طرابلس اليوم

السبت، 2 يوليو 2016

قراءة في ضمانات المحاكمة العادلة في مشروع الدستور الليبي

,

الهادي أبو حمرة/ عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور

إجابة على سؤال طرحه الأستاذ الفاضل صلاح المرغنى بمناسبة تعليقه على المنشور السابق يتعلق بضمأنات المحاكمة العادلة في مشروع الدستور الليبي.

أعتقد أن القصد منه إثارة النقاش حول موضوع المحاكمات العادلة في ليبيا الحاضر والمستقبل، فأنه يمكن الأنطلاق من المفهوم الواسع الذي أعطى في بعض الأدبيات الفقهية دوليا لمفهوم ضمأنات المحاكمة العادلة ليشمل –أيضا- ضمأنات التحقيق الإبتدائي. ومن خلال ذلك يمكن اختصار المسألة في النقاط اأاتية:

  1. كافة ضمأنات المحاكمة العادلة التي أقرتها الاتفاقات الدولية تمت دسترتها. ويجب على التشريعات أن تسير وفق منوالها وذلك بموجب المادة 17 التي تحدد القيمة القأنونية للمعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها، ومنها على سبيل المثال ضمأنات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية سنة 1966م والتي صادقت عليه ليبيا.
  2. وفق مشروع الدستور، لا يجوز للمشرع أن يرجع عن اي ضمأن من ضمأنات المحاكمة العادلة، والتي سبق وأن تبناها في اي قأنون. ذلك لأن المادة 75 منه تنص على أنه: (يحظر الرجوع على الضمأنات المقررة قأنونا).
  3. تنص المادة 73 من المشروع على أنه: ( لكل فرد الحق في احترام كرامته الإنسانية في كافة الإجراءات الجنائية. وعلى السلطات المختصة تسبيب أوامرها الماسة بالحقوق والحريات. ولا إيقاف اإا في الأماكن المخصصة لذلك، ولمدة محددة قأنونا تناسب التهمة، مع إعلانه للجهة القضائية المختصة ولعائلة الموقوف أو الشخص الذي يختاره وتحديد مكانه وإعطاء المعني الوقت الكافي والتسهيلات اللازمة لإعداد دفاعه وإعلامه بحقه في ألا يجبر على تقديم دليل ضد نفسه ومسؤوليته عما يدلي به والاستعانة بمترجم وفي اختيار محام والاتصال به. وتكفل الدولة المساعدة القضائية.).

ومن أهم النقاط التي تمت وضعها في مشروع الدستور هي وجوب تسبيب كافة الأوامر الماسة بالحقوق والحريات، ووجوب تحديد حد أقصى للحبس الاحتياطي وضرورة تناسب أي إيقاف مع التهمة. فالتناسب لم يعد يحكم العلاقة بين الجريمة والعقوبة فقط بل يجب أن تخضع له- أيضا- التهمة والإجراء الجنائي السالب للحرية.

  1. دسترة التعويض على الحبس الاحتياطي في حالة الحكم بالبراءة لعدم قيام الجريمة أو عدم وجود الدليل أو عند الامر بالأوجه لإقامة الدعوى لنفس الاسباب مع احالة تنظيم ذلك للقأنون(م74 من المشروع). مع ملاحظة أن هذا الأمر سبق وأن أقر في تشريعات مقارنة عديدة لكن على مستوى القوانين كما في المغرب والجزائر وقبلها فرنسا.
  2. نصت المادة 71 من المشروع على أن الحق في اللجوء للقضاء مكفول ولكل شخص الحق في محاكمة عادلة أمام قاضيه الطبيعي وفي أجل معقول يؤمن له فيها كافة الضمانات. وحظرت بنص قطعي تحصين أي تشريع من الطعن. ومنعت استبعاد أي سلوك ضار بالحقوق والحريات أو مهدد لها من الولاية القضائية.

ومن هنا، فإن هذه المادة دسترت وجوب توافر كافة ضمأنات المحاكمة العادلة والمعيار هو المعيار الدولي. كما دسترت مفهوم القاضي الطبيعي، ومنعت إخراج أي سلوك ضار بالحقوق من الولاية القضائية. وأضافت لذلك أي سلوك مهدد لها.

وهو الأمر الذي أقر في عدة دساتير حديثة وهو ما يمكن أن يكون محل بحث فقهي واسع. بمعنى إمكانية وجود دعوى تهدف لمنع وقوع الضرر عند وجود سبب يهدد بوقوعه وليس دعوى لإزالة الضرر أو التعويض عنه. ( يمكن مراجعة عدة دساتير حديثة منها الدستور التشيلي والكتابات الفقهية بشأن الموضوع.).

كما أنها نصت صراحة على وجوب المحاكمة خلال أجل معقول. وهو الأمر الذي يخضع لتقدير المشرع في تحديد أجل المحاكمات تحت رقابة المحكمة الدستورية. مع ملاحظة أن هذه الصياغة وردت في كثير من الاتفاقات الدولية والقابلة للتطور مع تطور المفاهيم القانونية وتفسير المحكمة الدستورية.(انظر نص المادة 14 من العهد الدولي 1966 على سبيل المثال).

  1. من ضمانات المحاكمة العادلة وضع مشروع الدستور للضمانات الكافية لاستقلال السلطة القضائية وحيادها( راجع الفصل الرابع من الدستور).والنص على ضمأنات استقلال وحياد أعضاء السلطة القضائية.
  2. نص المشروع- اأضا- على وجوب أن تمارس المحاكم اختصاصها وفق مبدأ التخصص القضائي. وهو الأمر الذي يدعم بقوة المحاكمات العادلة ويستجيب لمتطلبات العدالة عموما.
  3. نص المشروع في مادته 135 على مبدأ التقاضي على درجتين. ما يعنى وجوب أن تنظر الدعاوى على درجتين بإستثناء المخالفات والقضايا قليلة الأهمية. ومن هنا فإن نظر الجنايات على درجة واحدة لن يكون دستوريا عند نفاذ الدستور.
  4. نص المشروع في مادته 136 على حظر المحاكم الاستثنائية.
  5. من المسائل الداعمة لاستقلال القضاء ومن ثم للمحاكمات العادلة والنزيهة دسترة المجلس الأعلى للقضاء بما يضمن حسن سير القضاء واستقلاله. مع النص على سلطته بشأن إعداد مشروع ميزانيته ومناقشته أمام السلطة التشريعية.
  6. وفي إطار ضمانات المحاكمة العادلة، نص المشروع على أن القضاء العسكري لا يختص إلا بنظر الجرائم العسكرية التي يرتكبها عسكريون وفق الإجراءات التي يحددها القانون، مع وجوب مراعاة ضمانات المحاكمة العادلة، وأن أحكامه تخضع للطعن بالنقض في الإطار الذي يحدده القانون.

التدوينة قراءة في ضمانات المحاكمة العادلة في مشروع الدستور الليبي ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “قراءة في ضمانات المحاكمة العادلة في مشروع الدستور الليبي”

إرسال تعليق