مصباح الورفلي/ كاتب ليبي
مرّت سنوات و بضع أشهر على مفارقة مسقط الرأس والمُقام وأماكن مايزال الوجد والحنين يأخذاني لها كل يوم، بل كل لحظة تقع فيها عيناي على أماكن مشابهة لها.
الحنين المتوهّج بأحشائي ،تصاعد لهيبه من عنوان فراق الأحبة ومجامع التقاءهم،أعيت مآقلي من بكاء أحاول إخفاء مظاهره على مرآة جهي، و نفرة عذابٍ صاحبتني من يوم الوداع ونظراتي الأخيرة، لأقرب وأحبَّ الأماكن لقلبي الموجوع.
كتّاب سعدبن الربيع أو كتَّاب الشيخ إبراهيم الترهوني رحمه الله وطيّب ثراه الذي ظللت موريدا وطالباً فيه علي يدي شيخي منذ نعومة أظافري يدكي بجوانحي جدوة الاشتياق لحلقات الذكر وتلاوات عذبة من الاقران والاخوان .
مشاعر أحيتها ذكرى صور يقدح وميضها في دهاليز الذاكرة تعود بي لذاك المقام الروحاني تنقلّت بين حلقاته العلمية والتعليمية القرآنية عبرمسالك تقليدية ميّزت هذا الصرح التعليمي الضارب في تاريخ المدينة حتى أضحى الشيخ إبراهيم مفتاح الأحمدي الترهوني وكتّابه من أعلامها ومعالمها ،يشار إليه بالبنان ويقصده أهل الله وخاصته بانتظام وعلى الدوام .
أهل القرآن بمدينة بنغازي وضواحيها من عرفوا الشيخ وقدره ومكانته العلمية والتربوية يستشعرون بانتقاص يعتريهم لأنهم لم يكتبوا ” الشَّقة أو الملّة ” عليه ،تراهم في تنافس متحلقين حوله خانعين في تادّب ومنصتين لملّته آخذين بنصحه وتصحيحاته، تعددت غاياتهم بين نهل من معارفه، و بغية تدوين التنزيلات من المتشابهات ،ومنهم من قصده لتقوية أحكام التلاوة ،وآخرون أخذهم إليه التفاخر بسنده الموصول بالقرّاء الأولين.
كنت حينها صغيراً لم أتجاوز الرابعة عشر ربيعاً حين قصدت الكتّاب رفقة أحد رفاقي الذي كتب على يدي شيخي قرابة الخمسة عشر “شقّة” والمعروف بقوة الحفيظة والتثبيت، ترآءيت لدواعي عدة عدم ذكر اسمه هنا في مقالي.
أتيت إليه متعطّشاً خال الوفاض من أساسيات التعلّم ، تَشْكل عليَ الجمل وتناسقها،ملتوياً لسان بعقده الثقيلة،بالاضافة لجهلي بالرسم القرآني.
منذ أيامي الأولى أخذت قرار الاستمرار دون تردد عازماً على أمري، مزيلاً أوهاماً وأوجاساً راودتني مع تلك البدايات،لم تخفن عصا الخيزران بجانبه التي مااستعملها قط ،بدأت تداعب أصابعي القلم تجرّ الحروف على لوحي المطويّ بالطفلة الناعمة مستصيغاً ملّته بصوته الأجش يجبرك على إمساكها دون انفلات.
رحيم ،ليطف، حلو الطباع ،جميل الطلة، طويل القامة ، ناصع الجبين، غليظ الحاجبين ،وقوراً ذو هيبة جلية محبوباً من الجميع
ماعاقب طالباً ولا نهر موريداً، ولا استعمل الغلظة ،ولا كان فظ اللسان،مافارقت البسمة محيّاحه، تبعث نظراته في النفس السكون والاطمئنان.
مضى تاركاً في نفوسنا أثراً باقياً مابقت في أخيلتنا شيئ من ذكراه، رحمك الله ياشيخي وجزاك الله عنا خيراً بكل حرف علّمتنا إياه.
التدوينة شيئٌ من ذكرى شيخي والكتّاب ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.