أبوبكر بلال/ صحفي ليبي
ثمة مهلكات للحركة الإسلامية التي تهدف في مجمل أهدافها إلى نشر الفضيلة وإعادة القيم الإسلامية في المجتمعات وتغيير واقعها من واقع متأثر بالغرب في عاداته وأخلاقه وفهمه لدينه إلى واقع إسلامي في عاداته وأخلاقه وفهمه لدينه على النحو الذي فهمه الجيل الأول.
من هذه المهلكات ـ التي لم تقع فيها حركة من الحركات إلا وأهلكتها وغيرت مسارها وجعلتها كغيرها من الحركات التي اخترقت أو تم احتواؤها ـ مهلكة المال السياسي أو فتنة المال بصفة عامة.
لا ينكر أحد أن المال هو عصب الحياة وبه تتوفر القوة والمنعة وأسباب البقاء والتأثير في الغير، لكن المهلكة التي نتحدث عنها فيما يخص الحركات الإسلامية هو الكيفية التي يأتي المال بواسطتها ليبقيها ويصنع لها أدواتها المختلفة في التعبير والتأثير.
هذه المهلكة تفطن لها الإمام حسن البنا ـ رحمه الله تعالى ـ فجعل من إحدى خصائص حركته ما سماه: ( البعد عن هيمنة الكبراء والأعيان )؛ لأنه كان يدرك جيدا أن قبول الدعم المادي من هؤلاء الذين سماهم الكبراء والأعيان سواء تمثلوا في هيأة دول أو مؤسسات أو أشخاص سوف يعرض حركته للاختراق والاحتواء والتوجيه، وسواء كان هذا الدعم موجها إليه شخصيا كونه قائد الحركة أوغيره من قادة الإخوان في ذلك الوقت فتحتوى حركته بسهولة فائقة، أو كان هذا الدعم موجها إلى أفراد من الحركة فتخترق وتنتهك وتفضح مما يسهل عملية ضربها من قبل خصومها وأعدائها.
ولذلك لما عرض على ” البنا ” هذا الدعم من قبل الإنجليز وعملائهم في مصر ـ وقد كانوا يدعمون كثيرا من الجميعات والحركات على اختلاف مرجعياتها وخلفياتها الفكرية والسياسية ـ رفض البنا هذا الدعم للأسباب التي سبق ذكرها.
كذلك الحال في زمن الحركة السنوسية لما أسس الإمام محمد بن علي السنوسي ـ رضي الله عنه ـ حركته وأسس نظام الزوايا خصص لمشايخ الزوايا دخلا وأطعمة وأشربة وفق نظام دقيق مشترطا عليهم ألا يقبلوا الهدايا والأعطيات لتأثيرها على سير الحركة في الدعوة إلى الله وربما قاد قبول الهدايا إلى التساهل مع من أريد تقويم دينهم ومنهجهم، وكذلك حتى لا يكونوا عرضة لاستمالة المستعمر الفرنسي الذي قامت الحركة بجهاده وقتاله.
وفي زمننا هذا لم يفلح الكيان الصهيوني اختراق حركة حماس السائرة على نهج الإخوان المسلمين وفكر ” البنا ” رحمه الله تعالى، بشهادة الكيان نفسه الذي استطاع أن يخترق حركة فتح وغيرها بالمال وبأساليب أخرى الأمر الذي تسبب في تراجع دور الحركة النضالي واختلط حال أفرادها ما بين فرد يقبع في سجون الاحتلال وبين آخر نصب رئيسا من قبلهم أو جعل في منصب رفيع فيما يسمى بالسلطة الفلسطينية، وهذا لا يعني قبول الحركة لشيء من الدعم الآتي من بعض الجهات التي تناصب العدو الصهيوني العداء أو تلتقي مع حماس في نفس الهدف وهو إنهاء الاحتلال.
ونحن إذ نتطرق إلى هذا الموضوع المعقد الذي ركزت عليه حركات إسلامية عدة فإننا نذكر كل عامل من أجل هذا الدين أن يضعه نصب عينيه، ولا يغرنه تراجع أو انتكاسة أصابته أو أصابت مؤسسته في أن يتهافت نحو هؤلاء الكبراء والأعيان وإن بدا لنا قربهم وحملهم للفكرة نفسها، فالذي يعطي ويهب لن يكون سخاؤه دون مقابل ينتظره أو دون توظيف وجب عليه أن يؤديه، إذ أن هذا التراجع اليوم الذي أصاب الحركات الإسلامية أمام ضربات الثورة المضادة وروادها المخططين والمنفذين ليس إلا تأهيلا واختبارا لمرحلة التمكين إن شاء الله، إذ ليس بالضرورة أن تكون الحركات العاملة اليوم في الساحة والتي تلقت الضربات التي ستقويها بعون الله هي الحركات التي سيمكن لها، فهي في نظري حركات التضحية التي وجب عليها أن تضحي، وليس حركات التمكين التي اعتقدت أن هذه المرحلة قد حان وقتها.
التدوينة المال السياسي والحركات الإسلامية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.