طرابلس اليوم

السبت، 2 يونيو 2018

تقرير ديوان المحاسبة.. جدل واسع وتداعيات واتهامات

,

آثار التقرير العام ديوان المحاسبة لسنة 2017، الذي أصدره في 23 من شهر مايو الماضي، جدلا واسعا لدى الساسة والمسؤولين والشارع الليبي، وأحدث تداعيات ربما ستزيد من الأزمة الاقتصادية في البلاد التي أرهقت كاهل المواطن.

و نشر ديوان المحاسبة برئاسة خالد يوم الأربعاء الماضي، تقريره السنوي عن العام الماضي، والذي كشف فيه عن فساد مالي وإهدار للأموال الدولة من قبل الحكومات المتعاقبة في البلاد وأعضاء من المجلس الرئاسي والبرلمان ووزراء ومسؤولين أخرين ومؤسسات سيادية.

وتعيش ليبيا منذ قرابة ثلاثة أعوام أوضاعا اقتصادية صعبة ألقت بضلالها على المواطنين الذين يعيشون في ظروف اقتصادية قاسية، بسبب الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ عام 2014، أدت إلى انقسام مؤسساتها السيادية من بينها المؤسسات الاقتصادية.

وفي هذا الصدد، أكد رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك خلال عرضه للتقرير السنوي، أن الانقسام المؤسسي رمى بظلاله وأوجد صراعًا كبيرًا بين المسؤولين لإدارة مؤسسات الدولة الليبية، موضحا أن إنهاء الانقسام السياسي سيعالج العديد من المشاكل في البلاد، على حد قوله.

فساد مالي

ووفقا شكشك، فقد تضمن التقرير بعض التجاوزات منها الفساد المالي الكبير في الاستثمارات الخارجية والسفارات وعمليات التعيين فوق حاجة الدولة وعمليات الاختلاس الكبيرة في التوريد والتي كشف عنها ديوان المحاسبة، إضافة إلى المبالغ الضخمة التي كانت ستدفع لشركات أجنبية في تعاقدات سابقة، مبينا أن التقرير جزء من العملية الرقابية ولا يمثل العملية الرقابية بأكملها.

وأكد شكشك، أن تقرير ديوان المحاسبة مارس الرقابة اللاحقة على كافة مؤسسات الدولة ورصد الكثير من التجاوزات التي ارتكبت من مؤسسات الدولة، مشيرا إلى أن كل ما ورد في هذا التقرير مثبت بالأدلة، لافتا إلى أن طريقة الإنفاق وعدم التوجيه الصحيح للأموال والموارد تسبب في زيادة تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد خلال السنوات الأخيرة.

وكشف تقرير ديوان المحاسبة، عن إنفاق الدولة لمبلغ 277 مليار دينار في الفترة من عام 2012 إلى 2017، مشيرا إلى أن إنفاق الحكومة الموقتة فقط خلال الفترة ذاتها وصل إلى 21 مليار دينار، بينما أوضح أن مصروفات الدولة العامة خلال العام 2017 الماضي بلغت أكثر من 32 مليار دينار.

وبحسب التقرير، فإن تمويل الدولة عن طريق السلف من المصرف المركزي بلغ 58 مليار دينار، بينما وصلت المصروفات من حسابات الطوارئ أكثر من 700 مليون دينار، متضمنة بنود المرتبات والموظفين والتسييرية والتنمية والدعم والطوارئ، فيما بلغت الأموال المهربة من الدولة نحو 334 مليون دينار.

وحدد التقرير الدين العام التراكمي منذ منتصف العام 2013 وحتى نهاية العام 2017، بنحو 58 مليار دينار، دون أن يشمل ديون الحكومة الموقتة، لافتا إلى لجوء الحكومة لتغطية عجز إيراداتها العامة منذ العام 2013 عن طريق سلف المصرف المركزي وحساب الاحتياطي العام واحتياطي المجنب وباقي أرصدة الحسابات المصرفية.

اتهام ورد

وأشار ديوان المحاسبة إلى أنه نبه مرارا مصرف ليبيا المركزي ووزارة المالية بضرورة العمل على إجراء المطابقات اللازمة للمصادقة على قيمة الدين والتنسيق لتقديم مشروع قانون يعرض على السلطة التشريعية يعالج الدين العام المحلي، محملا المصرف المركزي مسؤولية ما أسماه “الإحباط والجمود” الذي طال برنامج الإصلاح الاقتصادي المقترح.

وقال التقرير السنوي الصادر عن الديوان، إن محافظ مصرف ليبيا المركزي رفض المباشرة في تنفيذ الإصلاحات إلى أن تُعتمد من مجلس النواب، حيث صرح المحافظ في تلك الجلسة أنه سيتولى عرض البرنامج على رئيس مجلس النواب.

المركزي يرد

وفي رد على هذه الاتهامات، قال مصرف ليبيا المركزي، إن تقرير ديوان المحاسبة صدر ونشر بالمخالفة للقانون الذي يستلزم أن يكون إعداد التقرير نتاج عملية مراجعة واعتماد للحساب الختامي للمصرف، وهو مالم يقم به ديوان المحاسبة منذ عام 2010.

وأشار المصرف في بيان له، أن التقرير لم يقم أيضا بمراجعة واعتماد الحساب الختامي للدولة منذ عام 2007، وغيرها من المؤسسات الهامة الأخرى مما يمتنع معه الكشف عن حقيقة الفساد الذي تعاني منه أجهزة الدولة، فضلا عن مساءلة المسؤولين عن ذلك الفساد، الأمر الذي أسهم في زيادة هدر المال العام.

ورأى المصرف، أن ديوان المحاسبة أغفل الالتزام المناط به قانونا بإحالة تقريره السنوي إلى السلطة التشريعية، باعتبارها الجهة المخولة باتخاذ التدابير اللازمة والرادعة حيال الجهات التي يثبت ارتكابها للتجاوزات، بعد أن يحظى التقرير بالمراجعة اللازمة.

وأضاف مصرف ليبيا المركزي تابع صدور تقرير ديوان المحاسبة عن العام 2017، وبدلا من أن يأخذ هذا التقرير تسلسله المبني والقانوني ليحقق نتائجه المرجوة تكرر تحول صدوره إلى مناسبة إعلامية يتم فيها استعراض وجهة نظر أحادية، بعيدا عن الموضوعية، وبالمخالفة للقانون”.

وأكد المصرف المركزي بطرابلس، أن ديوان المحاسبة خالف في تقريره معايير المراجعة المعتمدة حيث لم يقم بإحالة ملاحظاته إلى الجهات المعنية وتلقي ردودها حول تلك الملاحظات قبل تضمنيها في تقريره، مما جعل التقرير مكتضا بالمغالطات، وفق قوله.

ودعا المصرف، ديوان المحاسبة إلى ممارسة رقابة فاعلة ومجدية تجاه ظاهرة الفساد، موضحا أن إجمالي الانفاق العام الوارد في تقرير الديوان عن 2017، قد ثبت أنه خضع أكثر من 80% منه لرقابة الديوان المسبقة، ما كان يستوجب عليه إيقاف الفساد الذي اكتنف هذا الإنفاق في حينه بدلا من أن ترتفع وتيرته عاما بعد آخر، رغم وجود رقابة ديوان المحاسبة المسبقة.

تدخل قضائي

واستدعت شبهات الفساد المالي والاتهامات المتبادلة تدخل القضاء، لطالب المجلس الأعلى للقضاء في بيانه، طالب النائب العام وبشكل عاجل دراسة التقرير بكل عناية وجدية ودقة، والاتصال الفوري والمباشر بديوان المحاسبة لطلب وإرفاق محاضر الاستدلالات التي قام بها الديوان مع كافة الوثائق والمستندات والأدلة المؤيدة لتلك الاتهامات والوقائع.

وشدد المجلس، “على إنجاز تلك المهمة في أسرع وقت ممكن وكشف الحقائق وإحالة من يثبت تورطه في تلك المخالفات المالية إلى القضاء”، مؤكدا للجميع أن القضاء الليبي لن يتهاون ولن يتوانى عن القيام بواجبه في التحقيق والمحاكمة وعقاب كل مجرم وفاسد أضر بالوطن والمواطن مهم كانت صفته وأيا كان موقعه.

وأكد المجلس الأعلى للقضاء، أن يد العدالة ستطال كل مخالف كائنا من كان، وذلك استشعارا منه بأهمية ما جاء بهذا التقرير وخطورة ما ورد به من مخالفات وتهم، وفق نص البيان.

فساد متجذر

ورأى الباحث الاقتصادي محمد الشباح، أن تقرير ديوان المحاسبة أصبح حديث الساعة بعدما أصابتهم الدهشة بحجم الفساد وبالأرقام المرعبة التي أظهرها التقرير، موضحا أن ظاهرة الفساد في ليبيا لها أصول متجذرة وازدادت وتيرة الفساد بعد العام 2011، حين أرتقى سلمها “الحزبيين” وسيطر على مفاصلها “النفعيين” في غياب تام للشرفاء الإصلاحيين، حسب تعبيره.

وقال الشباح، إنه نظرا لخطورة ظاهرة الفساد وصعوبة التحكم فيها، فهذه الظاهرة ممتدة لا تحدها حدود ولا تمنعها فواصل وطالت كافة مؤسسات الدولة الليبية ولم تسلم منها أي مؤسسة، واصفا ذلك مثل “مرض الورم السرطاني الذي يصيب جسم الإنسان إن لم يعالج مبكرا فلن تجدي معه العقاقير الطبية نفعا”.

وأشار الشباح، إلى أن خطورة الفساد في مؤسسات الدولة ليس بحجمه ونوعيته وإنما بنوعية مظلة الحماية التي تعفي المفسدين من المساءلة القانونية، قائلا: “أن مظلة الحماية هي عبارة عن مافيات من الساسة والمليشيات المسلحة والقانونيين الفاسدين الذين لهم صلة بمافيات دولية متخصصة في غسل الأموال والتجارة غير المشروعة ومافيات الجريمة المنظمة”.

ووفق رأيه، فقد أكد الباحث الاقتصادي أن حكومات أخرى ستأتي وستعبث بمقدرات وأرزق الشعب الليبي، طالما هذه المافيات مازالت مسيطرة على مفاصل الدولة، مستدلا بوضع دولة العراق، قائلا: “ولنا في العراق خير دليل”.

تحسن ملحوظ

ورغم كل هذا الجدل إلا أن التقرير أكد أن العام 2017 شهد تحسنا ملحوظا في الإيرادات التي وصلت إلى نحو 22 مليار دينار مقارنة بإيرادات العام 2016 التي بلغت 8.5 مليار دينار فقط، فيما بلغ عجز العام الماضي نحو 10.7 مليار دينار مقابل عجز بقيمة أكثر من 20.9 مليار دينار في عام 2016.

وأكد رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، أن تقرير الديوان أثبت وجود تحسنا ملحوظا في اقتصاد الدولة وزيادة في ترشيد الإنفاق بالنظر إلى حجم الإنفاق، ووجود تحسن بخصوص توحيد مؤسسات الدولة بعد اتفاق الصخيرات السياسي، منوها إلى أن ذلك لم ينعكس على تحسين الحياة المعيشية للمواطن.

وربما يرى الكثير أن هذه الخطوة من رئيس ديوان المحاسبة كانت شجاعة وتحليا بالمسؤولية الوطنية والنزاهة والشفافية، ولكن هل سيتحلى ديوان المحاسبة الموازي في مدينة البيضاء بالشجاعة والشفافية ذاتها ويكشف عن خفايا المؤسسات الموازية بالشرق الليبي؟!.

التدوينة تقرير ديوان المحاسبة.. جدل واسع وتداعيات واتهامات ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “تقرير ديوان المحاسبة.. جدل واسع وتداعيات واتهامات”

إرسال تعليق