طرابلس اليوم

السبت، 2 يونيو 2018

على هامش لقاء باريس.. حديث الانتخابات ذو شجون

,

علي أبوزيد/كاتب ليبي

أبان لقاء باريس الأخير بشكل واضح عن حدّة الانقسام الليبي، وأوضح بجلاء مدى تمترس كل طرف وراء مواقفه، وأظهر إلى أي حدّ تصرّ أطراف العرقلة والامتناع على استدامة حالة الجمود والتوقف في العملية السياسية، وتسعى لإفشال أي محاولة للحلحلة أو إيجاد متنفس ينعش العملية السياسية.

غير خافٍ أن المجتمع الدولي مطمئن لحالة توازن القوى بين الشرق والغرب الليبي، والذي يجعل من حسم الصراع لطرف دون الآخر بعيد الإمكان، وهو رغم ما يراه من تردي الأوضاع في ليبيا على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية والمعيشية، فإنه ينتظر تبلور موقف دولي حقيقي حول الأزمة الليبية، وهذا  التبلور لن يحدث إلا بكسر حالة التوازن في القوى بين الشرق والغرب الليبي وميلان الكفة لأحد أطراف الصراع، وقد حاولت كثير من الأطراف الإقليمية كسر هذا التوازن من خلال الدعم العسكري للأطراف الموالية لها إلا أنها لم تنجح، وهذا ما دفع فرنسا إلى السعي في تسريع عملية قلب ميزان القوى من خلال محاولة كسر عصا التوازن الليبي المتمثلة في اتفاق الصخيرات.

فاتفاق الصخيرات –رغم ما يمكن أن ينتقد عليه أو ما يشوبه من خلل- حظي بدعم دولي وأصبح هو الإطار المرجعي الوحيد للخروج من الأزمة، خاصة أنه من خلاله وجد جسمان جديدان هما المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة المعترف بهما دولياً، ويعتبر هو الذي قطع الطريق على تمدد مشروع الكرامة في الغرب الليبي، وبما أن هذا الاتفاق قد نفذ جزئيا وتعطل تنفيذه بسبب عدم إيفاء مجلس النواب بالتزاماته، وبذلك أصيبت العملية السياسية بالجمود والشلل، وفشلت كل محاولة الإنعاش، ولم يستطع الطرف العسكري المتمثل في الكرامة أن يكسر حالة توازن القوى طيلة مدة الجمود هذه، فلم يبق إلا صندوق الاقتراع لكسر حالة التوازن هذه وحسم الصراع لأحد أطرافه ديمقراطياً، فهل يمكن فعلاً أن يتحقق ذلك؟

قد يستبشر بعض المتابعين بترحيب كل الأطراف بإجراء انتخابات عامة في أقرب الآجال، بل قد يزداد فرحاً وسروراً عندما يجد عسكرياً طامحاً في السلطة مثل حفتر يرحب بأن تكون قواته التي يسميها جيشاً تحت سلطة مدنية منتخبة كان قد انقلب عليها تلفزيونياً ثم عسكرياً.

ولكن لا تلبث حالة البِشر بهذا الترحيب أن تتلاشى بمجرد أن يتمّ الحديث عن إطار قانوني ودستوري للانتخابات، حيث تتكشف النيات وتظهر المقاصد من ترحيب كل طرف بالانتخابات، حيث يرى المجلس الأعلى في الدولة أن إجراء الانتخابات يجب أن يتم بعد إقرار الدستور لأنه يعتبر هو الأساس لخلق حالة من الاستقرار السياسي، وسيمثل مرجعية واضحة وثابتة للعملية السياسية، كما سيضمن المشاركة فيها لكافة الأطراف دون إقصاء أو إبعاد، بينما يصرّ مجلس النواب الواجهة السياسية لعملية الكرامة على أن تجرى الانتخابات قبل إقرار الدستور –الذي يدّعي أنه مرفوض شعبياً- ويتولى هو وضع الإطار الدستوري والقانوني لها مما سيسهل عليه توجيه الانتخابات لصالحه، ويكون متاحاً له فيما بعد إقرار دستور يلائم الحكم العسكري، وهي محاولة لاستنساخ التجربة المصرية في صورة أكثر ملائمة للحالة الليبية.

إن هذا الاختلاف حول الإطار الدستور والقانوني للانتخابات يؤكد على أن الإقدام عليها بهذه العقلية لن يحلّ الأزمة بل سينقلها لمستوى أعلى من التفاقم والتعقيد، وأن الإسراع في إجرائها دون اتخاذ التدابير اللازمة لخلق حالة الاستقرار لا يعدو كونه محاولة لاستثمار زخم شعبية حفتر في الشرق الليبي والتي بدأت تضعف وتتلاشى بفعل النفوذ المتزايد لقبيلته -التي جذورها من غرب ليبيا- على حساب قبائل شرق ليبيا.

إن التزام العقلاء من كافة الأطراف الليبية بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بعد إقرار مشروع الدستور وتوحيد المؤسسات السيادية وخضوع مختلف القوى العسكرية للسلطة المدنية هو الضامن الوحيد لأن تؤتي الانتخابات أُكلها بأن تنهي حالة الصراع السياسي، وتفتح المجال لتنافس سياسي وفق قواعد دستورية وقانونية واضحة ومقبولة من الجميع، أما إجراؤها في مثل هذه الحالة من الانقسام والاضطراب وتعدد المرجعيات الدستورية وتجاذب الشرعية وتنازعها، فإنها لن تكون إلا محاولة للإقصاء الناعم الذي لن يلبث إلا أن يكون خشناً وحادّاً وقد يكون بداية لفصول أكثر دمويةً وعنفاً في دوّامة صراع قد لا تنتهي قريباً.

التدوينة على هامش لقاء باريس.. حديث الانتخابات ذو شجون ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “على هامش لقاء باريس.. حديث الانتخابات ذو شجون”

إرسال تعليق