طرابلس اليوم

الثلاثاء، 1 أغسطس 2017

لعلَّنا أمام استدعاء جديد

,

 

شكري الحاسي/ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

هل نحن أمام  مرحلة جديدة ؛ تجعل من علمائنا الأماجد في حالة نفير لتغيير  الخطاب واستدعاء أقوال ابن تيمية في إسلام  الروافض بعد  تكفيرهم  من المدرسة السلفية المعاصرة في فتاوى كثيرة ومتفرقة هنا وهناك بحُجَّة الشرك والقبور والمشاهد والأعتاب مع ؛ إقرارنا  للمخالفات الشرعية في ذلك . ولكن ما نحن بصدده  هنا هو تغيير المسار  واستدعاء التراث لتبرير  الواقع السياسي الجديد ( والمراجعات السياسية لا الدينية ) فالفتاوى الشرعية كما نعلم  جميعاً  تابعة لا متبوعة  فهي عربة مجرورة  مقطورة  يُغيَر إتجاهها حسب الإرادة السياسية وأصحاب المعالي والسمو ( حفظم الله ) . ولكن أريد أن أضع بين يدي القارئ  أفكار  ابن تيمية التي تملأ  كتبه ولم يكن لها حاجة في استخدامها وترويجها  ولعلَّ اليوم هو الوقت المناسب لترويجها . وأخرى هي نرى من خلالها مدى التزوير  والافتراء والتشويه لتراث قامة عظيمة مثل ابن تيمية .

يقول ابن تيمية-رحمه الله- عن الحديث المثير للجدل .حديث الافتراق .

فعن أبي هريرة-t-قال-r-((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين، وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث، وسبعين فرقة)).رواه أبوداود في سننه .

وقد تعددت طرق الحديث؛ عن ثمانية من الصحابة الكرام وأصحها حديث أبي هريرة -t- واختلف فيه علماء الإسلام بين القبول والرد لكن ابن تيمية يقول بصحته  منه  إلا أنَّ فهمه، وتفسيره له فيه معان. يقول- رحمه الله- : وَأَمَّا تَعْيِينُ هَذِهِ الْفِرَقِ فَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ فِيهِمْ مُصَنَّفَاتٍ، وَذَكَرُوهُمْ فِي كُتُبِ الْمَقَالَاتِ؛ لَكِنَّ الْجَزْمَ بِأَنَّ هَذِهِ الْفِرْقَةَ الْمَوْصُوفَةَ. لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْقَوْلَ بِلَا عِلْمٍ عُمُومًا. فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُخْبِرُ عَنْ هَذِهِ الْفِرَقِ بِحُكْمِ الظَّنِّ، وَالْهَوَى فَيَجْعَلُ طَائِفَتَهُ، وَالْمُنْتَسِبَةَ إلَى مَتْبُوعِهِ الْمُوَالِيَةَ لَهُ هُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ، وَالْجَمَاعَةِ، وَيَجْعَلُمَنْ خَالَفَهَا أَهْلَ الْبِدَعِ،وَهَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ.مجموع الفتاوى،(3/346).

وفيه يقرر بعدم الجزم بتعيين الفِرق، وأن الأمر فيها اجتهادٌ؛ لا نص، وظنٌ لا يقين، وقولٌ بغير علم. هذا لمن جزم بصحة الحديث.

ثم كثيرٌ ممن صنفوا في الفِرق؛ ما جانبهم التعصب، والهوى؛ في تعيين الفِرق، والطوائف فادعوا لأنفسهم العصمة، والسنة، ومن خالفهم البدعة، والضلالة.

وأخرى الانصاف في تقييم نسبة الخطأ في القرب والبعد عن السُّنة فيقول : أَنَّ الطَّوَائِفَ الْمُنْتَسِبَةَ إلَى مَتْبُوعِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَالْكَلَامِ: عَلَى دَرَجَاتٍ؛ مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ قَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ فِي أُصُولٍ عَظِيمَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إنَّمَا خَالَفَ السُّنَّةَ فِي أُمُورٍ دَقِيقَةٍ.مجموع الفتاوى ، (3/348).

هنا يوضح ابن تيمية أصول الفرق وأنواعها والَّتي جعلها  محور الفرق الضَّالة الَّتي فارقت الأمة في أصول الدين الكبرى  فيقول : وَأَمَّا تَعْيِينُ الْفِرَقِ الْهَالِكَةِ فَأَقْدَمُ مَنْ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي تَضْلِيلِهِمْ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَهُمَا – إمَامَانِ جَلِيلَانِ مِنْ أَجِلَّاءِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَا : أُصُولُ الْبِدَعِ أَرْبَعَةٌ : الرَّوَافِضُ وَالْخَوَارِجُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ.مجموع الفتاوى،(3/350)

ثم يذكر قاعدة أخرى يجعلها ابن تيمية أساساً لفهم النَّص هي ؛ أن الفِرق المذكورة في الحديث ليست خارجة عن  الإسلام أي لسيت كافرة . وذلك بنص الحديث أنَّهم من الأمة  ( ستفترق أمتي )   فقال : وَكَذَلِكَ سَائِرُ الثِّنْتَيْنِ، وَالسَّبْعِينَ فِرْقَةً مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُنَافِقاً؛ فَهُوَ كَافِرٌ فِي الْبَاطِنِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُنَافِقاً، بَلْ كَانَ مُؤْمِناً بِاَللَّهِ، وَرَسُولِهِ فِي الْبَاطِنِ لَمْ يَكُنْ كَافِراً فِي الْبَاطِنِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي التَّأْوِيلِ كَائِناً مَا كَانَ خَطَؤُهُ؛ وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِهِمْ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ النِّفَاقِ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ النِّفَاقُ الَّذِي يَكُونُ صَاحِبُهُ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ.

وَمَنْ قَالَ: إنَّ الثِّنْتَيْنِ، وَالسَّبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكْفُرُ كُفْراً يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ؛ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ، وَالسُّنَّةَ، وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ بَلْ، وَإِجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَغَيْرِ الْأَرْبَعَةِ فَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ كَفَّرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثِّنْتَيْنِ، وَسَبْعِينَ فِرْقَةً. مجموع الفتاوى ، (7/218) .

وفي إجابة له على سؤال وُجه إليه؛ عن رجلٍ يُفضل اليهود، والنصارى على الرافضة. فقال:  ( كُلُّ مَنْ كَانَ مُؤْمِناً بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ-r-فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ مَنْ كَفَرَ بِهِ؛ وَإِنْ كَانَ فِي الْمُؤْمِنِ بِذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْبِدْعَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِدْعَةَ الْخَوَارِجِ، وَالشِّيعَةِ، وَالْمُرْجِئَةِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، أَوْ غَيْرِهِمْ؛ فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كُفَّارٌ كُفْراً مَعْلُوماً بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ . وَالْمُبْتَدِعُ إذَا كَانَ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلرَّسُولِ-r-لَا مُخَالِفٌ لَهُ لَمْ يَكُنْ كَافِراً بِهِ ؛ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ يَكْفُرُ فَلَيْسَ كُفْرُهُ مِثْلَ كُفْرِ مَنْ كَذَّبَ الرَّسُولَ-r. ) مجموع الفتاوى،(35/201).

وكذلك على نفس النهج يسير تلميذه النجيب ابن القيم  حين قال :

قلت من كفر بمذهبه؛ فلا تقبل شهادته لأنَّه على غير الإسلام. فأما أهل البدع؛ الموافقون لأهل الإسلام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول؛ كالرافضة، والقدرية، والجهمية، وغلاة المرجئة، ونحوهم فهؤلاء أقسام.([1])

-أحدها:  الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له؛ فهذا لا يكفر، ولا يفسق، ولا ترد شهادته.

-ثانيها: المتمكن من السؤال، وطلب الهداية، ومعرفة الحق؛ ولكن يترك ذلك اشتغالاً بدنياه، ورياسته، ولذته، ومعاشه؛ فهذا مفرطٌ مستحقٌ للوعيد آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته. فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات.

-ثالثها:  أن يسأل، ويطلب، ويتبين له الهدى، ويتركه تقليداً، وتعصباً، أو بغضاً، أو معاداةً لأصحابه؛ فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقاً، وتكفيره محل اجتهاد.الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ، (1/254-255). فهل نحن أمام مشهد جديد لعلمائنا الأجلاء في طلاءٍ جديد للحائط المتهالك والمساعدة في بناء الهيكل  المزعوم في نفوس وعقول الجهلة والدهماء . أم في ترقب لبيع المماليك في سوق سلطان العلماء . العز !

 

 

 

التدوينة لعلَّنا أمام استدعاء جديد ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “لعلَّنا أمام استدعاء جديد”

إرسال تعليق