عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق
( نحن لنا أن نقابل اليهود ولا نقابلكم، لكن الله غالب ) أحد أعضاء مجلس النواب البرقاويين قال هذه العبارة لأعضاء المؤتمر الوطني البرقاويين بالعاصمة التونسية، خلال لقائهما للم الشمل وحل المشكل السياسي الليبي، قيلت هذه العبارة في حضور برقاوي صرف، فماذا لو كانت بمثلث جغرافية ليبيا، لقبلوا بمحاورة الشياطين والإسرائليين، دون محاورة أعضاء المؤتمر الوطني، ولا يعني هذا أن نظرائهم بالجلسة كانوا ملائكيين، ويرونهم يمشون على الماء، أو يسبحون بالهواء .
وربما يكون النائب مفتاح كويدير صاحب هذه العبارة قد أفضى بما يجول في صدره ويُكن، وجاهر به متعمدًا أو أن اللسان خطف مكنونات القلب، ولعل غيره نمْق كلماته وغلفها بقعر لغة قريش، وهو يقاسم النائب ذات الشعور، وربما أدهى وأمر، وهنا أطرح سؤالًا جديرا بالاهتمام والإجابة، وهو “لماذا لم يتفاهم السياسيون الليبيون طيلة هذه المدة؟؟”
في حقيقة الأمر أن التفاهمات السياسية وكل الأمور الخلافية الوطنية تحتاج أرضية تنطلق منها، هى معدومة لدينا وليست مفقودة فحسب، بالأمس القريب لاحت بشائر الود والتقارب بين خصوم ليبيا السياسيين، برعاية المبعوث الأممي غسان سلامة، كان ذلك بجولة الحوار الأولى، لتعديل الإتفاق السياسي الصخيراتي، وبالثانية هبت أعاصير خلافية كانت تحجبها شطارة سلامة، وعصا المؤتمر الوطني الجامع المزمع توليفه فيما لو تعثر أو فشل الحوار.
لم نسمع سياسيًا ليبيًا واحدًا لا يريد الوفاق، ولم نرَ أحدًا منهم يصرح بخراب ليبيا، لكن لا الوفاق أُنجز، ولا العمار طال ليبيا، كم هى وقحة المضاربة السياسية، وكم هى سمجة المتاجرة بمعاناة البسطاء، والتشدق بالمصطلحات الإسفنجية أخرها تجميع ( مغاطي البلاستيك وبيعها) وقبلها مشكلة السيولة، والكهرباء وغيرها، يصرخون بذلك وأعينهم على الكراسي، والآذان على المناصب، ومرد ذلك لموروث السلطة الشعبية، والتي كان مهندسوها وحذاقها يعزفون على أوتار القبلية والجهوية ظاهرًا، ويسعون لتحقيق المكاسب والمغانم باطنًا، وإن كانت الأمور أفضل نسبيًا في ذلك الوقت مما نحن عليه اليوم .
في أول عرض لتشكيلة حكومة مصطفى أبوشاقور أمام المؤتمر الوطني العام وقد تم رفضها ببعض المسببات وبدون مسببات، حتى أن رئيس الحكومة المكلف بتشكيها أصابه الذهول لشدة ما رأى وما سمع، فقد رُدت بضاعته إليه بطريقة، تؤكد أنه قد تجاهل الجغرافيا والقبلية والطريق لتحقيق المكاسب، فقد بحث بعضُ أعضاء المؤتمر عن مدنهم ومناطقهم وقبائلهم بحكومته، كانوا يستطلعون قائمة الوزراء وهم يسألون عن هويتهم وانتماءاتهم، لا عن مؤهلاتهم وقدراتهم ووطنيتهم .
بمحاولته الثانية كان حذرًا فطنًا، ذكيًا مستوعبًا لأصول اللعبة، فاستبق عرض أسماء حكومته المقترحة بخطاب تحليلي نقدي، كال فيه التهم لبعض المؤتمر الوطني، ولبعض الأحزاب، ووصفها “بالبراغماتية”
قائلًا لهم بالأمس تفاوضونني واليوم ترفضوني، حالفه الصواب فيم قال، وكان يعرف مسبقًا أن حكومته الثانية سترفض، رغم أنه لم يكن موفقًا بعرضه الأول، وكما توقع هو تم رفض تشكيلته الثانية، وكان لوريثه علي زيدان ذات المصير من حيث الضغوطات والبحث عن الجغرافيا، بالرغم من ترأسه للحكومة. وسار مجلس النواب على هذا النهج من بعدهم وزيادة، وستبقى هذه الممارسات الي ما شاء الله.
هذا هو ما يعطل الحوار، ويؤخر الوصول لحل تعقيدات المشهد الليبي، وهو ما جعل بعض المتحاورين يتلفظون بأقذر العبارات، ويستخدمون أساليب وأوصاف هابطة خلال تواجدهم بالقنوات الفضائية، وكل واحد منهم يُسوق لمشروعه، ويدافع عن هواجسه، لقد شاهدنا الأيام الماضية لقاءات لمنتخبين فسرت للشعب الليبي مسببات المشكل الليبي استنادًا لما بدر من نواب الأمة، فقد تساوى مذيع الحلقة وهو يداعب شفتيه بسبابنه ويطرب للمهاترات مع من يملء كرسي الحوار برجليه المتباعدتين المتحركتين، وكل واحد من المتحاورين يرى نفسه وطنيًا مخلصًا والآخر لصًا خائنًا، والعكس صحيح، إن غياب الثقة بين الأطراف مردها لأمور كثيرة هى جديرة أن يُفرد لها مقال خاص، لقد كنا نتقابل وإياهم على طاولة الحوار، وكل منا يراها رقعة شطرنج الكلمات فيها أشبه بنقلات اللعبة، والهدف للإثنين كش ملك، من المؤكد أن ثمة فرق بين الجسمين المنتخبين، وبالتأكيد أن فروقًا بين أعضائهما، والحكم في ذلك ليس لي، فمهما رقت الإبتسامات لن تخفي غِلظ القلوب، وتحجب سوادها، وهو ما يحدث بتونس هذه الأيام، وسيحدث بأي مكان يلتقوا به، ما دامت الأمور على هذا الشكل، فقد وقعنا في مثلث القبيلة والتاريخ والجغرافيا، صحيح أن الماضي مهم في حياتنا ، لكنه ليس كل شئ في حياتنا.
فاليوم يمكن لأي سفيه وضيع أن يعبث بقوتنا، ويخلخل حاضرنا، ويفقدنا مستقبلنا، فقط أن بتحدث بمنطق فوهة البندقية، وبإمكان أجرب أخرق تجمع لديه الحرام من المال أن يصطف خلفه قوم بملابسهم النظيفة، وطلعتهم البهية، ويقتادهم الي حيث يشاء، ويحقق بهم ما يريد، شرطه الوحيد أن يكونوا من ضعاف النفوس، ضامري الجيوب والضمائر، لهذه الأسباب يصعب علينا التفاهم الودي النابع من سلامة الوطن، والحرص على مستقبله، وإن تفاهمنا فسيكون تفاهمنا مكتوبًا على صفحات رخوة، مالم يحدث الله أمرًا .
التدوينة لماذا لم نتفاهم ؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.