طرابلس اليوم

الاثنين، 1 يناير 2018

حصاد البلديات

,

عبد المجيد العويتي/ كاتب ليبي

تعد التجربة البلدية أو العمل البلدي الذي يأخذ على عاتقه إدارة الخدمات التي تمس وتهم المواطن مباشرة أحد الثمرات الهامة التي نالها المجتمع بعد ثورة فبراير ، فعزمت السلطات السياسية في الدولة الليبية نهاية سنة 2013م اطلاق الانتخابات البلدية التي بدأت مع مطلع العام 2014م بعد أن وضعت لها القوانين الحاكمة والمؤسسات المسيرة وعلى رأسها وزارة الحكم المحلي ، وقسمت الجغرافيا الليبية إلى بلديات خدمية وفرغت لها المسؤوليات والمهام المناطة لتقوم بدورها في دورة حياة مؤسسات الدولة المتعارف عليها لتكتمل صورة المجالس التشريعية والتنفيذية والسيادية بانضمام البلدية إليها .

وما أن بدأت أعمال المجالس البلدية بعد انتخاب أعضائها وانتخابهم لعميد يرأسهم حتى ظهرت في الأفق مصاعب تمثلت في مربعين الأول التركة الهائلة لكم الفساد الذي ورثته المجالس البلدية عن ما كان يعرف بالشعبيات والثاني هو عدم القدرة على العمل بسبب بعض الظروف الآنية وعلى رأسها الميزانيات المخصصة للبلديات والتي كانت المشكلة الرئيسية التي تواجه العمل البلدي طيلة هذه السنوات ، ناهيك عن الوضعين السياسي والأمني .

وأمام هذه التحديات قامت بعض البلديات بتجاوز بعضها ومن بينها العائق المادي وتذليل الإمكانيات ، ولأن بعض الخدمات مرتبطة بالناس مباشرة ولما يفهمه المواطن بأن هذه الخدمات تقدمها وتشرف عليها المجالس البلدية المنتخبة فكان لزاماً على هذه البلديات البحث عن حلول ولو كانت بشكل مؤقت بدل إقناع المواطنين بأنها لا تملك من أمرها حولاً ولا قوة بسبب نقص الدعم المالي من قبل الحكومات المتعاقبة والوضع الأمني الهش وهذا ما لن يفهمه المواطن .

قامت البلديات لمواجهة هذا الأمر بالعديد من المجهودات في حدود الإمكانات المتوفرة لها من أجل الحد من المشكلات المحلية من نقص في إمدادات الوقود إلى مشكلات الكهرباء والمياه ومشكلات تتعلق بجوانب النقل المواصلات والخدمات الصحية والدراسية والمساعدات المادية للأسر المحتاجة ، التي تعاني منها أغلب البلديات على مستوى الدولة بشكل عام وفي مناطق التوتر بشكل خاص ، فمنهم من قام بالتعاقد مع شركات خدمية مقابل صكوك مؤجلة الدفع ، وتعاقدت مع جهات تقدم خدماتها مقابل خدمات تسهيلات وعطاءات ، ومنها من تعاقدت مع شركات راعية لتغطية نفقات المصاريف الخاصة ببعض المشاريع الصغيرة كترصيف الطرقات وتحسين خدمات الصرف الصحي وبعض الخدمات الصحية .

كما أن للوضع الأمني حساباته الخاصة والذي يشكل التحدي الأبرز الذي يواجه الدولة الليبية عامة ، وبالتالي عمل وأداء المجالس البلدية بشكل خاص ، وهذا التحدي هو مصدر أغلب المشكلات الخدمية الأخرى من كهرباء ومياه ووقود وغيره ، والذي وصل في حده إلى عمليات اختطاف طالت أعضاء وعمداء بلديات ولعل أعلاها وتيرة عملية الاغتيال الأخيرة التي طالت عميد بلدية مصراتة محمد اشتيوي والذي سبقتها حادثة تعرض لها تمثلت في إجباره على توقيع استقالته تحت التهديد عندما قام محتجون باقتحام وإقفال مقر المجلس البلدي وسط البلدية .

إلى جانب هذه التحديات تبقى المجالس البلدية رهينة الوضع القائم سابقاً والذي توارثته من نظام الشعبيات إبان النظام السابق والذي كدس عدداً هائلاً من الموظفين الذين لا يعملون في الشركات والمرافق الخدمية منها الشركة العامة للنظافة التي لا تزال تحتفظ بمركزية العمل البيئي ولم تتمكن أي من الحكومات من نقل هذه المهام إلى المجالس البلدية حسب المهام المرفقة للبلديات باعتبارها خدمة من الخدمات التي تمس المواطن ، فنتج عن هذا تكدس دائم للقمامة وضرر بيئي لحق ببعض البلديات تعالجه الشركة العامة للنظافة بالنذر اليسير من العمالة الأجنبية التي لا تستطيع تغطية كامل البلديات مقابل عدد كبير في الأصل من الموظفين المواطنين الذين يعملون ضمن كادر الشركة والذي يصل إلى خمسة ألاف موظف وعامل يتقاضون مرتبات دون تقديم أي نوع من الخدمات .

وليس كل اللوم في تعطل الخدمات البلدية يقع على الطرف الآخر والظروف المصاحبة ، بل أن هناك بلديات دخلوا في صراعات داخلية منها على منصب العميد فتشكلت على إثرها اللوبيات وانغمس بعضهم في هذه الصراعات وأهملوا حق المواطن ، ومنهم من أغرق نفسه في ملفات ليست من قبيل العمل البلدي كالتفاعل مع الأحداث السياسية بشكل مبالغ فيه وصل حدها لمشاركتهم التي حملت إيجابيات وسلبيات في العملية السياسية في مفاوضات الصخيرات التي أفضت الاتفاق السياسي وحكومته التوافقية مما أثر سلباً على تسيير العمل داخل البلدية لانشغال العمداء بهذا الملف .

ومع قرب انتهاء الولاية الأولى لبعض البلديات المنتخبة لم يلمس الشارع خدمة حقيقية أتت من هذه المجالس تقابلها زيادة وتيرة الأزمات السياسية والأمنية والتي التقت مع أزمة خدماتية لم يعتدها المواطن الليبي من نقص حاد في أسطوانات غاز الطهي وانقطاع متكرر للكهرباء وأزمات مياه الشرب التي بقت رهينة الأزمات الأمنية في الجنوب الليبي وغيرها من الأزمات التي ألحقت الضرر بالمواطن دون غيره .

وبالرغم من كل ذلك تظل الإدارة المحلية أو نظام الحكم المحلي هو النظام الأنسب للتعامل مع الأزمات التي تعاني منها الدولة والمواطن مع الحفاظ على الحكومة كجهة إشرافية وتنسيقية لكن هذا الأسلوب من الإدارة يحتاج لتوفير التسهيلات المادية والبشرية التي تمكنه من القيام بدوره ، والاعتماد على خطط التطوير والتدريب الفعالة ، والعمل على ترسيخ مفهوم الحكم المحلي ونقل السلطات الإدارية والمالية لهذه الوحدات للارتقاء بالمناطق المحلية ، وأخيراً يحتاج إلى التقليل من التداخلات في المهام والمسؤوليات بين البلديات والشركات العامة والوزارات الخدمية كالتعليم والصحة والتقليل من تدخل البلديات في الحياة السياسية لعدم إهمال ما انتخبوا لأجله وهو أولاً وأخيراً . خدمة المواطن.

التدوينة حصاد البلديات ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “حصاد البلديات”

إرسال تعليق