عبد المجيد العويتي/ كاتب ليبي
رغم المحاولات الحثيثة على طول الأزمة الليبية من بعض الأطراف تحييد الهلال النفطي عن دائرة التجاذب والصراع السياسي الحاصل في ليبيا بعد الثورة ، إلا أن منطقة الهلال النفطي رزق الليبيين شبه الوحيد دخل على خط الصراع في أكثر من مناسبة وتضررت بنيته التحتية جراء القذائف الصاروخية المنبعثة من أطراف الاقتتال الليبي الليبي المدعوم خارجياً بنار الإذكاء بالسلاح والمال السياسي الفاسد .
وقد شهدت منطقة الهلال النفطي منذ مدة لا بأس بها استقراراً منذ سيطرة قوات حفتر عليها من قوات الجضران الذي بدأ سنة تحويرها لمنطقة صراع وابتزاز عندما كلف بإمرة حرس المنشآت النفطية للمنطقة الوسطى فترة حكومة علي زيدان بأن أقفل تصدير النفط الليبي بادعائه بيع النفط بدون عدادات ، مما تسبب للدولة الليبية في خسائر فادحة مثلت منعرجاً خطيراً في زيادة أمد الصراع وتأثيره على قوت الليبيين وأرزاقهم لما يمثله النفط وتصديره من شريان حيوي يضخ لميزانية الدولة أموالاً تعتبر ركيزة المرتبات والدعم الغذائي والمحروقات في ليبيا ، وبعد سيطرة حفتر منذ سنوات على الهلال النفطي وذهاب ريع بيعه إلى السوق الدولية إلى خزانة المصرف المركزي في طرابلس وتحت إشراف المؤسسة الوطنية للنفط الموجودة أيضاً في طرابلس وبرئاسة صنع الله ، وليصبح بعدها حفترليس أكثر من كلب حراسة على النفط ليستقر الأمر على هذا وبدأ الاستقرار النفطي وزادت وتيرة المبيعات لتعود إلى أعلى سقف منذ بدأ الأزمة .
ولكن بعد كل هذا الاستقرار و بعد هذه السنوات عاد الجضران ليحتل المشهد من جديد بعد أن عاد بصورة سريعة إلى احتلال الموانئ النفطية من جديد شاناً معركة خاطفة على قوات حفتر التي أرجعها كيلومترات عديدة خارج الهلال النفطي بأكمله وعينه كما قال على إجدابيا ، فسارعت حكومة الوفاق الوطني والمؤسسة الوطنية للنفط على لسان رئيسها صنع الله و المجتمع الدولي على نبذ هذا الفعل وتجريم فاعليه وعلى رأسهم الجضران ، وما فتأ حينها هذا الأخير على الفرح بانتصاره وانتشائه بفعله حتى انقضت قوات حفتر من جديد على الموانئ وقامت بطرد المعتدين خارج الهلال النفطي ، حصل هذا بعد تكبيد الرزق الليبي إلى أضرار في البنية التحتية للموانئ جراء القصف المتبادل والاشتباكات ونقص في إمدادات السوق الدولي ببراميل البترول وبالتالي شح العائد المادي وتأثيره على الاقتصاد الليبي المتهالك أصلاً ، والأمر الذي زاد الوضع سوءاً إعلان حفتر نقل تبعية الهلال النفطي إلى المؤسسة النفطية الموازية في مدينة بنغازي حيث حكومة الثني .
وبعد هذا الجذب والكر والفر بين الطرفين فإن هناك سيناريوهات بعد المعارك الأخيرة حول الهلال النفطي وبعد إعلان حفتر الأخير كل منها يؤدي إلى احتماليات عديدة .
أول هذه السيناريوهات هو استمرار الصراع بعودة جديدة للجضران مما يخلق فرصة أكبر لزيادة أمد الصراع وخلق ثغرات جديدة لأطراف متجددين سيدخلون على خط الاقتتال كتنظيم داعش الباحث عن بؤر صراع يستفيد منها ليجد لنفسه مستقراً جديداً وبيئة خصبة إما بالتحالف أو بفتح جبهة تخصه ، وفي هذا السيناريو فرصة أكبر لإذكاء روح الحرب الأهلية في المنطقة الوسطى بكاملها بوقوف القبائل مع أطراف دون أخرى ربما تجذب شباب هذه القبائل للقتال مع طرف على حساب آخر فتخرج المنطقة من فكرة الصراع والابتزاز السياسي إلى فكرة الاقتتال لأجل بسط النفوذ القبلي .
وقد يقود السيناريو الأول إلى ثاني السيناريوهات المطروحة وهو ما بدأ الرأي العام يتحدث عنه وهو التقسيم الحقيقي للأراضي الليبية بأن يتمترسحفتر حول رأيه بتولي المؤسسة الموازية لزمام قيادة والإشراف على بيع النفط إلى العالم مما يودي إلى فكرة الانفصال بعد ذهاب ريع النفط الليبي إلى حسابات المنطقة الشرقية وحدها وقيام بعض القبائل والميليشيات التابعة لها بترسيم الحدود على هذا الأساس ورسم خط جديد يفصل طرابلس عن برقة بعيداً عن خط الأخوين فيليني .
أما ثالث السيناريوهات وهو تدخل المجتمع الدولي بقوة فيرفض اتجاه حفتروالجضران معاً وتطبيق بنود اتفاق باريس إما بتكليف قوة مشتركة تستلم الموانئ النفطية من قوات حفتر وتسيطر على الوضع بصفة عامة وإخراج المنطقة النفطية من دائرة الصراع أو العودة إلى مربع الصفر قبل هجوم الجضران بتولي حفتر حماية الموانئ النفطية مقابل إشراف مؤسسة طرابلس وحكومتها على الموانئ وبيع النفط وترتيب ريعه المادي لصالح الخزانة العامة .
وأمام هذه السيناريوهات يبقى التلاعب بمصير رزق الليبيين خطاً أحمر لا يجوز التنازل عنه لأي طرف كان وتحت أية ظروف تصنع ، فلم يترك لنا نظام القذافي البائد نظاماً اقتصادياً يقوم على غير فكرة تصدير النفط ، وهو ما نتمناه أن يتغير في حالة الاستقرار التي طالما انتظرناها ليتم وضع أسس اقتصاد قويم قوي يبتعد عن الاعتماد على الريع النفطي وتحكم السوق العالمية فيه لنصنع استقراراً حقيقياً لدولة حقيقية .
التدوينة ما بعد معارك الهلال النفطي ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.