طرابلس اليوم

الثلاثاء، 22 يناير 2019

كنّ في سجون حفتر.. شهادات من الداخل

,

 كان يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2016 فارقا في حياة السيدة الليبية أسماء. في بلدة توكرة (نحو 70 كلم شرق مدينة بنغازي) اعتقلتها عناصر أمنية تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر فغابت في السجون لأشهر دون محاكمة أو تهمة واضحة، وتعرضت للتعذيب. خرجت لاحقا، لكنها وقعت في دوامة الخوف وسجن العائلة والمجتمع، فحُرمت من بناتها وحياتها الطبيعية.

 

 حكاية أسماء تشبه قصص ريم وليلى وصالحة وسارة (وكلها أسماء مستعارة) في السجون والمعتقلات بمناطق سيطرة حفتر بالشرق الليبي، ولم تخرج شهادات هؤلاء النسوة للعلن في هذا التحقيق إلا بعد ترتيبات طويلة وعشرات المكالمات والاتصالات وتطمينات بالحفاظ على السرية.

 

بعض المعتقلات السابقات -ممن تواصلت معهن معدة التحقيق- رفضن بأي شكل الحديث عن تجربتهن إذ يعانين من رهاب وقوعهن تحت الرقابة الدائمة، ومنهن من تلقين تهديدات بالقتل من جهات سياسية أوعائلية في صورة الظهور إعلاميا أو التقدم بشكاوى، فيما تعوّل أسماء ومن تحدثن غيرها في هذا التحقيق على بقاء هوياتهن سرا.

 

أسماء.. في سجون “السلفية”

 

تتذكر أسماء (39 عاما) عندما جاءها “زوار الفجر” عند الساعة الثالثة صباحا واعتقلوها بتهمة مساعدة السكان على الخروج من منطقة قنفودة -نحو 15 كلم إلى الغرب من وسط مدينة بنغازي- وكانت من المعاقل الأخيرة لمقاتلي “مجلس شورى ثوار بنغازي” قبل سيطرة قوات حفتر عليها بشكل كامل في مارس/آذار 2017 بعد حصارها لعامين.

 

تقول أسماء إنه تم اعتقالها بعد القبض على أسرة تونسية ساعدتها في الخروج من منطقة بالقوارشة (نحو12 كلم إلى الغرب من وسط بنغازي) إلى إحدى بوابات المدينة. جاء ضباط الأمن إلى منزلها و”كان معهم قوة كبيرة، حاصروا المنزل وكأني إرهابية كبيرة أو داعشية” (تنتمي لتنظيم الدولة الإسلامية).

 

زادت معاناة المرأة التي تكفل خمس بنات حينما علم معتقلوها – بعد فتح حاسوبها المحمول- أنها ناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد كان لأسماء فعلا حسابان على تويتر، واحد يحمل اسمها وآخر باسم مدينتها “بنغازي”.

 

اقتيدت إلى التحقيق، تقول: “في البداية جرت محاولة لتصفيتي لأنهم كانوا يعتبرونني خائنة، ثم تراجعوا بعد أن ضمن رئيس جهاز مكافحة الإرهاب “عادل مرفوعة” عدم التعرض لي بأي مضايقات، سواء بالكلام أو الأفعال، ومع ذلك كان عناصر الأمن يتفاخرون بأنهم قاموا بالاعتداء على أخريات، وقالوا لي: اشكري الله أننا لم نفعل بك مثلهن”.

 

تقاسمت الزنزانة الضيقة بسجن “توكرة” التي مكثت فيها 17 يوما مع ست سجينات أو سبع يتغيرن كل فترة، وجميعهن معتقلات سياسيات ينحدرن من بنغازي وإجدابيا ودرنة، وكان هناك أيضا فلسطينيات وسودانيات ومن جنسيات أخرى.

 

يفتح الحمّام للسجينات مرتين فقط في اليوم، عند الثانية ظهرا والثالثة صباحا، وبالرغم من أن بعض النسوة كان معهن أطفال أعمارهم بين شهرين وست سنوات، لكن السجانين لم يراعوا ذلك، كما تقول أسماء.

 

كانت أسماء محظوظة إذ لم تتعرض للتعذيب في هذا السجن المكتظ بالسجينات السياسيات، وجاءت السلطات بمحققة حاولت الضغط عليها نفسيا دون أن تخضع لأي عنف بدني.

 

خرجت لاحقا من المعتقل لتستقر في بيت صديقة لها، لكن عناصر “كتيبة التوحيد السلفية” اعتقلوها مرة أخرى بعد أقل من شهر واقتادوها إلى مكان لم تعرفه في بنغازي.

 

كانت كتيبة التوحيد السلفية تصنف جماعة دعوية من مؤيدي العقيد الراحل معمر القذافي، تحولت لاحقا إلى مساندة حفتر بعد إطلاق عمليته العسكرية في بنغازي المعروفة باسم “عملية الكرامة”؛ وكغيرها من المليشيات تمارس الحركة سلطتها في عمليات الضبط والإحضار والاستجواب والإفراج والتعذيب، خصوصا في بنغازي.

 

تقول أسماء إنها واجهت من سجانيها الجدد ما لم يخطر لها على بال: “تم تقييدي بسلاسل ووضعي في غرفة مظلمة تماما وضربي بالعصي وبالأحذية على وجهي، ما زالت آثارها باقية. جردوني من ملابسي لكنهم لم يلمسوني، وكنت أسمع صراخا لمعتقلات بجواري من شدة التعذيب”.

 

في معتقلها كان معها تونسيات أزواجهن من مقاتلي “سرايا الدفاع عن بنغازي”، أُطلق سراحهن مقابل دفع “السرايا” مبلغ خمسة ملايين دينار (نحو مليون دولار) مع الإفراج عن أسيرين لديها من قوات تابعة لإحدى مليشيات حفتر.

 

و”سرايا الدفاع عن بنغازي” تشكيل عسكري كونته شخصيات بارزة من ثوار الشرق الليبي في يونيو/حزيران 2016، لنصرة مجلس شورى ثوار بنغازي في مواجهة “قوات الكرامة” التابعة لخليفة حفتر.

 

بعد سبعة أشهر، أُفرج عن أسماء بوساطة من أخيها الضابط في الجيش، وأصبح منزله سجنها الجديد لمدة شهر ونصف، قبل أن تتمكن إحدى بناتها من الدخول إليها لزيارتهاـ و”هرّبت” لها هاتفا جوالا تواصلت عبره مع صديقة ومجموعة من الشباب تمكنوا من إخراجها من بيت أخيها.

 

بطريقة “هوليودية” هربت أسماء من سجنها العائلي إلى سرت (نحو 560 كلم غرب بنغازي)، وهناك بقيت لفترة عند صديقة لها ثم انتقلت إلى طرابلس لتقيم عند صديقة أخرى، انقطع ما بينها وبين عائلتها إلا من اتصالات قليلة متباعدة مع بناتها عبر فيسبوك دون علم بقية العائلة.

 

سجن الكويفية ومأساة صالحة

 

 ولا تختلف مأساة صالحة (47 عاما) كثيرا عن معاناة أسماء إلا في بعض التفاصيل، من بينها أن صالحة كانت من نزيلات “سجن الكويفية والمعروف بسجن الشرطة العسكرية (نحو سبعة كيلومترات إلى الشمال من وسط مدينة بنغازي).

 

تحكي السيدة نجاة في تسجيل للجزيرة نت قصة اعتقال شقيقتها صالحة في فبراير/شباط من عام 2018 عندما كانت في زيارة لبيت أخيها في بنغازي، هناك تم تفجير مسجد أثناء وجودها في المدينة، واتهمها أحد رجال الأمن بتنفيذه بسبب أن بعض أفراد عائلتها معارضون لحفتر، وشقيقها قائد ميداني معروف تابع لمجلس شورى ثوار بنغازي، كما تقول.

 

ظلت السيدة صالحة لشهر كامل محتجزة في زنزانة انفرادية في مكتب تابع للأمن الداخلي. ألح المحققون في سؤالها عن مكان إخوتها الذين توفاهم الله واتهموها بأنها تتستر عليهم، وأكدوا لها أن إطلاق سراحها رهين باعترافها بمكانهم، وتم تحويلها لاحقا إلى سجن الكويفية للنساء الذي يضم سجينات جنائيات.

 

لم يسمح لصالحة بالعلاج رغم معاناتها من نقص الصفائح الدموية والروماتيزم وضغط الدم، كما أفاد الكشف الوحيد الذي خضعت له بشكل غير رسمي بعد مساعدة أحد الضباط تعرفت أختها نجاة على زوجته.

 

زارها أهلها مرتين فقط عرفوا فيها سوء الأوضاع في السجن الذي يعج بالجرذان والعقارب، وحكت لهم أيضا عن عذابات معتقلة سياسية سمتها “دنيا” تحتجز هي وطفلاها -أحدهما عمره ست سنوات والآخر عمره ثماني سنوات- رهائن منذ عام، حتى يسلم زوجها نفسه باعتباره مقاتلا في صفوف “مجلس شورى ثوار بنغازي”.

 

حكم على صالحة بالبراءة في قضية تفجير المسجد وبسبعة أشهر بتهمة أخرى وهي نشر آراء معارضة على فيسبوك، ولم يسمح لأسرتها بتوكيل محام لها إلا قبل خروجها بفترة وجيزة، ويروي إخوتها أن وكيل النيابة قال لهم إنها بريئة، لكن إخراجها قد يعرضها لبطش “كتيبة أولياء الدم”.

 

كانت هذه الكتيبة قد تشكلت من المقاتلين المدنيين من أهالي أو أقارب المؤيدين للواء حفتر، ممن طالتهم عمليات اغتيال في بنغازي بعد ثورة 17 فبراير، وقد نفذت عمليات اغتيال مضادة وأحرقت وهدمت منازل عائلات مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي ومن ارتبط بهم وهجّرتهم من المدينة.

 

ليلى و”أولياء الدم”

 

ومع “أولياء الدم” بالذات كانت مأساة ليلى، فالفتاة العشرينية لم يكن يدور في خلدها أن صورا وبضعة منشورات في صفحة شقيقها على شبكات التواصل الاجتماعي، ستؤدي بها إلى غياهب سجون “أولياء الدم”.

 

تقول ليلى إنها تم القبض عليها للمرة الأولى أواخر عام 2014 بتهمة تصوير “قوات الكرامة”، لكن أطلق سراحها، غير أن مأساتها الحقيقية بدأت في يناير/كانون الثاني 2015، عندما أنزل شقيقها -الذي نقل للعلاج في تركيا- على حساباته في مواقع التواصل صورا كانت التقطتها لشارعهم في بنغازي وتظهر فيه سيارتهم.

 

وتتابع ليلى قائلة “كنت أقيم في تلك الفترة عند أخي، المتزوج. وفجأة طرق الباب بقوة ودخلوا علينا، كانوا عشرين رجلا وضع بعضهم السلاح على رأس أبي، وسألوا عني؟ كان معهم سجانة (سيدة) قادتني معهم إلى الخارج”.

 

خارج البيت كانت هناك سيارات أمنية كثيرة وكأن الأمر يتعلق بأحد عتاة الإجرام، كما تقول، وتم اقتيادها إلى مكتب مسؤول الأمن الداخلي الذي لم تقنعه إجاباتها ودفعها بالبراءة. تحكي ليلى أثناء هذه المواقف عن تعذيبها بالضرب المبرّح وبالتهديد بالصعق بالكهرباء ثم صعقها فعلا.

 

تقول ليلى متذكرة الأيام الأولى لاعتقالها “بعد فترة نقلوني إلى غرفة أخرى وظل التحقيق مستمرا ويركز على مكان أخي وأصدقائه وكنيته على شبكات التواصل الاجتماعي. ويستمر الضرب والصعق بالكهرباء حتى الساعة الثانية صباحا، يتخلله تهديد باستهداف بقية عائلتي”.

 

بعد انتهاء التحقيق وهي على شفير الانهيار، نقلت ليلى إلى السجن، وهناك قابلت سيدات مصريات وسوريات، بينهن معتقلة سياسية مصرية متزوجة من ليبي، اسمهما “فريدة”، بحسب ما تقول.

 

تذكر أن السؤال الأول الذي وجهته السجينات لها هو “هل تم الاعتداء عليك جنسيا؟” تجيبهم أن ذلك لم يحصل. كثير من السجينات الجنائيات أخبرنها في سياق الحديث أنهن تعرضن للاغتصاب، إحداهن أكدت أنها تعرضت للاعتداء عليها وهي حائض.

 

هؤلاء النسوة تحدثن لرفيقاتهن داخل السجن عن اغتصابهن، لكن يصعب أن يثرن ذلك خارجه، وتؤكد السيدة منى عبد السلام رئيسة منظمة “النصير” لحقوق الإنسان -وهي إحدى الجمعيات الأهلية الليبية التي تعنى بقضية المعتقلات- أن النساء لا يتحدثن بسهولة عن تجربة الاعتقال، بسبب العادات والتقاليد في المجتمع، فما بالك بعمليات التحرش أو الاعتداء الجنسي التي تحدث بالفعل، لأن المجتمع لن يرحمهن.

 

في سجنها الجديد، لم تسلم ليلى ورفيقاتها من التحرش اللفظي والصفع والركل، تقول: “في إحدى المرات ضربت سجينة اسمها نجوى -رغم مرضها الواضح- حتى أغمي عليها ونقلت إلى المشفى. كانت هذه السيدة متزوجة من رجل مصري ولم يكن معها أوراق ثبوتية”.

 

في فترة ما وضعت ليلى في زنزانة مع متهمات جنائيات في قضايا مخدرات ودعارة، كان الأمر فوق احتمال الفتاة العشرينية، فخرجت بعد شهرين من هذه التجربة وهي في حالة من الانكسار النفسي والهزال الشديد بسبب سوء المعاملة وسوء التغذية داخل السجن.

 

غادرت ليلى مع والديها بنغازي إلى طرابلس برا بمساعدة من ناشطين يهتمون بالنازحين، وهناك خضعت لعلاج نفسي من أجل نسيان كوابيس أيام السجن التي تلاحقها، لكن ما عاشته يبقى “تجربة أثرت كثيرا عليّ وتركت آثارا قاسية، كما تقول.

 

ورغم أن عائلتها تعاطفت معها، بقيت نظرة المجتمع لليلى -سواء من بقية أفراد عائلتها الموسعة أو زملائها في الجامعة- تحصرها في خانة “السجينة السابقة” و”القاتلة” أحيانا.

 

تواصل الشابة العشرينية الآن دراستها في طرابلس، وتحلم بالسفر بعيدا عن تلك البيئة التي تصفها بالمتخلفة والتي حرمتها الحياة الطبيعية إلى حيث تستطيع العيش بأمان، وفق تعبيرها.

 

عجوز “داعشية”!

 

لم يشفع شيء للسيدة فريدة (65 سنة) لدى أفراد دورية مليشيات الكرامة في بنغازي، اعتقلت وسجنت لأكثر من عام رغم أنها أمّية ومريضة بضغط الدم والسكر، وتعيش بنصف معدة بعد استئصال النصف الآخر بسبب السرطان، وقد ذاقت الويلات لعام كامل قبل أن تتم مبادلتها بأحد أسرى مليشيات الكرامة.

 

 جاءت السيدة المصرية الأصل من مدينة الإسكندرية عام 2015، لتستقر عند ولدها الأصغر في بنغازي. في أحد أيام مايو/أيار 2015 رافقته لتطعيم ابنته في منطقة الأبيار (قرية تتبع منطقة المرج الواقعة على بعد 50 كلم شرق مدينة بنغازي)، وعند نقطة تابعة لمليشيات الكرامة تم اعتقالها بتهمة أنها “داعشية”، كما يروي ابنها بشير.

 

بعد قضاء ثلاثة أيام من دون تحقيق معها، نقلت “أم الدواعش” -كما أطلق عليها سجانوها- إلى سجن الكويفية ثم إلى سجن مكافحة الإرهاب في منطقة بودزيرة شرق بنغازي، ويروي ابنها بشير أنه لم يُسمح لهم بتوكيل محام لها أو بزيارتها إلا بعد شهرين من اعتقالها.

 

وتشير التقارير إلى أن سجن مكافحة الإرهاب ببودزيرة يُدار من قبل أكثر من خمس جهات أمنية لا بد من مرور كل سجين عليها، وهي: كتيبة “أولياء الدم”، وجهازا الأمن الداخلي والاستخبارات العسكرية، وكتيبة “السلفية” (المداخلة)، وقوة المهام الخاصة.

 

قضت الحاجة “فريدة” أكثر من شهرين من مدة سجنها في حبس انفرادي، ومنع عنها العلاج، ويحكي بشير عن تعرض والدته لانتهاكات أثناء وجودها في جهاز الأمن الداخلي، فيقول “حاولوا الاعتداء عليها بالضرب ووضعوها في الانفرادي ومنعوا عنها العلاج والطعام”.

 

لحسن حظ السيدة “فريدة” -أو بسبب سنها- لم تتعرض لانتهاكات جنسية، لكن ابنها يقول إنه لا يستطيع أن يجزم إن كانت والدته تعرضت لمضايقات من هذا النوع أم لا، “فهم معدومو الضمير، وأنا كرجل تعرضت لمثل هذه الاعتداءات عندما كنت معتقلا في جهاز الأمن الوطني”.

 

بعد أكثر من عام خرجت العجوز في عملية تبادل أسرى بين مليشيات الكرامة و”سرايا الدفاع عن بنغازي”، ويقول ابنها بلوعة: “كانت حالتها الصحية متدهورة، انفجرت مرارتها في السجن ومعي تقرير بذلك.. وبعد خروجها من المعتقل أُجريت لها عملية توفيت بعدها بنحو شهرين.”.

 

,,سجن مكافحة الإرهاب ببودزيرة يُدار من قبل أكثر من خمس جهات أمنية لا بد من مرور كل سجين عليها ،،

 

 

يقول بشير إنه تواصل مع منظمات دولية، وإنه صدر تقرير يؤكد براءتها ولكن لا أحد اهتم بذلك. بالنسبة له فإن حزنه على فقد أمه وما تعرضت له قبل ذلك من مهانة لا يجاريه إلا القهر الذي انتابه بعد فقدان أحد أشقائه وطفليه -أحدهما عمره 14 شهرا والآخر كان جنينا في بطن أمه- في حادث تعرضوا له أثناء هروب الأسرة من منطقة قنفودة.

 

كانت زوجة أخيه “سارة” الناجية الوحيدة من ذلك الحادث المأساوي، فنقلت إلى “مستشفى الـ 1200” في مرحلة أولى ثم إلى سجن الكويفية فسجن المرج (نحو 100 كلم شرق بنغازي)، وفي السجنين تعرضت للاعتداء عليها بالضرب والألفاظ النابية رغم مرضها.

 

لحسن حظ سارة أنها كانت أيضا الناجية الوحيدة من بين آخر العائلات المحاصرة العالقة في قنفودة، ممن سلموا أنفسهم لمليشيا تابعة لحفتر فقتلتهم جميعا. تم اعتقالها لمدة ثلاثة أشهر في مايو/أيار 2014، قبل أن يطلق سراحها وتجد طريقها لاحقا إلى تركيا.

 

بقيت سارة طويلا في أحد المستشفيات التركية، تحمل معها كوابيس تلك الأيام وجراحها النفسية والبدنية وتعالج قدمها التي كادت تفقدها بعد أصيبت خلال حصار مليشيات “عملية الكرامة” لمنطقة قنفودة.

 

الجريمة والعقاب

 

ويؤكد رئيس منظمة التضامن الليبية لحقوق الإنسان جمعة العمامي أن التاريخ الليبي لم يشهد حالات انتهاكات بحق المرأة بهذا الحجم، خصوصا في السجون والمعتقلات، حيث يستخدمن كرهائن في عمليات تبادل على خلفية الأوضاع السياسية والعسكرية.

 

يقر العمامي بأنه يصعب الحصول حتى على أرقام تقريبية لعدد السجينات بالسجون التابعة لعملية الكرامة شرقي ليبيا، بسبب التكتم الشديد والرعب الذي تنشره المليشيات التابعة لحفتر، ويقول إن قرابة 90 سجينة سياسية في سجن معيتيقة(طرابلس)، بينهن حوالي أربعين سجينة من زوجات عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، كما يوجد عدد آخر في سجن “الجوية” في مدينة مصراتة (نحو مئتي كلم شرق طرابلس).

 

تشير المعطيات التي جمعت والشهادات- وفق ما ذكره العمامي – إلى أن سجون المنطقة الشرقية، خاصة سجني “الكويفية” في بنغازي و”قرنادة” في مدينة شحات (شمال شرق، قرب مدينة البيضاء) يعتبران الأسوأ على مستوى معاملة السجينات والانتهاكات الحاصلة.

 

 وتدار معظم السجون في شرق البلاد وغربها من قبل “الفرقة المدخلية المتشددة”، وهم من مؤيدي عملية الكرامة- التي أطلقها حفتر عام 2014-، كما أن جميع أقسام مكافحة الجريمة يديرها أصحاب “الفكر المدخلي”، كما يقول العمامي.

 

من جانبه، يقول الباحث والناشط الليبي خالد العقيلي إن “الكرامة الإنسانية تنتهك بحق النساء في سجون شرق ليبيا وغربها” وأن السجينات يتعرضن إلى التعذيب اللفظي بالسب والقدح، إضافة للتعذيب الجسدي بالضرب بالعصي والركل واللكم والتقييد من الخلف وأن ذلك يتكرر في مختلف المعتقلات الرسمية منها والسرية.

 

أخطر ما في الأمر- كما يقول العقيلي- أن أغلب من يديرون هذه السجون أعضاء في ميليشيات ارتدت الزي الرسمي وأُصبغت عليها الشرعية، وهي تستخدم المدارس والمزارع وأماكن أخرى مخفية كمراكز اعتقال، وهناك تمارس الانتهاكات ضد النساء، وكذلك الأطفال والرجال.

 

ورغم هذه التجاوزات المتكررة والممنهجة بحق المرأة الليبية يفلت كثيرون من العقاب، يتخفون وراء “قانون الصمت” الذي كرسته عادات وأعراف تعتبر بوح المرأة بالمَظلمة فضيحة. كما تساهم حالة الانقسام والانفلات الأمني والسياسي بالبلاد في تفشي هذه التجاوزات وعرقلة أي رقابة أو محاسبة.

 

ضمن تقرير بعنوان ” تجاوزات خلف القضبان: الاحتجاز التعسفي وغير القانوني في ليبيا ” صدر في نيسان/ أبريل 2018 وثقت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حالات عديدة لاحتجاز غير قانوني للنساء في شرق ليبيا والاعتداء عليهن، بينها حالة فريدة علي عبد الحميد (فريدة في التحقيق) -الصفحات من 32 إلى 35-، كما أكد وجود حالات مماثلة في غرب ليبيا ومناطق أخرى. وأشار التقرير إلى أنه لا يقدم وصفا شاملا لمعظم ما يحصل في مراكز الاحتجاز خاصة السرية منها أو التي لم يسمح للمفتشين بزيارتها (سجن الكويفية مثلا) لكنه ينقل صورة قاتمة للأوضاع.

 

الجزيرة نت

التدوينة كنّ في سجون حفتر.. شهادات من الداخل ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “كنّ في سجون حفتر.. شهادات من الداخل”

إرسال تعليق