شكري الحاسي/عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
لقد كان العرب في ماضيهم وحاضرهم عالة على غيرهم ، إن حضروا لم يُعرفوا وإن غابوا لم يُفقدوا . لا وزن لهم ، ولا قيمة كريشة في مهب الريح تتلاعب بهم الآيادي والأقدار ، وتسخر منهم الفيافي القفار . حتَّى شاع فيهم نور ؛ أضاء لهم الطريق ، وفتح لهم المغاليق . ففُتحت لهم الأمصار ، ودانت لهم الحواضر ، والعظام ، وأصبحوا ملوكاً بعد أن كانوا عبيداً . وجعل الله ذلك بياناً للأبناء ؛ كلما تمسكوا بدينهم ، واعتصموا به وعداً منه لايتخلف ولا يتبدل . وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥ . النور . 55. فكلما كان جهل الأبناء بدينهم كان جورهم على الإسلام أكبر وليس بالضرورة أن يكون الجهل عن قلة علم ودراية بل قلة عمل وسقاية . والأخطر من ذلك ، والأنكى هو ضياع المفاهيم ، وانحرافها في حس الأجيال المتأخرة ؛ فأصبح الإسلام ديناً لا حياة فيه ، ولا روح . وتحول من ساحة الحياة الفسيحة ، إلى ضيق المساجد والزوايا . ومن أحكام السياسة ، والاقتصاد ، والحياة الشاملة ، إلى ضيق المراحيض وأحكامها . وعم الفساد كل المفاهيم ، والتصورات ؛ فأصبح القدر استسلاماً ، وتسليماً بالواقع البائس المرير بعد أن كان قوة دافعة للإنشاء والبناء ، ومن مفهوم الإعمار ، والاستخلاف في الأرض . ( إن كانت في يد أحدكم فسيلة ؛ فإن استطاع ألا تقوم الساعة حتَّى يغرسها فليغرسها) . إلى هجران الدنيا ، ومتاعها ؛ فهي جيفة ملعونة مرذولة . حتَّى غدت أمة متخلفة لا تأكل ، ولا تشرب ، ولا تقاتل ؛ إلا بما يجود به عليها أعداؤها ..وكل ذلك باسم الإسلام وراية الإسلام ..!!!!!!!!!!!!!؟ ولقد آثرت أن أبدأ بجهل الأبناء قبل كيد الأعداء ؛ لأنَّه لا كيد للأعداء إلا بجهل الأبناء ؛ فالأعداء لا نجاح لهم إلا بغباء الأبناء وجهلهم . فالأمراض ، والأوبئة لا تخترق ؛ إلا الأجساد الضعيفة الهزيلة ، أما حين تكون مناعتها قوية فأن لها ذلك … فلن يستطيع أحد أن يركب ظهرك إلا أن تكون منحنياً .!!! وهذه الفلسفة هي التي ركز عليها القرآن . أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ آل عمران . 165. مع وجود الرسول وأصحابه الكبار ؛ فلا عصمة لهم من عقاب الله حينما خالفوا أمره . هذه قاعدة الإسلام الكبرى في التغيير . إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ . الرعد .11. حتى على مستوى الفردية أنت المسؤول أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ٣٩ القمر .39 . نعم !! هذه حقيقة التصور الإسلامي في بيان ارتباط الجهل بالكيد . في تعالى : إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيًۡٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ آل عمران .120 . في هذا النص كشف حقيقي لبيان العلاقة بين الجهل والكيد وأن الكيد لا فاعلية له ولا وجود . إن تصبروا وتتقوا . ولن يستطيع أحد أن يركب ظهرك إلا أن تكون منحنياً . إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ آل عمران . 112.
وهذا ينقلنا إلى الفايروس الثاني الذي ظل ينخر في جسد الإسلام منذ ظهوره ، وهو الحقيقة الَّتي عمل عليها القرآن في بيان كيد الأعداء قديماً في كشف موأمراتهم خاصةً في سورتي البقرة وآل عمران ، ومع وجود عدو تاريخي ظل يحاول ويحاول في تدمير الإسلام الذي أوشك على الأفول ؛ لولا أنَّه نور الله الخاتم . ولعلنا كنا نسمع ممن يدعون الثقافة ، والوعي والفكر أنَّه ؛ لاوجود للموأمرة المزعومة المرسومة في أذهانكم . مع تأكيد القرآن على حقيقتها . وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ البقرة .120. قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ هَلۡ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلُ المائدة . 59. وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا البقرة. 109. وَلَئِنۡ أَتَيۡتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٖ مَّا تَبِعُواْ قِبۡلَتَكَۚ البقرة . 145. وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ البقرة .217 . إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيًۡٔاۗ آل عمران .120 . مع كل هذا الحشد الكريم من التنزيل الكريم القطعي الثبوت والقطعي الدلالة وغيرها كثير . أصبح لامجال لأيِّ مجادل في تلك الحقائق الَّتي نؤمن بها ونرى آثارها فيتاريخنا ؛ فكل الحروب ، والنيران تشتعل ، وتحترق بها بلدنُنا منذ الحروب الكونية ، وما قبلها الصليبية دون سواها ، وأما حاضرها مازال نزيفها يُهراق في فلسطين منذ قرنٍ تقريباً ، والعراق ، واليمن وسوريا ، وليبيا ، ومصر والصومال ، وبورما ، والتضييق على أشده في كل بلدٍ إسلامي ، والطعن في هُوية الأمة ، وثقافتها ، ومصادر تشريعها ، وسرقة خيراتها ، وثرواتها . … فكيد الاعداء واضحٌ بينٌ لا يراه إلا من فقد حاسة الشم ، والتذوق ..! وما ننبه إليه مع كل هذا الكيد ؛ أنَّ الإسلام يقول : لَيۡسُواْ سَوَآءٗۗ آل عمران. 113 . والحكم للغالب كما يُقال ، ويجب أنَّ نفرق بين أصحاب القرار ، و عامة الناس ؛ إذا لو كانوا أعداء لا جُهلاء ؛ لما رأيناهم يتزاحمون على بوابة الإسلام أفواجاً . وفي الختام . وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيًۡٔاۗ آل عمران .120 . قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ نعم ! أثبت الكيد ، وبين الوقاية .
التدوينة الإسلام ؛ بين جهل الأبناء وكيد الأعداء ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.