طرابلس اليوم

الثلاثاء، 20 فبراير 2018

في ذكرى فبراير وقفات

,

عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق

هي من تنازعت شرارتها المدن والأشخاص والكيانات، تنازعوا ساعات اشتعالها، كل أرادها متبناه، كاد النزاع حولها يتطور لاشتباك، لا يهمنا نوع وكيفية الاشتباك، لكنه لاح بالأفق، وبدت ملامحه تزداد وضوحًا، أنا جذوة فبراير، وأنا من نفخ فيها، اختلف الجمع حول هذا، واليوم بعضهم يتوارى من فبراير، وبخلاعة القول ردوا ذلك لحالة التغرير، والتنصل من الأمس القريب.

ليس هذا محل استعراضيَ للحالة التي بات عليها التائبون –كما يظنون أو يبررون– من ذنب فبراير تحت أي ذريعة، وعبر أي من أنفاق السلامة، لكلٍ مبرراته، ولكلٍ غاياته، ولآخرين حجتهم، والتي لا مناص من القبول بها أو مناقشتها.

التوقع بقيام ثورة ضد سلطة سبتمبر أقر بها بعض من أقطاب تلك السلطة، ليس بعد سقوطها فحسب بل وهي قائمة على أطرافها، وردت على ألسنة الكثير منهم، وبصفحات مؤلفاتهم، وبلقاءاتهم الإعلامية، لم يكن الحدث مستغربًا وإن اُختُلِف حول حدوثه، لكنه وقع، وأزال سلطة أجحفت بحق شعبها وألحقت به الكثير من الأذى، وكان بإمكانها أن تنقله خلال عقودها الأربعة ونيف إلى مصاف دول كان قادتها يرون ليبيا أوائل السبعينات نموذجًا ومبتغًا، فسبقونا سنواتٍ ضوئية نتيجة للتخبط السياسي والارتجال العبثي الذي مرت به ليبيا خلال تلك الفترة .

لكن لماذا هذا المنقلب تجاه فبراير؟ ولماذا تنصل المتصدرون والمباهون بالأمس عن ثورتهم اليوم، دون أن نغفل عن الثابتين المؤمنين بها وبأهدافها والإقرار بالأخطاء التي صاحبتها، ثمة تفسيرات لذلك تصلح لأن تكون حصيرًا للنقاش، وغرفة إنعاش لضخ الدم النقي بمشروع وطني يرتكز على منطلقات توافقية تعلو على كل الخلافات، وتجمع شتاتنا السياسي والمجتمعي، وترمم جدار بيتنا الخارجي، وتنظم أموره الداخلية :

ففي بداية الثورة الفبرايرية وافقها من وافقها وعارضها من عارضها، في إطار نسبية خيار الطبيعة البشرية، ولعلنا رفعنا سقف الحُلم منذ يومها الأول، وإن كانت الأحلام لا سقف لها، وصاحبها إفراغ لشهيق الكبت السياسي بطريقة كانت تنبئ بتفسير خاطئ لمفهوم الحريات والانعتاق، بداية من خفظ سعر لتر الوقود بشهر الثورة الأول وانتهاءً بتقسيم المجتمع الليبي في عمومه للونين اثنين تبعًا لرايتيّ سبتمبر وفبراير وبينهما متتابعات.

بدأ الليبيون مطلبهم بمظاهرات احتجاجية، تطورت من الحجارة لصوت البندقية وانتهت بالمدفع والطيارة، كيف حدث هذا؟ سؤال يحتاج لبحاث منصفين متجردين، قد يكون الوقت لم يحنْ بعد لذلك لكنه سيكون، وستضع صفحات التاريخ كلمتها بكفتي الميزان، لكن لا مناص من القول بأن ذلك التصعيد قد عمق خلافات، ونكأ جراحات، هيأت أرضية خصبة لمن يجيد التوظيف المنفعي والمصلحي وقد فعلوا ونجحوا .

ارتكبت السلطة التوافقية التي تولت أمور البلاد خلال مرحلة التدافع السبتمبري الفبرايري جملة أخطاء، ولم تستفد من التفويض الشعبي الممنوح لها في صورة لم يسبق لها مثيل أو قلما حصلت مثلها، فقد كان المجلس الانتقالي يحظى بتوافق أهل فبراير، وكان محجة الجميع يختلفون حول الكثير ويلتفون حوله وبخاصة رئيسه المستشار مصطفى عبد الجليل .

ولم يكن خلفه السياسي المنتخب أفضل حالًا، فقد أخفق (المؤتمر الوطني العام) في تحقيق مهامه التي انتخبه الليبيون لأجلها، تنازعت الأحزاب والكيانات أمر السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الحكومة، ودار لغط حول أهم وأخطر مهامه بانتخاب أو تعيين لجنة صياغة الدستور، فتأخر إنجازها ومنها حلت الكثير من المصائب، ولم يكن البديل الثالث أحسن، فقد نموذجًا للبلادة السياسية والعجز الوطني، ولن يحسب له التاريخ من حسنة سوى تبييض وجه المجلس الانتقالي والمؤتمر الوطني بسوء أدائه وطيشه السياسي وصفاقته الخلافية .

مشاكل كثيرة حلت بالليبيين جعلتهم يبكون أو يتباكون على رغد العيش السبتمبري، وحالة الأمن مقارنة مما يعيشونه اليوم. مؤكدٌ أن الأم الفبرايرية مهما علت ثورجيتها لن يسرها وقوفها بالطوابير المصرفية، ولا هى تبتاع الأشياء لأسرتها بعشرين ضعفًا، والأمثلة كثيرة ومثيرة، لكن لا يمكن تجاهلها، وهى صورة الرنين المغنطيسي للحالة التي استهليت بها أسطري هذه، ومنها يتحتم علينا أن نقر أننا نحتاج لتشخيص أعمق حتى من صورة المسح الذري، وأن تتهيأ للجديد الإيجابي وهو أن ليبيا بإمكانها أن تستوعب المتخالفين والمختلفين على حدٍ سواء، وأن التدافع سنة بشرية يكبحها الإيمان بأن الحوار الرخو أفضل من الفكر الإسمنتي، وأن التصلب بالمواقف لا يبني وطنا ولا يخدم شعبًا.

التدوينة في ذكرى فبراير وقفات ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “في ذكرى فبراير وقفات”

إرسال تعليق