طرابلس اليوم

الأحد، 20 أغسطس 2017

خطبة الجمعة  … مهمة ورسالة

,

أحمد الدايخ/ كاتب ليبي
استطاعت خطبة الجمعة المحافظة على استمراريتها على مر القرون السابقة  ، واجتهد الفقهاء و من بعدهم عامة المسلمين على ضبط تفاصيلها وهيأتها  وفق السنة النبوية ، واستفرغوا الوسع في تعداد آدابها ومستحباتها ، واستطاعت التكيف _ خطبة الجمعة_  مع كل الظروف   سواء كانت خاصة بالدولة والنظام العام فيها  كأوقات العمل والدوام الرسمي ، أو كانت ظروفاً خاصة من سفر أو مرض ، أو طبيعية عامة كتقلبات الجو من حر وقيظ أو مطر وبرد شديد ليكون المسلمين على قدر كبير من  الحرص و  المحافظة على هذا  الاجتماع الشعائري  الذي يعمّق للشعوب  شعورهم بالانتماء إلى جماعة المسلمين ، والتركيز على ما يوحّدهم ويبصّرهم بأولوياتهم وهمومهم المشتركة ، ويعمق وحدة حسهم الحضاري .
فخطبة الجمعة تسهم بنصيب وافر في تشكيل الوجدان العام للمسلمين وتوجيههم وتشكيل عقليتهم الجماعية  ، غير أن الدور المناط  بمنبر  الجمعة تراجع لأسباب عديدة ومتنوعة ، حتى أصبح البعض يحضر الجمعة  فقط لإسقاط ما  بذمّته من واجب  ، وأصبح الذهاب لخطبة الجمعة ضرباً من الروتين  نتيجة لفقدان خطبة الجمعة  لمهمتها  و رسالتها    ، فيحضر المصلي للجمعة غير مكترث لما يقول الخطيب وغير منتفع به  ، ولعل  كثيراً منهم معذورون  فعادةً ما تكون المواضيع   مكرورة   ومملة ، ولا تحرّك العواطف والعقول وكثيراً ما تكون الخطب سطحية ، وتغرق في الجزئيات  .
فيكون لدينا واقع لخطب الجمعة مرتبك وغير سليم ويحتاج  لكثير من التقويم والتصحيح  ، والخطباء الذين يقفون على هذه المنابر  ليسوا في مستوى الخطابة   فبجانب الضعف العلمي لديهم ، كثير منهم لا يدركون فن الخطابة  باعتباره فن من فنون الإعلام  ويعتقد أن جرأته الأدبية وقدرته على مواجهة الجمهور تعوّضه عن دقيق التعبير وعميق المعنى  وفنون الإلقاء  واستمالة الجمهور ؛ فيتولد نتيجة هذا القصور ذلك استياء عام لدى مرتادي المساجد .
إن  من أكبر أسباب المشكلة  في نظري هو فقدان الهدف الأساسي لخطبة الجمعة والمتمثل أساساً في أنه : )  تشكيل وعي مشترك ورأي عام موحد حول القضايا والأحداث والأولويات التي تحيط بالناس وتبصيرهم تجاهها وفق مقاصد الشرع الحنيف )   فيقع الخطباء  على العكس من ذلك في أخطاء تفقد الخطبة وظيفتها الأساسية  ، وفيما يلي عرض لبعض منها:

1)  البعد عن الواقع  وتجاهل  حياة الناس ومعايشهم والهروب إلى بطون الكتب وخطب الإنترنت ونسخها  وقراءتها كما هي فيُهمل بذلك الواقع المعاش ويبتعد عن اهتمامات المصلين والقضايا التي تشغلهم وتكثر الأخطاء وتتكرر ويتولد  الفصل  بين المنبر  والواقع مما يشعر الناس معه بعدم أهمية الكلام  و جدية الخطاب .

2)  غياب المنطق العلمي في الخطبة : من جميل ما يذكر لابن تيمية أنه يقول : “إن الرسل تأتي بمحارات العقول، لا بمحالات العقول”  فالدعوةُ صريحةٌ لاحترام العقول وتوظيفها في فهم الدين وعلى الرغم من ذلك  ، فكثير من الخطباء لا يحترمون عقول مستمعيهم ، ولا يبنون أفكارهم واستنتاجاتهم على أسس منطقية سليمة ومقنعة فتجد الهرطقات التي ينفر منها العقل وتستهجنها الألباب ،   ويظهر الخلل بيناً جليَاً في أدوات إثبات الظاهرة  أو علاجها  فيقع الخطيب فريسة التعميم ، و الدعوى بلا دليل، والاجتزاء ، والمقارنات الخاطئة بين الأمور، والتبسيط المخل ، وعدم التوازن بين طرح المشاكل وعرض حلولها ووسائل علاجها .

3) جعل المنبر حلبة  صراع والخطبة ساحة لتصفية الحسابات سواء كانت  شخصية أو حزبية أو قضايا خلافية  فيصرّ الخطيب على نقل خلافاته المذهبية والفقهية  والفكرية  فيُلبس على الناس  أمرهم  وينشغلون بقضايا هامشية أو اجتهادية  ويصاب الكثير منهم باليأس والإحباط لما آلت إليه  أوضاع المسلمين بسبب الحزازات والخلافات .
4) إطالة الخطبة دون أن يستحق الموضوع المطروق الإطالة مما يورث الناس الملل والضجر  وقد قال  رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول )  إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ، فأطيلوا الصلاة ، واقصروا الخطب )  رواه أحمد ومسلم  والمئنة : العلامة والمظنة  .
فيطول الكلام ويُنسي بعضه بعضاً و يضيع المستمع في التفاصيل ويشرد به الذهن عن الموضوع الأصلي  فللنفس البشرية قدرة معينة على التحمل والاستيعاب !!
فينبغي على الخطيب أن يركز تركيزاً جيداً على صياغة الأفكار وأن يربطها  ببعضها ربطاً محكماً فكل فكرة توصل إلى أختها  أو تكون جزءاً منها  وأن يبتعد عن القفز بينها وأن  تكون المركزية في ذلك كله للقرءان الكريم ،  فيعتمد عليه اعتماداً كلياً ، وأن يُحسن عرض ما سبق عن طريق وعاء  لغوي متقن وأن ينوع في أساليب العرض لديه  .
عندها سيظهر تأثير  الخطيب  واضحاً في السامعين ،  ويصبح  إضافة  أسبوعية  لهؤلاء  ويحدث التفاعل الإيجابي المطلوب لخطبة الجمعة ، ويشعر الناس معها أنهم قد ازدادوا إيماناً و تعمق لديهم الشعور بالانتماء الديني والأخوي  وأصبحوا أكثر وعياً وبصيرة بقضاياهم المشتركة ، وتترسخ  المعاني القرءانية  في أذهانهم ولا يتبخر أثرها بعد دقائق من انتهاء الصلاة ..

التدوينة خطبة الجمعة  … مهمة ورسالة ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “خطبة الجمعة  … مهمة ورسالة”

إرسال تعليق