوهد مصورا نفسه إلى جانب جثة تم استخراجها من القبر. وشوهدت في صفحته في فيسبوك، صور جثة قائد آخر من «مجلس شورى ثوار بنغازي».
اكتشف التحقيق أيضا مقاطع فيديو تُظهر جثث المدنيين أثناء تدنيسها وإهانتها، وصُورت تلك المقاطع في حي قنفودة في بنغازي الذي كان تحت الحصار من قبل الجيش الوطني الليبي بين عامي 2016-2017. وقُتل خلال ذلك الحصار أكثر من 300 شخص، بينهم عشرات الأطفال.
وكان فريق بي بي سي قد عثر على شريط فيديو لجنود يدوسون على مجموعة من الجثث تعود لقتلى من المدنيين، ومن بينها جثة امرأة تبلغ من العمر 77 عاما، تُدعى علياء حمزة. وقُتل خمسة من أفراد أسرة ابنها علي حمزة في حي قنفودة خلال العامين الماضيين.
وتحدث حمزة عن تقديم أدلة عن قتلة أسرته إلى العدالة قائلا: «لقد أرسلت روابط للمحامين لإرسالها إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد خليفة حفتر وقادته العسكريين فيما يتعلق بمذابح ضد المدنيين».
وقال خالد صالح، من منظمة حقوق الإنسان الليبية: «كانت هناك حوالى 130 أسرة، بينهم ما يقارب 400 طفل في قنفودة، وتم حرمانهم من جميع وسائل الحياة». وأضاف: «بالنظر إلى الصور التي حصل عليها فريق التحقيق، نرى أن مقاتلي الجيش الوطني الليبي يشعرون بالفخر بما يقومون به». إلا أن «الجيش الوطني الليبي» يقول «إنه أجلى العائلات»، رغم أن المنظمات الخيرية لم تتمكن من التحقق من صحة ذلك.
وتفاقمت الأوضاع الإنسانية في أحياء طرابلس أمس الأربعاء، مع استمرار المعارك بالأسلحة الثقيلة في عدة محاور بين قوات حكومة «الوفاق» وقوات حفتر، وسط استخدام مكثف للطيران الحربي من الجانبين، حسب ما ذكر شهود عيان. وأتى التصعيد بعد تراجع نسبي يوم الثلاثاء. وحسب مصادر من قوات حفتر تمكنت هذه الأخيرة من بسط «سيطرتها الكاملة» على منطقة السبيعة جنوبي العاصمة طرابلس، صباح أمس، إلا أن قوات «الوفاق» استعادتها بعد الظهر، مع استمرار الاشتباكات إلى المساء. كما استعادت «الوفاق» منطقة اليرموك، التي كانت تسيطر عليها جماعات مسلحة من ترهونة، وتم تداول صور فيديو أمس لاعتقال أسرى من قوات حفتر وبث اعترافات لبعضهم.
في السياق قال المهندس هاني الترهوني، وهو من سكان العاصمة في اتصال هاتفي مع «القدس العربي» إن المشكل الأول الذي يؤرق الطرابلسيين هو تزايد أعداد النازحين من مناطق المعارك نحو وسط العاصمة، ما شكل ضغطا كبيرا على سكانها. وأفاد الترهوني، وهو مسؤول في مكتب التخطيط الحكومي، أن عدد النازحين المسجلين لدى وزارة الشؤون الاجتماعية، بلغ أكثر من 11000 نازح، وهو المشكل الأول لسكان طرابلس. وتقوم لجنة النازحين برئاسة فاضل جبران بتجميع الأدوية، التي باتت نادرة في المستشفيات، لتأمين الحد الأدنى من الخدمات الطبية. وأفاد الدكتور حكيم الناجح، وهو أيضا من سكان طرابلس، أن متطوعين ومندوبين من شركات أدوية يقومون بجمع التبرعات وإيصالها إلى الجهات التي تحتاج إليها. وأضاف أن لجنة النازحين أطلقت أمس نداء إلى المؤسسات الخاصة في قطاع الأدوية للمساهمة في حملة جمع التبرعات.
وأبدى المهندس الترهوني خشيته من الاضطرار لمعاودة السنة الجامعية، بعدما تعذر على أعداد كبيرة من الطلاب الالتحاق بالكليات بسبب المعارك الدائرة في مناطقهم. وأكد أن «معدلات الالتحاق بالمعاهد والكليات تتراجع يوما بعد يوم. وأضاف أن «جميع المؤشرات ستتغير بعد «معركة طرابلس» لأن الأوضاع تغيرت تماما، مع تزايد أعداد المفقودين والقتلى وارتفاع ظاهرة الترمل، والانقطاع عن التعليم بسبب الأوضاع الأمنية».
وعلى المستوى السياسي قال عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية كارولينا الجنوبية، ليندسي غراهام (جمهوري) أمس إنه «من المهم أن تعزز الولايات المتحدة التزامها بحل سياسي في ليبيا وترفض الجهود التي يبذلها أي طرف للاستيلاء العسكري، في رد غير مباشر على المكالمة التي أجراها الرئيس ترامب يوم 15 الجاري، مع قائد الجيش في المنطقة الشرقية اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والتي فُهمت على أنها تشجيع على عملية غزو طرابلس. وقال غراهام، وهو عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، في بيان صحافي إنه أجرى اتصالا هاتفيا بناء برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، جرى خلاله مناقشة الوضع الراهن في ليبيا وموقف الولايات المتحدة منه.
أكثر من ذلك، أكد غراهام أن «الإدارة الأمريكية بحاجة إلى إعادة التأكيد على التصريحات السابقة الرافضة للحل العسكري في ليبيا والضغط من أجل المصالحة السياسية»، مشددا على أنه «لن يكون هناك حل عسكري فقط في ليبيا»، مُستعيدا بذلك تصريحات سابقة لوزير الخارجية بومبيو في هذا المعنى. ورأى غراهام أن «الولايات المتحدة بحاجة إلى قيادة الجهود لتحقيق المصالحة بين الحكومة الليبية المعترف بها دوليا وجميع الفصائل على الأرض». وتابع: «أنا أقدر الجهود المبذولة للقضاء على تنظيم الدولة وغيرها من الجماعات الإرهابية في ليبيا، وأعتقد بقوة أنه إذا توسعت الحرب الأهلية، فستملأ الجماعات الإرهابية الفراغ. لقد حان الوقت الآن لأن تقود الولايات المتحدة عملية المصالحة السياسية وترفض بشدة أي جهد، من قبل أي طرف، للحسم العسكري».
على صعيد آخر أفادت مصادر في الأمم المتحدة أمس الأربعاء أن خفر السواحل التابع لحكومة الوفاق الوطني تمكن من ضبط 113 مهاجرا لدى محاولتهم الوصول إلى السواحل الإيطالية خلال اليومين الماضيين. واستثمر المهاجرون الهدوء النسبي للمعارك ليركبوا البحر في اتجاه إيطاليا، بمساعدة مهربين محترفين. وأعيد المهاجرون إلى بلدتي زوارة والخُمس غرب العاصمة طرابلس، حيث أودعوا مراكز احتجاز. وتنطلق غالبية محاولات إبحار المهاجرين نحو سواحل إيطاليا من بلدات صبراتة وزوارة والخمس القريبة من الحدود التونسية.
القدس العربي
التدوينة اتصال أمريكي بـ«الوفاق» للتأكيد على رفض الخيار العسكري… واجتماع لبرلمان طرابلس اليوم ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.