سليمان الشحومي/ خبير مإلى ليبي
انتفاضة فبراير 2011 أجهزت علي النموذج السياسي للدولة الليبية ولم تقدم بديلا مقبولا للمشاركة السياسية حتي الآن، ولكن الأسوء كان هو إخراج الاقتصاد الليبي من الخدمة وتحويله إلى حالة شاملة من الفشل والشلل، فانهار الناتج الإجمالي بسبب التدمير المتعمد لمصدر الدخل القومي الرئيسي والصراع اللاحق حوله من قبل القوي المتصارعة.
بدون أدنى شك أن كل المقومات والركائز الاقتصادية سواء الإنتاجية أوالخدمية والتجارية والصناعية قد تداعت أركانها بسبب خروج مؤسسات الدولة خارج الخدمة وتأثرها بالصراع المستعر حتي الآن.
طبعا الأزمة الاقتصادية عميقة وهيكلية من الناحية النظرية والعملية، فالأزمة الاقتصادية والتي تتركز في فقدان الاقتصاد الليبي القدرة علي حماية أصوله الاقتصادية والتي يعول عليها لخلق الثروة وتنميتها وكذلك فقدان قدرته علي خلق فرص عمل. وتزداد معدلات البطالة بشكل يؤدي إلى تعقيدات أخرى اجتماعية ، ناهيك عن فقدان المؤسسات المصرفية والتي كانت محرك تنموي وقائد لقاطرة الاقتصاد الليبي لخروج مفتعل خارج القضبان عبر تعطيل دوره وافتعال أزمة السيولة وإيقاف آليات خلق النقود والائتمان والذي يحرك عجلات اقتصادية متنوعة تقوم علي التمويل المصرفي، وزاد الأمر سوءا الانقسام المؤسسي والذي اجتاح كل المؤسسات الاقتصادية بدون استثناء، بدون أدنى شك أن الوضع الذي أصبح عليه الاقتصاد الليبي أسبابه تعود إلى فترة سابقة علي انتفاضة فبراير، ولكن السيناريوالأسوء كان علي يد الفوضى التي أحدثتها متصدري فبراير عبر منهج الإقصاء وفتح الباب لخلق زعامات اعتمدت علي سلطة وقوة غير خاضعة لسلطان الدولة.
ليس من المتوقع أن تكون المعالجات والإجراءات التي ربما يقوم بها البعض مما يفتقدون المقدرة ومشحونون برصيد من التطرف المنهجي وتحركهم دوافع فئوية مستترة خلف وعود براقة، أن تحدث تغيير حقيقي في حالة الانهيار الاقتصادي الشامل الذي تعيشه ليبيا الآن.
لا حل اقتصادي شامل متاح الآن، ولا يمكن لأي مسؤل اقتصادي أن يفعل شي يذكر الآن سوى تصريحات جوفاء معلقة علي برنامج إصلاحات اقتصادية لا يمكن أن يكتب له النجاح في ظل هذه الأوضاع، حتي وإن كانت النية والمساعي النبيلة التي يقوم بها ذاك المسؤول أوغيره لا ترقي في تقديري إلا إلى أن يرمي بحجر في مستنقع مياه الاقتصاد الراكدة ولن يستطيع أن يصنع شيئا يذكر سوي أن يتابع ما يحث من ارتداد لحظي بسيط علي سطح تلك المياه الراكدة.
المخرج من الدوامة المستمر ليست في تعليق الأمل بمشروع إصلاحات اقتصادية كما يسميه بائعي الهوي، بل في إعادة بناء الدولة قبل كل شي وتوحيدها وإيجاد نموذج ونظام اقتصادي يتفق عليه ويؤسس له دستوريا وبشكل واضح يرتكز علي القطاع الخاص المراقب من قبل سوق رأس المال وأدواته الرقابية علي أدوات الاستثمار بكافة أشكاله وتعزيز وتطوير الرقابة المصرفية عبر فصل الرقابة المصرفية عن دور البنك المركزي ليتفرغ للعمليات المتعلقة بالسياسة النقدية، والتخلي عن ملكية وزارة الاقتصاد والصناعة للشركات الحكومية والتحكم في إدارتها والتخلص من فرض الحكومة هيمنتها علي صندوق الانماء وغيره من الصناديق الحكومية والتركيز علي تغيير طبيعة الاقتصاد ذو المصدر الوحيد والمسيطر والذي عجز برغم موارده عن إيجاد فرص عمل للشباب الجامح العاطل عن العمل.
لا مناص من تنمية مكانية وإيجاد مناطق استثمار متخصصة وفقا لقواعد مختلفة تفتح آفاق اقتصادية غير تقليدية لليبيين والمحيط الإقليمي. إننا في حاجة لتحجيم دور الدولة ومؤسساتها في الحياة الاقتصادية وتركيزها علي التنظيم والرقابة وإعمال قواعد المنافسة والتركيز علي توفير بيئة للأعمال أكثر جاذبية للجميع والتركيز علي الشفافية الإلكترونية في إنجاز المعاملات وتطوير النظام القضائي بشكل عام والاقتصادي بشكل خاص.
وحتي يتحقق ذلك الأمل المنشود بتغيير اقتصادي حقيقي وباقتصاد حديث متطور شفاف ويقوم علي محركات اقتصادية واستثمارية فعالة ومنوعة، ستبقي طيور الفساد تأكل من رأس الاقتصاد الليبي.
التدوينة اقتصاد ليبي يأكل الطير من رأسه …… ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.