برحيل الكاتب والروائي والدبلوماسي الليبي الراحل أحمد إبراهيم الفقيه (1942 ــ 2019) تخسر الساحة الثقافة الليبية واحدا من أبرز رمزها.
يشير الفقيه في عدة حوارات صحافية عن عالمه الروائي وما يستلفته، ويريد استعراضه من خلال الحكاية لتي يحاول نسجها، سواء في روايات اتسمت بالطول الشديد، والمُقسمة إلى ثلاثيات. فالشخصية الروائية الآتية من الصحراء، وأعرافها كانت دوماً تضيق بها الصحراء، هذا العالم المنغلق رغم اتساعه، لذا فالبطل ــ حسب رؤية الكاتب ــ كان دوماً يختبر حياته وبيئته/وجوده من خلال مرايا الآخرين، فيقول: «أخرجت بطل روايتي الليبي من محلّيته وبيئته المألوفة بعاداتها وتقاليدها وأسلوب حياتها، وزججت به في فضاء إنساني آخر، لأعرضه بذلك إلى ضوء وهواء آخرين، وفي ذلك، بطبيعة الحال، وبذلك جعلته في اختبار من يرى نفسه في مرايا أخرى، ومن يجد نفسه يتعامل في مجتمع وبيئة وتقاليد وعادات وثقافة كلها غريبة عنه».
المكان ودلالاته
وعن طريق البطل الذي يجوب حيوات أخرى، يكتشف من خلالها نفسه أولاً، كان تعدد الأماكن في أعمال الكاتب، الذي يرى أن أعماله تتراوح بين ثلاثة أماكن، هي .. الصحراء بما تمثله من تاريخ وهوية، وتمثلات الاغتراب من خلال معايشة حضارة أخرى، وهي مأزق عربي في رؤية الآخر وصولاً إلى معرفة نفسه واختبار هويته، ما يحلم به وما يعيشه ويختبره على أرض الواقع، وأخيراً المكان كـ(حلم) وهو أشبه بأماكن ألف ليلة، مكاناً خيالياً يعيد فيه البطل إنتاج الحكاية/حياته، بعيداً عن أي ثوابت ومرجعيات سياسية واجتماعية، هذا في ما يبدو ظاهرياً، لكنها في الأصل انعكاس لكل ما سبق وأن عاشه واختبره بطل الروايات، رغم اختلافه وتنوعه، فالفكرة واحدة وإن تباينت الرؤية الفنية وجمالياتها.
بيبلوغرافيا
ولد أحمد إبراهيم الفقيه في 28 ديسمبر/كانون الأول عام 1942، في بلدة (مزده) جنوب طرابلس. ويعد من رواد كُتاب القصة القصيرة في ليبيا. بدأ الفقيه في نشر إنتاجه الأدبي في الصحف الليبية منذ عام 1959. وحصل على درجة الدكتوراه في الأدب العربي، من جامعة إدنبره في إسكتلندا، ثم التحق بسلك التدريس في عدة جامعات ليبية وعربية، كما عمل في عدد من المؤسسات الصحافية، وشغل عدة مناصب خلال التحاقه بالعمل الدبلوماسي. قدّم العديد من الأعمال الإبداعية، أهمها رواية «خرائط الروح»، التي تعد أطول رواية عربية. إضافة إلى عدة أعمال أخرى نالت نصيبها من الشهرة والجوائز، منها .. رواية «خالتي غزالة تسافر في فندق عائم إلى أمريكا»، وثلاثية «سأهبك مدينة أخرى»، التي صنفها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب ضمن قائمة أفضل 105 روايات عربية في القرن العشرين، ومجموعة بعنوان «قصص من عالم العرفان». كذلك مجموعته «البحر لا ماء فيه»، التي فازت بالمركز الأول في جوائز اللجنة العليا للآداب والفنون في ليبيا. كتب سيرته الذاتية في ستة أجزاء مقسمة على ثلاثيتين بعنوان «ثلاثية مرافئ الطفولة» و»ثلاثية طرابلس». كما كان له السبق في كتابة أول أوبريت ليبي متكامل، بعنوان «هند ومنصور». ترأس الفقيه العديد من الصحف والدوريات، منها جريدة «الأسبوع الثقافي»، ومجلة «الثقافة العربية». أما في المجال الدبلوماسي، فقد عمل في الخارجية الليبية، متقلداً عدة مناصب .. ملحقا ثقافيا في لندن أوائل السبعينيات من القرن الماضي، ثم سفيراً في كل من اليونان ورومانيا، قبل أن يلتحق بالمندوبية الليبية لدى الجامعة العربية في القاهرة.
القدس العربي
التدوينة رحيل الكاتب الليبي أحمد إبراهيم الفقيه.. صاحب أطول رواية عربية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.