طرابلس اليوم

الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

عاصمة الجنوب الليبي وحالة اللاحرب واللاسلم

,

عبدالمنعم الجهيمي / صحفي ليبي من الجنوب

لا يقف الحد في تحليل أو دراسة اوضاع سبها والجنوب عند نقطة معينة، ففهم التطورات وتلك الشبكة المعقدة من المصالح والسياسات والتحالفات يحتاج للكثر من التروي والتمعن، خاصة أننا نتحدث عن منطقة لا توجد فيها دراسات علمية عميقة، كما لايسهل فيها الوصول للمعلومة، في ظل غموض يكتنف كل مجريات الأحداث والتطورات في الجنوب وعاصمته سبها.

تتعقد الأمور في مدينة سبها عاصمة الجنوب الليبي على جميع الأصعدة، المدينة التي صارت مكشوفة أمام عوالم متعددة منذ العام 2011، فبعد سقوط نظام القذافي الذي كان يعتبر سبها أحد أهم معاقله، صارت المدينة أمام سيناريوهات غير متوقعة.

عاشت سبها عدة حروب قبلية منذ العام 2012 بين قبائل التبو وقبيلة أولاد سليمان، وهو صراع طبيعي ناتج عن تشكل مجموعات مسلحة لكل قبيلة وبالتالي تضارب المصالح بينها بشكل أو بآخر، هذا التضارب في حال لم يقع علاجه يتحول إلى صراع مسلح تختلف حدته حسب معطيات مختلفة، فكل هذه التجمعات والمجموعات القبلية وجدت لنفسها أطرافا سياسية تنتمي لها أو تستخدمها، هذه التحالفات بالنسبة للأطراف السياسية تضمن أذرعا مسلحة لها في الجنوب تتحكم من خلالها في استقرار المشهد العام، وبالتالي تسيطر على ملفات مهمة كالتهريب والهجرة وملف الحدود، وهي نقاط ترفع سقف الأطراف السياسية المسيطرة أو المتحالفة في تلك المفاوضات والتفاهمات التي لاتتوقف.

وبالنسبة للقبائل يضمن لها تحالفها مع أطراف سياسية شرعنة كتائبها المسلحة، إضفاء طابع غير قبلي لعداوتها مع خصمها تستطيع به جلب الأنصار أو المؤيدين من أطراف أخرى، كما يضمن تحالف القبائل مع التيارات السياسية ضمان بعض المناصب لأبناء القبيلة في أي تفاهم مستقبلي، ويسبق ذلك ويرافقه سهولة الحصول على المال وبالتالي السلاح.

هذا المشهد عقّد الأمور في مدينة سبها وساهم في تعميق الشرخ بين مكونات هامة فيها، فكانت حرب ال2012 فاتحة لعدة حروب عاشتها المدينة بين قبائل أولاد سليمان التبو والقذاذفة والطوارق، ذهب ضحية هذه الصراعات العديد من أبناء المدينة، ناهيك عن بنيتها التحتية البسيطة أساسا، ودمار الكثير من المؤسسات الخدمية، انتهاءً بفقدان الأمن وانتشار الجريمة وازدهار ظاهرة الحرابة والسطو المسلح والإخفاء القسري.

في لقاء جمعني مع عضو هيئة التدريس بجامعة سبها أحمد اعبيد، تحدث عن ذلك الشرخ الاجتماعي الذي أحدثته الحروب المتتالية، وكيف صار كبيرا، يصعب معالجته في فترة بسيطة، خاصة بعد أن أصبحت هذه الحروب من أدبيات الشارع وأصبحت أحداثها وجرائمها ومواقفها فاكهة المجالس في بيوتات المدينة، يرى اعبيد أن سلسلة من الاجراءات الإدارية والتشريعية والقانونية قد تدفع في حال تطبيقها باتجاه التخفيف من آثار هذا الشرخ وتداركه قبل أن يترسخ كثقافة شعبية.

يحاول الأعيان طوال السنوات السابقة فرض حالة من السلام بين الأطراف المتحاربة في المدينة، هذه الجهود دائما ما تكلل بإقرار هُدَنْ هشة لاتصمد كثيرا، فالأعيان غاليا هم خارج دائرة الفعل فاحتمال فشلهم وارد وبشكل كبير،  قال لي أحد الأعيان حامد عبدالمطلب، إن هذه الهُدَنْ والمفاوضات تفقد عنصرا هاما، وهو المال الذي يمكن أن يجبر الضرر ويرضي الأطراف القبلية المتنازعة، هذه النقطة تمكنت من خلالها أطراف خارجية من التدخل ومعالجتها في سبيل تحقيق سلام يجمع الكل يضمن مصالح هذه الأطراف، فكان الصلح الموقع في إيطاليا مثالا على ذلك، فقد أقرت الحكومة الإيطالية تعويضات بملايين اليوروهات لأطراف النزاع، وهو ما جعل تلك المبادرة أكثر صمودا برغم حدوث خروقات تداركها الجميع.

اليوم تعيش المدينة حالة من اللاحرب واللاسلم، فالمطار مغلق والعديد من المؤسسات الحكومية متوقفة عن العمل، والمصارف تعاني ما تعانيه المصارف الليبية. يقول الناشط فتحي أكني، إن الشوارع تقع تحت سيطرة السيارات معتمة الزجاج، التي تفرض مايشبه حظر التجوال يوميا منذ غروب الشمس وحتى العاشرة من صباح اليوم التالي، حيث تعيث هذه السيارات خرابا ودمارا وسرقة تطال كل من دفعه سوء حظه للخروج أمامها.

تبدأ قصة المدينة ليلا من أمام قاعة الشعب التي تنطفئ أمامها أضواء الشارع وتصبح موحشة إلا من بعض السيارات معتمة الزجاج وبعض سكان المنطقة الذين يتحركون بشكل خجول. عند التوغل قليلا في المدينة يأتي تقاطع فندق إفريقيا سئ الصيت، والذي يشهد أكثر عمليات السطو المسلح والحرابة والاغتيالات، يتميز هذا التقاطع بأنه مفتوح على أحياء الثانوية والقرضة ويقع في قلب الطريق الرئيسي المؤدي لمركز سبها الطبي، وهو ما يجعله مكانا مثاليا لممارسي الحرابة.

بعد تقاطع فندق إفريقيا يأتي الشارع الواسع والذي يضم مقرات أغلب الكتائب الأجهزة الأمنية بالمدينة، الذي يشهد في نفس الوقت كل أنواع الحرابة والسرقة، بعد ذلك تتوزع عدة نقاط في شارع السوق المحلي وشارع محلات الجملة وأجزاء من شارع جمال عبدالناصر، أما داخل بعض الأحياء مثل الجديد والقرضة وحي عبد الكافي فالحياة تبدو فيها عادية إلى حد مرضي مقارنة بغيرها.

يترقب أهالي المدينة أن تُفَعّلَ بنود المصالحة بين كل المكونات والقبائل المتحاربة في سبها، ويعتقدون أن ذلك سينعكس إيجابا على مناحي الحياة في مدينتهم، كما يعتقدون أن حلول السلام سيدفع باتجاه مناقشة ملفات مهمة كالهجرة غير الشرعية والتهريب وغيرها من الملفات الشائكة.

التدوينة عاصمة الجنوب الليبي وحالة اللاحرب واللاسلم ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “عاصمة الجنوب الليبي وحالة اللاحرب واللاسلم”

إرسال تعليق